يبدو أن لغز اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات “أبو عمار” الذي استمر 12 عامًا مُحيرًا وغامضًا، بدأت ملامحه تتضح الآن، وبات حله والكشف عن كامل أسراره في يد اللجنة المختصة التي كُلفت بالتحقيق في حادثة الاغتيال وكشف منفذي العملية التي هزت العالم بأسره، وكان وقعها قاسيًا على الفلسطينيين.
فطول السنوات الماضية كانت لجنة التحقيق المختصة تواصل عملها السري وبحثها في كل مكان عن طرف خيط يدلها على الجناة ومنفذي عملية الاغتيال بحق الرئيس “أبو عمار”، وتلك الخيوط بدأت بالظهور بعد أول تصريحات أطلقها رئيس لجنة التحقيق اللواء توفيق الطيراوي، قبل عام تقريبًا حين صرح بان “اللجنة حددت هوية منفذي عملية الاغتيال”.
تصريحات الطيراوي، إضافة لجهود لجنة التحقيق المستمرة في الكشف عن منفذي عملية الاغتيال بشكل سري، وما رافقتها من تصريحات صدرت من قيادات داخل حركة “فتح”، بأن لجنة التحقيق ستقدم في الـ29 من شهر نوفمبر الحالي، أكدت أن اللغز اقترب وقت كشفه أمام الفلسطينيين والعالم أجمع.
لجنة الطيراوي للتحقيق في وفاة عرفات
- حل لغز اغتيال أبو عمار
كشف عضو في اللجنة المركزية لحركة” فتح”، أن مؤتمر الحركة السابع الذي سيُعقد في التاسع والعشرين من نوفمبر الجاري، سيكشف عن أسماء قتلة الرئيس الراحل ياسر عرفات، في تقرير نهائي سيتم تقديمه من اللجنة المكلفة.
وأضاف عضو اللجنة المركزية، أن لجنة التحقيق الفلسطينية ستقدم خلال المؤتمر تقريرها النهائي في ملف التحقيق بقتل الرئيس ياسر عرفات، شاملًا أسماء المتورطين بالقتل.
وعما إذا كان سيُعلن عن الأسماء – كما أفادت وسائل إعلام – خلال المؤتمر أو عبر وسائل الإعلام، قال القيادي الفتحاوي “لا علم لي بذلك، إلا أن التقرير سيفصل أسماء المتورطين”.
في ذات السياق، قالت مصادر فلسطينية، إن شخصية مقربة من صناع القرار في رام الله أكدت أن الإعلان سيشكل مفاجأة للجمهور الفلسطيني، وأن الملف أصبح مكتملاً الآن.
المصادر أوضحت أن انضمام فلسطين إلى الشرطة الدولية “الإنتربول” يدخل في هذا الإطار، حيث سيتم طلب تسليم أشخاص بعينهم إلى السلطة الفلسطينية بعد أن كشفت التحقيقات تطورات خطيرة في هذا الملف، حسب قول المصادر.
بدوره أكد عضو المجلس الثوري لحركة فتح إبراهيم أبو النجا، أن لجنة التحقيق بوفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات ستعرض تقريرها النهائي خلال المؤتمر السابع للحركة، مشددًا على أن القتلة سيحاسبوا أيًا كانت صفتهم.
الطيراوي كان قد كشف في ذكرى وفاة “أبو عمار” الحادية عشرة قبل عام، أن لجنة التحقيق توصلت إلى الشخص الذي نفذ اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقال في حينها: “بقي لغز صغير فقط قد يحتاج إلى وقت لكشف بقية تفاصيل عملية الاغتيال”، ولكنه رفض إعطاء المزيد من المعلومات حول المشتبه به وحول سير التحقيق.
فيما أكدت سهى عرفات، أرمله الرئيس الراحل أبو عمار، أن ملف اغتيال أبو عمار لم يغلق، وستقوم بخطوات على المستوى القانوني لتفعيل هذا الملف من جيد، للكشف عن القتلة وتقديمهم للعدالة.
وقرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس عقد المؤتمر السابع لحركة فتح في الـ29 من نوفمبر الجاري، وذلك بعد تأجيل عقده العامين الماضيين.
يُذكر في شأن قضية الرئيس الراحل عرفات، أن القضاء الفرنسي أغلق ملف التحقيق في وفاته بدعوى “أنه لا يمكن لأحد تفسير سبب موت عرفات”، كما رد استئنافًا ضد القرار قدمته أرملته سهى عرفات.
سهى عرفات مع الرئيس عرفات في مرضه الأخير
- محاكمة القتلة
وهنا طالب حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، لجنة التحقيق واللواء الطيرواي، بالخروج أمام الشعب الفلسطيني ومصارحته بشكل علني وشفاف ووضعه في صورة النتائج التي توصلت لها لجنة التحقيق مؤخرًا.
