ترجمة وتحرير نون بوست
المسار المثير والمعقد لهذا الصراع بين الكبار الذي شهده العصر الحديث تلخصه صورتان؛ الصورة الأولى لدونالد ترامب ومظاهر البذخ التي شهدها زفافه الثالث في مبنى مارالاغو في العام 2005، حيث كان السيناتور البارز عن نيويورك يبتسم وهو يتوهج بالذهب والحرير والمجوهرات. وظهر المليونير بربطة العنق البيضاء ترتسم على شفتيه ابتسامة صادقة أثناء قوله شيئا ما جعل هيلاري كلينتون وزوجها بيل وزوجته هو ميلانيا يضحكون بشكل هستيري. وبدا ترامب وهيلاري حينها كأنهما “شابان واقعان في الحب” في تلك اللحظة المبهجة، بحسب وصف ديفد باتريك كولومبيا، المحرر في موقع نيويورك سوشيال دايري.
أما الصورة الثانية التي كانت أكثر قتامة فهي المناظرة الرئاسية التي احتضنتها مدينة سانت لويس في الشهر الماضي: وقف الباندا الملون ترامب وهو يلوح خلف هيلاري بينما كانت تلقي خطابها، في مشهد يذكرنا بأفلام الرعب وما يفعله الأشرار عادة.
في ذلك الوقت كانت ثلاث نساء استضافهن ترامب يجلسن في الصف الأمامي، وقد كن يرمقن هيلاري بنظرة ازدراء، فيما كانت تشلسي كلينتون ووالدها بيل بالقرب منهن وتبدو عليهما علامات الحرج.
هذا هو الفرق الذي يحدثه عقد واحد من الزمن: من احتفال ضخم وأسطوري، ابتهجت فيه هيلاري وبيل كلينتون بصداقة ترامب، إلى وجوه حاقدة على دونالد الذي عمد للنبش في الماضي وفتح ملفات بيل القديمة، مهددا بأنه سيرسل هيلاري إلى السجن إذا انتخب رئيسا.
نحن نشهد الآن الأمتار الأخيرة من أول سباق رئاسي بين مرشحين من مدينة نيويورك منذ 72 عاما، أي منذ أن تنافس توماس ديوي وفرانكلين دي روزفلت، وقد استخدم حينها هذا الحاكم الجمهوري لنيويورك وهو في عمر 42 عاما أسلوب ترامب في الهجوم ضد الرئيس الديمقراطي البالغ من العمر 62 عاما، ملقبا إياه “بالرجل العجوز المنهك”.
ستعقد في ليلة الانتخابات حفلة التتويج في مدينة مانهاتن، وستعقد هيلاري حفلها في مركز المؤتمرات جافيتس بسقفه الزجاجي، وذلك بحسب ما كشفته ماغي هابرمان في تقرير لها حول الحملة الانتخابية في صحيفة التايمز، ويحمل هذا الاختيار دلالة كبيرة، فخلال أواخر السبعينات أراد ترامب بناء هذا المركز ووضع اسمه عليه، ولكن سلطات المدينة رفضت ذلك.
في هذه الانتخابات التاريخية، والمروعة والغامضة في آن واحد، والتي قد تتسبب في انهيار الحزب الجمهوري وتحول جذري في إيديولوجيا الحزب الديمقراطي، لم ينتبه أحد إلى دور مدينة نيويورك في هذا الصراع. وحده الممثل لين مانوول ميراندا سلط الضوء على هذا الجنون في برنامج “ساترداي نايت لايف”، حين حث الشعب الأمريكي على إعمال عقله والبقاء بعيدا عن جنون الانتخابات والقدوم لمشاهدة مسرحية “هاملتون”، وقال:”الأمر يدور بين اثنين من سكان نيويورك غارقين في القذارة والبشاعة، وفي حملة انتخابية مليئة بالقذف والشتائم بعيدا عن الواقع”.
