أي دور للنساء في المرحلة الصعبة داخل تنظيم الدولة؟

alalam_635623595093328799_25f_4x3

ترجمة وتحرير: نون بوست

منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا سنة 2011، يمكن أن نلاحظ ظهور نوع جديد من المتشددين الإناث في أوروبا وتحديدًا في فرنسا، وتطور هذه الظاهرة التي أصبحت واقعًا ملموسًا، إذ كانت مشاركة النساء في التنظيمات المتشددة في السابق تعتبر أمرًا استثنائيًا.

أما حاليًا فقد سجل وجود العديد من الأوربيات في سوريا، دون احتساب اللواتي أردن الالتحاق بالقتال إلا أن السلطات منعتهن من ذلك.

وقد سجل في السنوات الأخيرة وجود جهاديات أغلبهن من الشابات وحتى من المراهقات أو من هن في أواخر سنوات المراهقة، في بؤر التوتر جنبًا إلى جنب مع نساء شابات في العشرين والثلاثين، إلا أنه سرعان ما تسقط أوهامهن حال تعرفهن على الواقع الفكري والإيديولوجي الحقيقي والدقيق للتنظيم المتطرف.

ويمكن أن نلاحظ أن أغلب هؤلاء الفتيات من الطبقة الوسطى أو ينتمين إلى عائلة فقيرة، أو من ترعرعن في أحياء شعبية، لكن لا يوجد من بينهن من تنتمي إلى الطبقة العاملة، وغالبًا ما تكون هؤلاء الفتيات من الطلبة المتفوقين.

ومؤخرًا لوحظ أن نسبة كبيرة من المتشددات كن سابقًا من معتنقي المسيحية أو اليهودية (في بعض الحالات) أو الديانة البوذية أو ينتمين إلى عائلات ملحدة، وعمومًا يرغب هذا النوع في تبني قضايا الطبقات الوسطى.

المرأة المتشددة وذلك “الزوج المثالي”

وعلى العكس تمامًا فإن الدافع الرئيسي لرحيل العديد من الفتيات إلى مسرح الحرب في سوريا لا يتمثل في انحدارهن من المناطق الشعبية وضواحي المدن، ولا في كراهيتهن للمجتمع، بل هناك العديد من الدوافع الأخرى، ومن بين هذه الدوافع، نذكر أن العديد يحملون صورة مشوهة للإنسانية منذ اندلاع الحرب في سوريا واضطهاد النظام السوري “لإخوتهم السنة”، الذين أصبحوا في حاجة إلى مساعدتهم، كما أن هذه الفئة ترى أنه ينبغي على المرأة أن تكون جنبا إلى جنب مع الرجل في هذه الحرب. 

وتمثل الصورة النموذجية للرجل مركز اهتمام الشابات (خاصة في سنوات ما بعد المراهقة) اللواتي تتكون لديهن فكرة عن الصفات المثالية في الرجل، تستخلصها عادة من خلال تجربة الأمهات والجدات.

ومن هنا يتكون لديهن شكل من أشكال التمجيد لفحولة هؤلاء الرجال المستعدين للموت في هذه المواجهة، فيظهر المقاتل بصورة الرجل الحقيقي والجاد والمخلص.

وعمومًا فإن هذه الصفات الثلاث تكون صورة “الزوج المثالي”: أولاً هو رجل قادر على استعادة صورة “الرجل” ومعنى الرجولة التي واجهت تقلبات كثيرة في المجتمع، ثانيًا فهو رجل “جديّ ” في محاربة العدو وملتزم كليًا بذلك، على عكس الشباب عديمي النضج والطائشين. 

هؤلاء الشباب المستعدون للموت يجسدون صورة الرجل المثالي التي تتفوق على صورة الأب “الرجل النموذجي في السابق” لدى الشابة، وأخيرًا يمكن الحديث عن صفة الإخلاص وهي السمة الأساسية الثالثة لهؤلاء الرجال، إذ إنه يقبل المخاطرة بحياته والوفاء لالتزام أيديولوجي اتخذه في السابق، ولهذا السبب تتكون فكرة لدى بعض الفتيات بأن هؤلاء الرجال سيكونون بالتأكيد صادقين معهن ويمكن التعويل عليهم بما أنهم أثبتوا صدقهم وشجاعتهم على أرض المعركة.

