ترجمة وتحرير نون بوست
أصبحت الأخبار الجيدة نادرة في العالم العربي الذي يعاني من وطأة الحروب والأزمات الاقتصادية، ولذلك فحتى الجرعات الصغيرة من الأمل أصبحت محل ترحاب واهتمام كبير. خلال هذا الأسبوع نجح لبنان أخيرا في اختيار رئيس جديد، بعد سنتين ونصف من فراغ هذا المنصب. وقع الاختيار هذه المرة على الجنرال وأمير الحرب السابق، المسيحي ميشال عون البالغ من العمر 81 سنة، والذي نجح في الحصول على قبول الطوائف الثلاثة في البلاد: المسيحيون والشيعة والسنة، وهو أمر لم ينجح أي سياسي آخر في القيام به.
ربما لن يشعر المواطن اللبناني العادي بأي تغيير بعد هذا النجاح، حيث أن أكداس القمامة ستواصل زحفها على الشوارع، وسيتواصل انقطاع التيار الكهربائي بشكل عشوائي، لسبب بسيط هو أن الرئيس غير مسؤول عن إدارة الشؤون اليومية للبلاد. ولكن ما يثير الانتباه هو هذا الوقت الطويل الذي استغرقه الأمر لاختيار رئيس، وهو ما يعد علامة على فشل النظام السياسي في لبنان. والسبب ربما يعود إلى اتفاقية الطائف التي تم توقيعها في سنة 1989 لإنهاء 15 سنة من الحرب الأهلية التي أدت لتكريس تسوية دستورية شكلت ظلما صارخا للمسلمين في لبنان.
كانت اتفاقية الطائف قائمة على اعتقاد خاطئ مفاده أن المسيحيين الذين كانوا في الماضي يشكلون أغلبية، لا يزالون يمثلون نصف الشعب اللبناني، وبالتالي تم حجز نصف مقاعد البرلمان لهذه الطائفة (كما يوجد اتفاق تم توقيعه في سنة 1943 يحجز منصب الرئيس للطائفة المارونية ومنصب رئاسة الوزراء للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة). وكان هنالك سببان لذلك؛ أولا لأنه منذ تأسيس الدولة اللبنانية في العشرينات كان ينظر إلى هذا البلد على أنه ملاذ للمسيحيين في هذه المنطقة ذات الأغلبية المسلمة. وثانيا، لأن هذا التمثيل المبالغ فيه للمسيحيين كان ثمن قبولهم بالهزيمة في الحرب.
ورغم أن المعطيات الديمغرافية ظلت غامضة في لبنان بفعل فاعل (لم يجر أي إحصاء سكاني منذ سنة 1932)، فإن الجميع كانوا يعلمون أن توزيع المقاعد البرلمانية لم يكن عادلا. وقد نجحت “الإيكونوميست” في تحليل بعض قوائم الناخبين التي تم نشرها على شبكة الإنترنت في السنة الحالية ثم سرعان ما تم إخفاؤها مجددا، ولكنها كانت كافية لإظهار الحقيقة؛ إذ أن 37 بالمائة فقط من الناخبين اللبنانيين هم من المسيحيين، ويعود ذلك أساسا إلى الهجرة وانخفاض معدل الولادات، فيما يمثل الشيعة 29 بالمائة والسنة 28 بالمائة. ولكن على الرغم من ذلك، يحصل المسيحيون على 64 مقعدا برلمانيا من جملة 128 فيما يحصل السنة والشيعة على 27 مقعدا فقط وتذهب بقية المقاعد إلى الدروز والعلويين. لا يأخذ هذا التوزيع بعين الاعتبار خللا آخرا كبيرا وهو أن حوالي نصف مليون فلسطيني أغلبهم من السنة جاؤوا إلى لبنان منذ سنة 1948 لا يمكنهم أن يصوتوا أصلا (ناهيك عن حوالي مليون لاجئ سني جاؤوا من سوريا).
يجب إعادة التفكير
هل تعني هذه المعلومات ضرورة إعادة التفكير في اتفاقية الطائف؟ إذ أن هذه الاتفاقية لم توقع لتستمر بشكل دائم، والهدف المعلن منها كان منع قيام حالة استقطاب طائفي في الانتخابات، ورغم أن الوقت لم يكن يوما مناسبا لطرح هذا الموضوع، إلا أنه من الضروري طرحه على الرغم من أن الوقت لم يزل سانحا بعد خاصة في ظل الفوضى التي تشهدها المنطقة. فبالرغم من فشل الدولة وحالة الشلل السياسي، نجح لبنان في تجنب الكارثة بفضل الواقعية التي تميزت بها طوائفه. وقد تم الخروج من مأزق الرئاسة عبر توقيع اتفاق بين حزب الله الممثل الرئيسي للطائفة الشيعية، وسعد الحريري السياسي السني الذي سيصبح رئيسا للوزراء، وميشال عون من الطائفة المسيحية. وقد يبدو للوهلة الأولى بحسب هذا التقسيم أن حزب الله تعرض لمظلمة، ولكن الواقع يفيد بأن هذا الكيان لا يزال يمثل القوة الأولى في البلاد سياسيا وعسكريا، بفضل ما يحظى به من دعم سوري وإيراني.
ويحتاج لبنان إلى سياسات جديدة أكثر منطقية، ولكن تحقيق ذلك يستوجب بدوره أن تكون الدولة في حالة طبيعية، ولا يستوجب ذلك فقط إرساء المزيد من التوازن البرلماني، بل أيضا الحد من سياسة تقسيم “الكعكة” بين الطوائف، كما يستوجب وجود سلطة مركزية تحتكر استعمال القوة. فهل يقبل حزب الله بالتخلي عن سلاحه؟ سيكون هذا مرتبطا بنتائج الحرب في سوريا. ولكن بالنسبة للوقت الحاضر، فقد بيّن لبنان أن الحروب الطائفية يمكن أن تنتهي، وأن السلطة يمكن اقتسامها بشكل ما، وهذا درس ثمين للعالم العربي.
المصدر: الإيكونوميست