في كتاب “ساحة واحدة مدمجة ” في نيويورك لمؤلفه إلوين بروكس وايت ورد أن المصارع والمروج قد يدخلان مع بعضهما إلى إحدى المدن وألسنتهما تلهج بالوعود. حول هذا الأمر قال الوجه التلفزيوني المعروف في مانهاتن دوني دوتش: “مثّل هذان الاسمان خلال العقدين أو الثلاثة العقود الماضية كل ما كان قاسيا وخارجا عن إطار المعقول في هذه الدولة، ويمكننا تتبع انحطاط وتدهور قيم هذا المجتمع من خلالهما”.
قصة صعود دونالد ترامب وهيلاري ونشوئهما، وتقاربهما، وتصارعهما هي قصة مدينة نيويورك بحد ذاتها. إنها قصة القوة، والتأثير، والمكانة، والمجتمع، والطموح، كل هذا أثار اندهاش الكاتبة الروائية إديث وارتن، التي امتلكت عائلتها في يوم ما أفخم المنازل قرب مكان شيد فيه الآن برج ترامب.
بدأت عائلة كلينتون انتقالها من واشنطن إلى نيويورك في العام 2000، حتى تتمكن هيلاري من متابعة طموحها في أن تصبح سيناتورا في الولايات المتحدة، وأن تحلق بعيدا عن زوجها بعد فضيحة مونيكا لوينسكي. لم تعش هيلاري قط في نيويورك، ولكن هذه المرأة الانتهازية لم تجد حرجا في دخول هذه المدينة، التي احتضنت بوبي كينيدي عندما غادر فجأة ماساتشوستس وضواحي واشنطن في عام 1964، وكانت هيلاري تطمع في مقعد السيناتور دانيال باتريك موينيهان.
هذا هو الفرق الذي يحدثه عقد واحد من الزمن: من احتفال ضخم وأسطوري، ابتهجت فيه هيلاري وبيل كلينتون بصداقة ترامب، إلى وجوه حاقدة على دونالد
عندما وصلت العائلة، وجدت الكثير من الخلافات ومشاعر العداء بين النخب الثرية، التي كانت مقسمة بشكل حاد بين بوش وآل غور. على الرغم من أن أثرياء الحزب الجمهوري والديمقراطي في نيويورك التفوا بشكل كبير حول هيلاري في ذلك الوقت، فإن مديري الأعمال كانوا متخوفين من آل غور أكثر من عائلة كلينتون. في تلك الأيام كان الديمقراطيون يتذمرون من أن الانتخابات سرقت منهم، وكان الجمهوريون يتذمرون أيضا للسبب نفسه.
كانت هيلاري حريصة على أن تبدو غريبة عن أجواء وحسابات مانهاتن، ولذلك كما اختار بوبي لونغ أيلاند كقاعدة له، اختارت هي واستشيستر. وأعادت تقديم نفسها على أنها محبة لفريق اليانكيز في نيويورك ومولودة في مدينة شيكاغو وابنة منطقة غرايت لايك، عندما خاضت حملتها الانتخابية في شمال الولاية. لقد غيرت نيويورك –خاصة عندما تكون سيناتورا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر – من شخصية هيلاري. وقد قال السيناتور تشارلز شومار من نيويورك “لقد صقلتها المدينة، الحياة تفعل هذا بالناس، ونيويورك تقوم به أيضا”.
احتاج زوجها بيل أيضا إلى إعادة تأسيس نفسه. وبعد اتهامات له بالتقصير وبعد عفوه عن الملياردير السجين مارك ريتش أصبح في وضع سيء. توجب عليه إلغاء مخططات تأجير مكاتب فخمة لصالح مؤسسته في “برج كارنيجي هال” بما قيمته 800 ألف دولار في السنة بعد ظهور الانتقادات، لينتقل عوضا عن ذلك إلى مكاتب في هارلم بإيجار لا يتجاوز 210 ألف دولار في السنة.
تعرض هذا الرئيس السابق المحب للحساء للتجاهل من قبل أربعة من نوادي الغولف المرموقة في واستشيستر عندما حاول الانضمام إليها. وقد علق ترامب في صحيفة التايمز شامتا من هذا الموقف: “الآن أصبح كلينتون لا يستطيع المشاركة في نوادي الغولف في واستشيستر، رئيس سابق يتوسل لدخول ملعب غولف. هذا شيء لا يعقل”.