“التمييز الإيجابي”

هذا النوع من الشباب الذي يجسد فضيلة الصدق سيكون الرجل النموذجي للزواج والهروب من التعاسة وعدم الاستقرار والهشاشة التي تعاني منها الزيجات الحديثة.

وفي الكثير من الأحيان تكون الزيجات الحديثة بفرنسا غير ناجحة وغالبًا ما تتأثر بالتجارب الفاشلة للأولياء، وعمومًا تؤدي هذه العلاقات غير الناجحة والتي تنتهي بالطلاق إلى غياب مكانة الرجل في حياة أفراد الأسرة، بما في ذلك الفتيات، ومن هنا تتكون صورة سلبية عن الرجل، وفي المقابل تبرز صورة المرأة الرائدة داخل الأسرة، ويكون هذا دافعًا للبحث عن الشعور بالثقة والصدق المطلق بالإضافة إلى “التمييز الإيجابي”.

وتبرع مواقع التواصل الخاصة بعناصر تنظيم الدولة في التعامل مع أحاسيس وأهواء هؤلاء الفتيات، وتستغل هذا النوع من الانبهار والتأكيد على صورة المرأة النبيلة التي ستكون في مأمن عن عدم الاستقرار، ومن ثم يظهر الرجل بصورة السند الرئيسي، بما أنه متمكن من المحاربة ومواجهة الصعاب خاصة من وجهة النظر “الرومانسية” التي تستجيب “لسذاجة الحب” المرتبطة بجاذبية الحرب والعنف، وعمومًا فإن البعض من هؤلاء الفتيات يفتن بالعنف الذي يظهر في المشاهد التي تنشرها الجماعات المتطرفة. 

الانبهار بالحرب

وعلاوة على ذلك، فإن جزءًا من الفتيات اللاتي التحقن بالقتال في سوريا يرسلن رسائل إلكترونية وينشرن في مدونات ترسم صورة رائعة ومثالية لزوجات المجاهدين في سوريا. 

وفي بعض الحالات فإن العنف لا يجذب فقط الرجال وإنما أيضًا الشابات، إذ تعد الحياة بهذه الوضعية “استثنائية” وتضفي على الحياة معنى وغاية للوجود. 

فبسبب التقارب الثقافي بين المرأة والرجل في المجتمعات الغربية وبلوغ المساواة أقصى درجاتها، لم يعد ينظر إلى العنف على أنه سلوك يقتصر على الرجال مثلما كان بالماضي.

وبذلك أصبح بإمكان المرأة أن تشارك بطريقة غير مباشرة، أو عن طريق ممارستها العنف في مواجهة نساء أخريات، وتتكفل بهذه المهمة النساء الغربيات الشابات اللواتي اعتنقن الإسلام حديثًا وانخرطن في لواء الخنساء، وهذه السياسة تفرضها “الشريعة” على المرأة حسب منظور المتطرفين.

وفي كثير من الأحيان سجل توجه أسر بأكملها إلى سوريا، كما يمكن أن تنضم الأم وابنتها إلى هذا اللواء، وفي حالات أخرى فإن الأخوات يمكن أن يحاربن جنبًا إلى جنب، مثلما هو الحال لدى التوأم سلمي وزهرة حلاني صاحبتا الـ16 ربيعًا اللتين تنتميان إلى هذا اللواء.

وبتسجيل مثل هؤلاء الفتيات في مثل هذه الكتائب يتم فرض “الشريعة” من قبل الجهات الفاعلة في تنظيم الدولة، التي تمنحهم شكلاً من أشكال الشرعية وقبل كل شيء تمنحهم السلطة على غير المسلم أو على “المسلمين السيئين”، وغالبًا ما يكُن من الأكبر سنًا بينهن، وفي مرحلة أولى يمارس ضدهن القمع ومن ثم يعاملن على أنهن بالغات. 

أمهات الخلافة 

وتسعى السلطات نفسها إلى تزويج هؤلاء الفتيات من المقاتلين مع أفضلية الأوروبيات، وقد تم إعلان سن المراهقة كأنسب سن للزواج (انطلاقًا من سن التاسعة) وتكوين أسرة وإنجاب أطفال يترعرعون في ظل تنظيم الدولة.

