لى الرغم أن تولي امرأة رئاسة البلاد أمر متكرر في العديد من الدول، إلا أن لفظ السيدة الأولى على وجه التحديد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالولايات المتحدة، والتي لم تشهد في تاريخها أي تولّ لسيدة منصب الرئيس، وهو ما دعا الأمريكيون للتفكير فيما سيحل بمنصب السيدة الأولى حال تولت سيدة مقعد الرئيس في المكتب البيضاوي.
أصل اللقب
يختلف المؤرخون حول أصل اسم السيدة الأولى، إذ يُرجعه غالبهم إلى الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا، حيث استُخدم للإشارة إلى مارثا واشنطن، زوجة الرئيس المؤسس للولايات المتحدة، جورج واشنطن، والتي كانت قد توفيت قبل استخدام الاسم بقرابة نصف قرن. لكن جورج واشنطن نفسه كان قد استخدمه ذات مرة في الحديث عن زوجته بقوله “إن السيدة الأولى لا تزال تحتفظ بعاداتها القديمة، إذ تفارق وسادتها عند الفجر، وبعد الإفطار تعود إلى غرفتها لقراءة الكتاب المقدس والتعبد”، كذلك تعتقد بعض المصادر إلى أن الرئيس زاكاري تايلور، استخدمه في حفل تأبين رسمي لدوللي ماديسون، زوجة الرئيس الرابع للولايات المتحدة جيمس ماديسون، والتي كانت قد توفيت في العام 1817، إلا أن آخرين يعودون بالاسم لأقدم من ذلك بكثير، إلى الجمهورية الرومانية.
ففي مسعاه للتقرب من شعبه، وبعد توليه الإمبراطورية، قرر غايوس أوكتافيوس ألا يطلق على نفسه ألقاب مثل “ديكتاتور” أو “ملك”، في حين قرر أن يسمه نفسه بتواضع “Princeps Civitatis” أو المواطن الأول، وبذلك تصبح زوجته، هي السيدة الأولى للإمبراطورية الرومانية.
وفي كل الأحوال، فإن الاسم لم ينتشر في الولايات المتحدة أو يصبح ذائع الاستخدام إلا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
ما الذي تفعله السيدة الأولى بالتحديد؟
ليس لمنصب السيدة الأولى أي وجود رسميّ، فلا تحصل السيدة الأولى على مقابل جرّاء وظيفتها البروتوكولية.
تطوّر منصب السيدة الأولى بشكل مستمر عبر القرون، فقبل كل شيء، هي مضيفة البيت الأبيض. تحضر وتقوم بإعداد الاحتفالات وحضورها إما بالنيابة عن الرئيس أو بصحبته، وعادة ما يكون للسيدة الأولى أدوارًا اجتماعية وحتى سياسية متعددة.
مارثا واشنطن نفسها، وحتى قبل أن ينتشر الاسم، قامت باستضافة العديد من المناسبات الاجتماعية، فيما عُرف أحيانًا باسم “البلاط الجمهوري”، ما وفر لسيدات المجتمع وزوجات الساسة فرصة للعب دور أكبر في الشؤون السياسية من وراء ستار.
دوللي ماديسون أضافت أدوارًا اجتماعية أخرى للسيدة الأولى مثل المشاركة في فعاليات لرعاية الأيتام والنساء، وكانت ماديسون هي النموذج الأمثل للسيدة الأولى حتى جاءت إلينور روزفيلت، والتي فعلت ما هو أكثر من ذلك بالإدلاء بآرائها بشكل مستمر، إلى حد أنها كانت تكتب عمودا أسبوعيا في الصحف، كما استضافت برنامجا للراديو.