بدأ بيل حملات معدة بعناية من أجل تحسين صورته، مقدما خطابات في المعاهد ومستعينا بأعضاء سابقين في حكومته للحديث عن إرثه. وبينما بدأ بيل يرقى بصورته أمام الرأي العام، كان يعمل على نقل مقرات مؤسساته إلى وسط المدينة.
مع تواصل مساعي هيلاري للوصول لمجلس الشيوخ، تمسكت عائلة كلينتون بمواصلة عملها. وبدأت العائلة بجمع المال بشكل مستمر منذ العام 1990، ولكن التساؤلات زادت منذ أن أطلقت مؤسستها في عام 2001، وتراكمت عليها الثروة الجديدة القادمة من وال ستريت، الذي كانت تسيره أموال الاستثمارات والتكنولوجيا.
شقت عائلة كلينتون طريقها بعيدا عن الديون والالتزامات المستحقة، من خلال صفقات الكتب والخطابات مدفوعة الأجر ودور بيل كمستشار لمؤسسة يوكايبا للأسهم التابعة لرونالد باركلي، ومن خلال الفواتير القانونية المتتالية من التحقيقات الفدرالية، بعد جمعه لمبلغ قدره 230 مليون دولار في السنوات الخمسة عشر التالية.
مع تشكيل عائلة كلينتون لحياة جديدة في نيويورك، بدأ ترامب بالظهور هو أيضا، وتحول من مقاول مغامر يواجه خطر الإفلاس إلى حائز على شهادة لخفض المخاطر باسمه، ومن مؤسس الوقاحة إلى نجم ذهبي في البرنامج التلفزيوني “ذي أبرنتس”. خرج ترامب من كوينز كطفل انتهازي مستند على أموال عائلته، ولكن تنقصه مهارات اجتماعية تعينه على تسلق سلم المجتمع.
قال واين بارات، كاتب السيرة الذاتية “ترامب أعظم عرض على الأرض”، إن ترامب وعلى الرغم من أنه كان عالقا في شارع أفينيو زاد، كانت عينه على مانهاتن”. كما قالت غواندا بلير، كاتبة “ذو ترامبز”: “كان ترامب متألقا في السبعينات بثلاث قطع ملابس، البدلة ذات اللون العنّابي والحذاء الأنيق وسيارة الليموزين”، كما قالت عنه: “هذا الشاب اليافع ريفي قدم إلى المدينة، في وصف يذكر برواية ‘الوهم الضائع” للكاتب بلزاك.
تشكل المشهد العام في مجتمع نيويورك من قبل عائلة روكفلر وأستورس بشيء من الكياسة التقليدية، والأعمال الخيرية، والاهتمام بالفن. حتى أولئك الذين جمعوا المال بطريقة وحشية كان لهم مظهر حسن أمام الناس. وكان مايكل بلومبرغ أبرز نموذج لهذا التكتيك، بينما كان دونالد ترامب عكسه تماما.
أحد كبار مسئولي “مؤسسة نيويورك” تحدث حول هذا الموضوع ولكن طلب أن يبقى مجهول الهوية (وهذا أمر مفهوم بما أن العديد من الناس يريدون الحديث بكل سرية عن دونالد ترامب وهيلاري كلينتون لأن كلا الحلفين معروفين بالرغبة في الانتقام)، وقد أشار هذا المسئول إلى أن “من بين الأثرياء والمتفوقين الذين قدموا إلى نيويورك، بدا ترامب شخصا غير مرغوب فيه، ولم يكن قائدا اجتماعيا. إن نيويورك مكان يرى فيه أشخاص من أصحاب الأسهم والمديرين التنفيذيين، على غرار هنري كرافيس وستيفن شوارزمان، وهم يقومون بأنفسهم بنشاطات للصالح العام”.