وتولد هذه الاستراتيجية لديهن كل الحماس لتأسيس عائلة “إسلامية” يقدس ويحترم فيها دور الأم الأصيلة التي تحظى بمكانة متميزة في الخلافة، إلا أن الجانب الغامض في هذه المسألة، والذي تجهله هؤلاء الفتيات، هو أنه للمرأة مكانة متدنية داخل حدود تنظيم الدولة. 

ويعود السبب الرئيسي في توجه العديد من الفتيات إلى مناطق تنظيم الدولة، إلى تدهور العلاقات الزوجية وغياب الالتزام من طرف الزوج، وهو ما يجعل العديد من الفتيات يشعرن بانعدام الحماية. وعلى عكس ذلك، فإن الارتباط “الأبدي” مع مقاتل مؤمن سيكون مثل الضمان لتلبية تطلعات المرأة، ويجعلها تتوهم أنها لن تصاب بخيبة أمل في ظل علاقة عاطفية مشروعة دينيًا، فمن وجهة نظرهن فإن هذه العلاقات من شأنها أن تمكنهن من الهروب من استغلال الشبان في العالم الغربي الممل والمجرد من العنف.

الضياع الذي ينتج عن فراغ السلطة

العائلة الحديثة في الطبقات الوسطى تصبح شيئًا فشيء مختلطة (وجود أبناء من الزوج أو الزوجة من زواج سابق)، هذا إلى جانب الأبوة المزدوجة: أب بيولوجي وأب قانوني، أو الأمومة المزدوجة: أم بيولوجية وأم قانونية، ونادرًا ما يعيش الأطفال مع الآباء والأم “القانونية” التي تمثل زوجة الأب.

وتفتح هذه الوضعية للطفل إمكانية التلاعب والمناورة في ظل غياب ولي الأمر الذي يمثل السلطة بالنسبة له، إذ يبدأ بالمغالطة بين كلا الزوجين، مما يضعف السلطة العائلية، هذا على عكس ما كان متعارفًا عليه في الأسر التقليدية التي تجعل الطفل يعاني من وجود مبالغ فيه للسلطة الأبوية.

فضلاً على ذلك فإن تقييم وضع الطفل من قبل الكبار يساهم في تحقيق بعض الحقوق بطريقة أكثر فاعلية مما كانت عليه بالماضي، وفي نفس الوقت تتوافق مع ضروريات الحياة ومع فترة الدراسة التي أصبحت أطول نسبيًا، الأمر الذي يفرض بقاءهم لفترات أطول تحت مسؤولية آبائهم والتأخر في سن المراهقة والبقاء تحت السند العاطفي والدعم المادي للعائلة.

ومن ناحية أخرى فإن التشتت والفراغ في السلطة الأسرية، هو من بين العوامل التي تجعل الطفل أو المراهق عرضة للاستقطاب من قبل الشبكات المتطرفة، إذ إنه في هذه الحالة يمكن أن يكوّن الطفل أو المراهق لنفسه حياة افتراضية ويبتعد عن الواقع الذي يراه فظيعًا، وتلعب الجهادية هذا الدور بنجاح في هذه الحالة، أولاً بسبب غياب الرمز وثاني بسبب تواجد العالم الافتراضي عن طريق الإنترنت، ولكن أيضًا يعمل عناصر الجماعات المتطرفة على تمرير رسالة للمراهقين تمكنهم من الشعور بأنهم كبار من خلال تبنيهم لأفكار متطرفة.

وباختصار يعود كل هذا إلى وجود أزمة السلطة الأبوية من جهة ومن جهة أخرى إلى وجود التنوّع في العوالم الافتراضية أو الخيالية، بالإضافة إلى صعوبة عزل الشباب عن الشبكات الاجتماعية التي تضم كمًا من الحسابات التابعة للجماعات المتطرفة. 

وأخيرًا ينبغي تسليط الضوء على الواقع اليومي للفتيات المحاطات باستمرار بشبان غير ناضجين ويفتقدون إلى صفة “الرجولة”، في الوقت نفسه الذي تخلّين فيه عن فكرة التفوق الذكوري بخبرتهن وذكائهن، وهكذا فإنه بإمكان الفتيات خوض مواجهات في جميع المجالات حتى المجالات العسكرية بالتساوي مع الرجال.