وعادة ما كان لكل سيدة أولى بعدها ما يميز جهودها، أو ما تتمحور حوله تلك الجهود. فقد دعمت بيتي فورد حقوق النساء، في حين قامت روزالين كارتر بأنشطة متعددة لمساعدة المتأخرين عقليّا، وقامت بات نيكسون بتشجيع التطوع، ونانسي ريغان أسست حملة ضد المخدرات، كما قامت باربرا بوش بدعم قضايا التعليم، أما هيلاري كلينتون فقد اهتمت بالنظام الصحي في الولايات المتحدة، وتُعتبر ميشيل أوباما مميزة بتركيزها الشديد على عائلات العسكريين وحتى سمنة الأطفال.
لكن ما الذي يمكن أن يفعله زوج الرئيسة في مثل هذا المنصب؟ وما الذي سيُطلق عليه أصلًا
بشكل ما، لا يبدو أن منصب السيدة الأولى قد فرغ منذ تأسيس الولايات المتحدة، إلا أن الجدل حول السيدة الأولى لم يرتبط بوجود سيدة في منصب الرئيس، إذ تكررت عدة حالات في تاريخ الولايات المتحدة، لم تكن فيها زوجة الرئيس على قيد الحياة أو غير مستعدة أو راغبة في شغل المنصب.
توماس جيفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة، على سبيل المثال، انتُخب بعد وفاة زوجته، ولذلك فإن ابنته مارثا واشنطن هي التي شغلت منصب السيدة الأولى بين مارس 1801 و مارس 1809، كذلك شغلت ابنة أخ الرئيس الخامس عشر للولايات المتحدة جيمس بوكانان منصب السيدة الأولى إذ أن بوكانان كان الوحيد الذي لم يتزوج طوال حياته من بين الرؤساء الأمريكيين عبر تاريخها.
القرين الأول!
ربما لم يحدث ذلك حتى الآن في الولايات المتحدة، لكنه حدث في دول أخرى، ففي البرازيل تولت سيدة منصب الرئيس، وفي الفلبين، وفي العديد من الدول الأخرى، ويبدو الحل الذي استخدمته بعض البلاد ناجعًا. إذ أنهم يطلقون على زوج الرئيسة اسم “القرين الأول” أو First Spouse بالإنجليزية، أو ربما First Gentleman، ما يعني السيد الأول، وهو أمر معتاد في الولايات المتحدة على نطاق مختلف، إذ يُطلق اللقب على زوج عمدة الولاية إذا كانت سيدة.
بعض من علقوا على الأمر من الأمريكيين أجابوا على ذلك التساؤل بأن بيل سيُدعى “الرئيس السابق” في كل الأحوال، فيما أجاب بعضهم بأنه من الأيسر أن يطلق على بيل رقم 42، كونه كان الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة!
كذلك من غير المتوقع أن يتولى بيل كلينتون مسؤوليات استضافة المدعوين للبيت الأبيض أو تجهيز الاحتفالات الرسمية أو إدارة الشؤون الاعتيادية والمهام التي تقوم بها السيدة الأولى عادة، لذلك فلن يكون من المستغرب أن يتولى أفراد من عائلة كلينتون هذه المهام، أو أن يضطلع بها مديرو البيت الأبيض المُعينين.
على الرغم من طرافة القضية، إلا أن الأمر له أبعاد أخرى تتعلق بدور بل كلينتون في إدارة زوجته إن نجحت، فبيل يُعد واحدًا من أذكى من تولوا إدارة الولايات المتحدة، وعادة ما يُعزى للسيدة الأولى بعض المهام الاستشارية، وبذلك يصبح من المنطقي أن يتولى السيد الأول أو القرين الأول العديد من تلك المهام، لا سيما مع خبرته السابقة في إدارة البلاد، وذكائه وسياسته، لكن التساؤل الأبرز يغدو حول مدى التأثير الذي سيمثله بيل في سياسات زوجته. فبل كلينتون المعروف بمثاليته السياسية، قد لا يكون قادرًا على إقناع زوجته ومستشاريها بحلوله المثالية في وقت يُصر فيه كلا الحزبين على أن الولايات المتحدة تواجه أخطارًا محدقة وآنية، لن تفلح معها أي حلول مثالية، أو غير قاطعة.