لا تأتي مكانتهم من كونهم يعملون في شركات ذات نفوذ، بل تأتي أيضا من ارتباطهم بالمستشفيات والجامعات والمراكز الثقافية. ولم يكن ترامب جزء من ذلك المناخ الاجتماعي. عندما استضاف الملياردير ترامب حدثا خيريا لصالح قدامى المحاربين أو مسابقات الغولف الخيرية تم تجاهله من قبل الناس، لأن ذلك هدفه خدمة المصالح التجارية لترامب.
فقد قضى دونالد ترامب على العديد من الأشخاص في عالم العقارات، والبنوك، والقانون، بقبضته القوية، والرشاوى، والعناد، وحالات الإفلاس، والدعاوى القضائية. وقد قال مسئول مالي سامي من نيويورك “غالبية مستثمري العقارات لا يرغبون في الاقتراب منه، لأنك إن جلست مع مجموعة من الكلاب تنهض محملا بالبراغيث”.
بالغ ترامب في التظاهر بالثراء، وتصرف كأنه ثري من أثرياء بلومبرغ، بينما تظاهرت عائلة كلينتون بأن لديها أقل مما تملك فعلا. أراد ترامب الشعور بالانتماء واكتساب الشرعية من خلال المزاحمة وشق الطريق بين الحشود، بينما تخطت عائلة كلينتون عتبة الانتماء بعد عهدتين في البيت الأبيض. وقد رفضت واحدة من أبرز الشخصيات الإعلامية هؤلاء الثلاثة وقالت: “لم يعتبر أي شخص هنا أن عائلة كلينتون تنحدر من نيويورك، ودونالد لم يكن أكثر من شخص انتهازي، فقد كان دائما شخصا ثقيل الظل في المدينة”.
أدرك ترامب أن الغولف سيكون مدخله للاقتراب من بيل كلينتون، الذي اعتبره شخصا يقدس الحياة العائلية نوعا ما؛ رجل عظيم يجلب لنفسه غيرة الحاقدين. وقد قال أحد الكتاب الذين تحدثوا عن عقارات نيويورك: “بل هو ترامب، ولكن بقاموس”. وكان ترامب يفرط في محاولة إغراء رونالد ونانسي ريغان بإمبراطورية أعماله، وحاول مع عائلة كلينتون بالقدر نفسه أو أكثر. فقد سبق أن كان له ناد كبير لملاعب الغولف في واستشيستر، اشتراه أثناء عملية تصفية ممتلكات في أواخر التسعينيات. وأغلق النادي في عام 1999 لإعادة تطويره من القمة إلى القاع. وأعاد ترامب فتحه تحت اسم نادي ترامب الوطني في العام 2002.
كان النادي يبعد ستة أميال عن بيت كلينتون، وتمكن ترامب من اللعب معه. وتزلف منه أكثر فعلق صورته على الجدار، وكان النادي يحتوي حتى شهر حزيران/ يونيو الماضي على خزانة خاصة بكلينتون.
قال لي ترامب إنه أعاد بناء النادي، لعدة أسباب من بينها أنه يعلم أن بيل كلينتون كان يحتاج إلى مكان يلعب فيه. وكما ذكر دان فاناتا جونيور، الكاتب المميز في قناة إي أس بي أن، في كتابه حول الرئيس والغولف “أول نقطة لعب”، “إن ترامب كان يستمتع باللعب مع الرئيس السابق”. وقد قال ترامب لفان ناتا “كانت لديه الكثير من مواهب الغولف، ولكن كان يفضل تلك الضربات التعويضية، إن أخطأ رمية، أراد أخذ فرصة ثانية، كما هو الشأن في الحياة الحقيقية”.
حسن ترامب علاقته مع الرئيس السابق والسيناتور هيلاري، مقدما لمؤسسة كلينتون مبلغ 100 ألف دولار هدية من مؤسسته الخاصة. وبحسب كتاب “كشف ترامب” لمؤلفيه مايكل كرانش ومارك فيشر، فإن دونالد ترامب تبرع لخزينة السيناتور هيلاري ستة مرات بين 2002 و2009 بمبلغ إجمالي يساوي 4.7 مليون دولار، وبين 1999 و2012 غير انخراطه السياسي بين الحزب الديمقراطي والجمهوري والأحزاب المستقلة سبعة مرات.