وأكد خريشة أن من حق الشعب الفلسطيني معرفة كل المعلومات والنتائج التي توصلت لها لجنة التحقيق في ظروف اغتيال الرئيس الراحل “أبو عمار”، موضحًا أن ذلك حق شعبي ووطني لا يمكن إخفائه عن الشعب.
وأضاف “في حال تم تقديم الأسماء التي تورطت في جريمة اغتيال “أبو عمار”، فذلك سيتم عبر محاكمة علنية أمام كل الشعب الفلسطيني، ليعرفوا من اغتال رئيسهم وكيف تم ذلك ومن المتورطين في الحادثة سواءً من الداخل أو الخارج”.
وأوضح خريشة أن قضية اغتيال أبو عمار تهم كل فلسطيني وعربي، ويجب أن يقدم الجناة للمحاكم ويطبق عليهم القصاص، تكريمًا لروح الشهيد أبو عمار، محذرًا من استخدام ملف التحقيق لاغتيال أبو عمار لخدمة توجهات سياسية أو شخصيات فلسطينية معينة.
كما طالب بسام أبو شريف المستشار الشخصي للرئيس الراحل ياسر عرفات، قيادة السلطة الفلسطينية، بالكشف عن حقيقية اغتيال “أبو عمار” على الملأ بأسرع وقت ممكن، وقال: “يبدو أن الملف بات واضحًا الآن، والخيوط كلها تتجه نحو إسرائيل، وبعض المتورطين بعملية الاغتيال، وعلى السلطة إعلان ذلك وكشف المستور أمام الجميع”.
وأوضح أن كل المؤشرات التي حصل عليها، تؤكد أن الرئيس أبو عمار مات عن طريق دس السم له، إما من خلال سيارة الهلال الأحمر التي كانت تنقل له الغذاء أيام محاصرته بمقر المقاطعة في مدينة رام الله، أو بواسطة أحد المقربين من الرئيس الراحل.
- لماذا الآن؟
جهود فتح المستميتة للكشف عن قتلة عرفات بعد مرور 12عامًا على اغتياله، تفتح باب التساؤلات واسعًا، خاصة وأن أصابع الاتهام كانت توجه دائمًا نحو النائب المفصول من فتح محمد دحلان، لضلوعه في تدبير عملية اغتيال “أبو عمار”، فالسؤال الكبير هنا لماذا الآن؟ خاصة أن خصم عباس اللدود “دحلان” يقترب كثيرًا من كرسي رئاسة السلطة الفلسطينية وحركة فتح، وهل الكشف عن هوية القتلة هو ضمن مخطط فتحاوي لتشويه صورة دحلان في هذا الوقت بالذات.
المحلل السياسي صالح ناصر، لم يستبعد أن يكون توقيت اختيار كشف أسماء المتورطين في اغتيال عرفات، ضمن مخطط لإبعاد شخصيات فلسطينية ومن بينهم دحلان عن المشهد السياسي وتشويه صورته قبل رحيل محمود عباس.
وذكر أن الرئيس عباس معني في هذا التوقيت بالذات بإبعاد دحلان عن كرسي رئاسة السلطة وفتح، وفي حال تم الكشف عن اسمه ضمن المتورطين في قضية اغتيال “أبو عمار”، فسيكون ذلك بمثابة إعدام سياسي لدحلان وقطع كل الطرق أمام الوصول لأحلامه وتشويه صورته أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي.
وتوفي الرئيس الفلسطيني “أبو عمار”، يوم 11 نوفمبر 2004 في مستشفى بباريس بعد تدهور مفاجئ لصحته، ولا تزال أسباب وفاته الحقيقية تعد لغزًا كبيرًا، وتشغل بال الفلسطينيين خاصة بعد الكشف أنه مات “مُسممًا”، وكانت سهى عرفات تقدمت بشكوى ضد مجهول على مقتل زوجها بعد اكتشاف مادة البلوتونيوم 210 وهي مادة مشعة مضرة جدًا.
ولكن الخبراء المكلفين من قبل القضاة الفرنسيين استبعدوا مرتين فرضية التسمم، وقال الخبراء الروس إن وفاة عرفات هي “موت طبيعي”، وعلى العكس من ذلك، قال خبراء سويسريون استشارتهم أرملة عرفات إن نتائجهم “تدعم فرضية التسمم” بالبلوتونيوم.
واتهم العديد من الفلسطينيين إسرائيل بالعملية، ولكنها ما زالت تنفي أن تكون قد سممت ياسر عرفات.