كانت صداقتهما مرحلية وليست شخصية كما يقال في فيلم “العراب”، إنه مجرد التقاء مصالح. وكانت حياة ترامب في نيويورك تتركز حول دعم تجارته وجمع الأموال. وكان الأمر نفسه مع عائلة كلينتون، حتى أن موظفا سابقا في البيت الأبيض قالها بوضوح: “كان هذا أمرا طبيعيا في تصرفات كلينتون، فقط كان يذهب أين يوجد المال”.
وقد قال برنارد كاريك، وهو مفوض شرطة سابق في نيويورك استدعي لحفل الزفاف الثالث لدونالد ترامب وسجن بسبب التهرب من الضرائب وبعض الجنايات الأخرى: “لقد لعب جميعهم اللعبة نفسها في المدينة نفسها بالآليات العقلية نفسها، حسن علاقاتك وابني أعمالك، فالمال محور الحراك، والتسابق والحذر في الرهانات واستغلال الثغرات”.
لم يكن ترامب ضمن دائرة من يجتمعون في حفلات العشاء، كان يعيش في عالم ضيق يدعى “عالم ترامب”، وكانت طريقته المفضلة في تمضية السهرات هي طلب لحم تشيز برغر من فراسكو باي سكوتو، يلتهمه بسرعة وهو يشاهد الأحداث الرياضية على التلفاز.
فقد أشار لويس سانشاين، نائب رئيس سابق لمؤسسة ترامب، إلى أن عالم كلينتون كان أوسع وأكثر حيوية، أما ترامب فقد تحرك في عالمه بين حاجاته الخاصة ورغباته بحسب نوعها وتوقيتها.
ولئن ظهرت عائلة كلينتون في بعض الأحداث والمهرجانات وحفلات ميلاد الأصدقاء، إلا أنها لم تكن ضمن دائرة “مجتمع مائدة عشاء”. عندما سألت ترامب في الصيف الماضي بأن يصف علاقته بعائلة كلينتون، كان محايدا وقال: “بصفتي رجل أعمال علي مصاحبة كل السياسيين، لم تكن علاقتنا وطيدة جدا”.
أما هيلاري فقد وصفت ذهابها لحفل زفاف ترامب بأنه كان بهدف اللهو فقط، وفق تصريح أحد أصدقائها الذي قال إن “هذه الزيارة أتت أكلها”. ولكن بعض مساعديها عبروا عن تفاجئهم لذهابها إلى هذه البهرجة الزائدة؛ فهم يعتقدون أن هيلاري أعادت ترتيب جدول أعمالها لأنها اعتقدت أن ترامب في الحقيقة ليس متبرعا سخيا كما قد يبدو عليه الأمر.
ظهرت هيلاري وزوجها بيل كلينتون في هذا الحفل، مختلطين مع حشد النجوم، الذين كان من بينهم هايدي كلوم، بربارا والترز، الممثل السابق أرنولد شوارزنيغر، شون كومبز، المغني آشر، ستيف وين، ديريك جيتر، دون كينغ، سيمون كويل، غايل كينغ، مات لوير كاتي كوريك، التي واجهت المتاعب بعد المغامرة المهنية التي قامت بها حيث جلبت كاميرا مخفية في شكل محفظة يدوية للحفل. كما حضر الحفل بول أنكا، بيلي جويل، إلتون جون، وتوني بينات.
حضر أندري ليون تالي مع أنا إنتور لأن صور العروس كانت ستزين الصفحة الأولى لمجلة “فوغ”، حيث كان أندري محررا أمريكيا في غالب أعماله. وسافر عبر الطائرة إلى باريس ليتسوق مع ميلانيا لشراء فساتينها، وقد اختارت فستانا بلا أكمام من تصميم جون غاليانو بقيمة 230 ألف دولار، وفستان كوكتيل فيرا وانغ للتغيير أثناء السهرة، كما كان يقوم بواجباته أثناء الحفل من استقبال واهتمام بالتفاصيل، بينما كانت ميلانيا تتجول في المكان وترقص. وقد وصفها بالمرأة “ذات الملمس الحريري، وأكثر النساء دقة وعناية من بين كل النساء اللاتي عرفهن، مضيفا أن البشرة الجافة ليست جذابة.
أصبح دونالد ترامب حينها نجما تلفزيونيا، فقد بدأ موسمه الثالث في برنامج “ذي أبرنتايس” على قناة أن بي سي. وكما كان ذوقه في تزيين شقته في برج ترامب، مثل “ذوق الملك لويس الرابع عشر” بحسب وصف تيموثي أوبراين، مؤلف كتاب “أمة ترامب”، كان زواجه الثالث أيضا كأنه بث مباشر من قصر فرساي الفرنسي.
وقد قال تالي: “كان هذا الرجل يعد غرفة كبيرة لزوجته، التي كانت تتبع أسلوب أوروبا خلال القرن 18، وهو الأسلوب الذي كان هو يحبه، كان الرخام قد جلب من إيطاليا جوا، وكانت الغرفة مثل القصر، مغطاة بالذهب، مزينة بيد فنانين جاؤوا من فرنسا. وكانت هناك أوركسترا سيمفونية كاملة تعزف على المباشر”.
وقد أكد محرر عمود المجتمع في نيويورك سوشيال دايري، دايفد باترك كولومبيا، أن عائلة كلينتون كانت في أبهى حلة: “أعجب ترامب بفكرة أن عائلة كلينتون حضرت الزفاف، لأنه دليل آخر على المستوى الذي بلغه من نجاح شخصي، وكان ذلك هو كل همه”.
ربما كان تصادم ترامب وعائلة كلينتون أمام العلن أمرا لا مفر منه. ولكن هل كان مخططا له؟ في مطعم برج ترامب خلال الصيف الماضي سألت الملياردير ترامب حول مخطط كان معدا لجعله يدمر الحزب الجمهوري من الداخل، والمكالمة الهاتفية التي جاءته من بيل كلينتون في آيار/ مايو 2015، عندما بدأ رجل الأعمال ونجم برامج الواقع يفكر في المشاركة في سباق الرئاسة. وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست شهادة أربعة أشخاص من حلفاء ترامب وواحد من مساعدي كلينتون وهم أكدوا أن كلينتون شجع ترامب على لعب دور كبير في الحزب الجمهوري.
وقد صرح روجر ستون، وهو مؤلف كتاب “حرب عائلة كلينتون على المرأة” وكان محل ثقة ترامب لفترة طويلة، أن بيل حث ترامب على المشاركة في السباق وشجعه على التفكير في فرضية دخوله البيت الأبيض. وقال ستون: “ولهذا السبب فإن عشاق نظرية المؤامرة يعتقدون أن الأمر معد سلفا، بيل لم يستطع الامتناع عن التدخل، فهو يحب هذه اللعبة لأنه مخادع كبير”. كما قال ستون إن “ترامب سأل بيل قبل ثلاث سنوات إن كان يمكن لمرشح مستقل الفوز بالرئاسة لوحده دون الاستعانة بحزب، فأجابه بيل بأن ذلك غير ممكن”.
“سيعود ترامب ليصبح أشهر الوجوه في عالم الأعمال، كما لن تتضرر أي من شركاته، سيبقى ترامب كما هو، وسيبقى الجميع راغبين في مقابلته”
حاولت الغوص في أعماق هذه القصة الغامضة ذلك اليوم في برج ترامب، ولكن عند التعامل مع بيل وترامب والحقيقة، يكون الهدف صعب التحقيق.
سألت ترامب: “هل أخبرك بيل بأن عليك المشاركة في السباق الرئاسي؟”
فأجاب ترامب: “لم يخبرني هل أترشح كمستقل أو ضمن حزب”، كان يتكلم وأمامه صحن من كرات اللحم.
ولإضفاء بعض المتعة على نظرية المؤامرة، عندما بدأت أبحث في مدى صحة هذه القصة، ولكن في برج ترامب ظهرت رواية مغايرة، بعد أن أخبرني أنصار ترامب أن تلك المكالمة تمحورت حول محاولة بيل إقناع ترامب بالانسحاب من السباق لأنه كان مقتنعا أنه قادر على هزم هيلاري.
قوبلت هذه النسخة الجديدة من الرواية بسخرية أنصار كلينتون، وقد قال مساعد سابق للعائلة: “بيل كلينتون ليس فرانك أندروود، أضمن لك أنه لم يتصل بترامب بمخطط لإنقاذ الوضع قبل خطوات من حسم اللعبة. لقد كان لبيل نظرية: عليك أن تعطي الكثير حتى تحصل على الكثير. ولكنه لم يتدخل إلى هذا الحد الذي يخبر فيه الناس بالمشاركة والانسحاب من سباق الرئاسة. يجب على ترامب أن لا يبالغ في تضخيم نفسه ويعتقد أن بيل مهتم به، لم يكن ترامب سوى شخص آخر ضمن قائمة طويلة”.
ولكن مهما كان العامل الرئيسي لمشاركة ترامب فإن الطريقة التي قاد بها السباق أذهلت بيل. صعد ترامب هجماته بعد أن تسربت تسجيلات ميكروفون بيلي بوش، وتعمد جلب أعداء بيل للواجهة من جديد، لم يجرأ أحد على بلوغ هذا الحد من قبل، لكن ترامب فعل ذلك وقال “إن هيلاري لديها في بيتها واحد من أكبر المتحرشين بالنساء ينتظرها لتناول العشاء معها”.
وقد علق أنصار كلينتون قائلين بكل أسى: “لأكثر من 15 عاما نسي الجميع كل هذا، ولكن عاد كل شيء للواجهة الآن”. وهاجم ترامب بكل حماس عائلة كلينتون بعد أن أحرجها بتحقيقات البريد الإلكتروني من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي. مورطا أنتوني واينر، الزوج السابق لمساعدة هيلاري هما عابدين، الذي تحرش بفتاة قاصر لم تتجاوز 15 عاما من كارولينا الشمالية عبر إرسال رسائل جنسية.
لهذا ذهلت نخبة نيويورك بالمدى الذي بلغه ترامب وبدؤوا يتناقشون وضعية عائلة ترامب وأحد أبرز منظريه، جاريد كوشنر، وهو زوج إيفانكا ابنة ترامب وناشر صحيفة “نيويورك أوبسرفر”، وفرضية إجبارهم على الانسحاب، غير أن بعض الناس يعتقدون أن الموقف العام من أبناء ترامب سيكون أكثر ليونة، بينما يعتقد البعض الآخر أن اسم ترامب تضرر بشكل لا يمكن إصلاحه وأن كل العائلة ستصبح منبوذة. وقد تساءل هانك شينكوبف، وهو مستشار سياسي ومخضرم في الحزب الديمقراطي: “هل ستستخدم كلمة ترامب ككلمة نابية بين سكان نيويورك؟ أعتقد أن هذا وارد”.
قد يكون هذا بداية عهد جديد لترامب الذي تسبب في تشويه صورته، فقد ترك الحملة الانتخابية خلال المرحلة الأخيرة من السباق من أجل التسويق لفندق جديد بواشنطن، من الواضح أن هذا الفندق بدأ يعاني منذ أن خفض ثمن غرفه الفخمة، وخسر المشرف المشهور خوزي أندري، بعد أن قرر هذا الأخير أن ترامب “عنصري ويسبب انقسام المجتمع” ولا يصح العمل معه.
“ذهبت مؤخرا لأحجز في هذا الفندق، فخالجني شعور الفراغ الكبير في المكان، كانت هناك عائلة أمريكية من ذوي الأصول الأفريقية تجلس تحت علامة ترامب رافعين بصمة الاستنكار، والشريط الخاص بمسرح الجرائم معروض في الواجهة مكتوب عليه “حياة السود مهمة”.
وقد قال أحد الرجال المهمين في عالم الإعلان والتسويق: “يمكن أن أقول لك في وسط الحشود، لن يقوموا بأي شيء له صلة بترامب، فقد كره الناس ما يقوم به”.
ولكن الكاتبة في صحيفة نيويورك بوست، سيندي أدامز، تعارض هذا الرأي، حيث قالت: “سيعود ترامب ليصبح أشهر الوجوه في عالم الأعمال، كما لن تتضرر أي من شركاته، سيبقى ترامب كما هو، وسيبقى الجميع راغبين في مقابلته”.
قال ترامب أنه يأمل أن تظل تشيلسي وإيفانكا (اللتان عانتا من مشاكل الكبار منذ أن غرق أبويهما في الشأن العام) صديقتين. ولكن على الجانب الآخر يرى الناس أنهما يظهران قلة الصداقة أمام العامة، ويرون أن إيفانكا، كما فعل أبوها مع عائلة كلينتون، كانت من يدفع نحو التحالف. وقد قال المدير التنفيذي لمؤسسة عائلة كلينتون “لا يوجد شيء اسمه علاقة إيفانكا وتشلسي، هناك فقط الممثلة إيفانكا، كانت تلك مجرد مصالح مشتركة، لقد تحصل الطرفان على ما أرادا”.
“ترامب أعظم عرض على الأرض”
يقول البعض أن الأمور ستكون أكثر صعوبة على كوشنر، اليهودي المحافظ الذي ساعد ترامب بشكل كبير أثناء ظهور حديث حول معاداته للسامية في الحملة الانتخابية. وقد قال جو كوناسون، مؤلف “رجل العالم” والموظف السابق لدى كوشنر بصحيفة الأبزرفر: “سيتذكر الناس هذا، قد تنجوا بفعلتك هذه في أجزاء من فلوريدا ولكن في نيويورك لا تستطيع النجاة”.
أحد أصدقاء ترامب في عالم العقارات قلق من أن المجموعات التي دمرها ترامب ونزع عنها إنسانيتها ستعمل على الانتقام منه، وهو يقول: “لقد نفرت النساء منه، والأثرياء، ودول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، هنالك أرضية مشتركة سيجتمع فيها الناس ضده”.
في العشاء السنوي لعائلة سميث، الذي انتظم في الشهر الماضي في والدورف أستوريا، أقيمت حفلة الرباط الأبيض الخيرية تحت إشراف الأسقفية الكاثوليكية في نيويروك، وقد ضمت كبار شخصيات المجتمع والإعلام، وخلال الحفل قد بعض السياسيين خطابات هزلية، واستقبل ترامب بحرارة كافية بعد أن قدم آل سميث بالقول: “إنه طفل من كوينز بقلب كبير وفم كبير وهو بلا شك من رموز نيويورك”.
ولكن عندما بدأ ترامب بقصفه العشوائي ضد هيلاري مع اقتراب نهاية السهرة، بشكل لا يتناسب مع طبيعة الحدث، بدأ الجمهور يطلق صيحات الاستهجان، حينها علم ترامب أنه رفض من قبل نخبة مانهاتن التي عمل جاهدا على إرضائها. بعد ذلك خرج من الحفل مسرعا مع ميلانيا ولم يحدث أحدا. بعد وصوله إلى مكان عزلته في “فيفث أفينيو زانادو” تابع ترامب تأدية مشهد عن جنون العظمة والعار من فيلمه المفضل “سيتيزن كاين”، الذي يتحدث عن فشل ملياردير نيويورك الذي حلق عاليا وجرب عالم السياسة ثم تعرض لسقوط مدو بعد فضيحة جنسية.
قال ترامب في إحدى المرات أن فيلم “سيتيزن كاين” في الحقيقة يتحدث عن التراكمات: “في نهاية التراكمات سنرى ماذا سيحدث، ولن يكون بالضرورة أمرا إيجابيا”. في الأثناء رصدت هيلاري في الحفل وقد مكثت 20 دقيقة بعد مغادرته وهي تضحك بين الحشود.
المصدر: نيويورك تايمز