“متشددون جديون للغاية”

يتبنى المتطرفون أو “الجهاديون” صفة “الجدية الفائقة” كما الغالبية من الفتيات اللاتي ترغبن في الزواج وتبحثن عن هذا النوع من الرجال، لكن السؤال الذي يطرح هنا: هل هناك فعلاً صفات تجذب الفتيات إلى هذا النوع من الرجال؟ والجواب واضح، إذ إن هؤلاء المتشددون الجديون للغاية تتوفر فيهم أربع خصال أساسية تمثل بطريقة أو بأخرى الصورة المثالية للرجل بالنسبة لهؤلاء الفتيات، وتتلخص هذه الصفات أساسًا في الجدية والإخلاص والرجولة والثقة.

وعلى عكس الشباب الآخرين، فإن المتشددين يبدون أكثر جدية، كما أنهم يظهرون في صورة الأشخاص الذين يقاتلون العدو حتى الموت، وهم لا يخشون مواجهة الجانب “الحقيقي” للحياة، على عكس الشباب الآخرين الذين يتجنبون الخوض في معارك الحياة. 

كما يظهر هؤلاء المتطرفون على أنهم الأشخاص القادرون على دعم “نصفهم الثاني”، أي النساء اللاتي ترغبن في الاعتماد على الرجل لتحمل وطأة الحياة الثقيلة على نحو متزايد. 

وعمومًا فإن الرجل الذي يواجه الموت يعطي معنى للرجولة في مخيلة الفتيات، لكن هذه الصورة لا تتكون في مواجهة هؤلاء “المتشددين فائقي الجدية” مع الحياة مع وإنما تتجسد في مواجهتهم مع الموت.

“الرومانسية الساذجة”

تعتقد الفتاة أنها تستطيع أن تعتمد على هذا الإنسان الجديد، الذي يظهر في صورة الرجل المثالي، والذي يخلق العنف الذي يقوم به معنى بالنسبة لها، وعلى سبيل المثال نذكر الفتيات اللاتي تكتبن رسائل الحب للمجرمين المتواجدين في السجون، حتى أولئك الذين ارتكبوا جرائم جنسية بشعة.

على سبيل المثال هنالك حالة غي جورج، سفاح ومغتصب العديد من النساء الذي تلقى منذ فترة طويلة العديد من الرسائل من الشابات اللاتي تردن أن تكن عشيقاته، هذا إلى جانب شخصيات ارتكبت جرائم منظمة، مثل أنطونيو فيرارا، الذي تلقي أيضًا رسائل حب من الشابات المعجبات “بطبيعته الاستثنائية”.

وعمومًا يبدو بالنسبة لبعض الفتيات أن الإخلاص من السمات الغالبة على هؤلاء المقاتلين، كما أن الفتاة يمكن أن تثق بهذا الشخص وتضع مصيرها بين يديه دون خوف من خيبة الأمل. 

كما أن البحث عن السلطة بأي ثمن يجعل الفتاة تبحث عن القوة بحماس، وفي شكلها الأكثر قمعًا، وهو ما يجعلها تخضع “للعبودية الطوعية”، وفي الآونة الأخيرة أصبح تنظيم الدولة من بين التنظيمات التي تجسد هذا النوع من الشرعية، ويبدو أن هذا القمع أكثر جاذبية.

من يغادر؟

إن الشابات اللاتي تغادرن أوطانهن تكن إما في الأصل مسلمات أو من اللاتي اعتنقن الإسلام حديثًا، وفي أغلب الأحيان لا يتفطن الآباء للمنعرج الذي يشهده تفكير أبنائهم، ويظلون في عالمهم المعتاد حيث لا دراية لهم بالعالم الجديد الذي دخل إليه أبناؤهم، وتكمن المفارقة في أن زخم المشاعر الجياشة التي تعتري نفوس الفتيات تكون عائقًا أمام تواصلهن مع آبائهن.

أما بالنسبة لمفهوم السلطة الأسرية المخفف، الذي يكون عادة في العائلات المختلطة، فإن الانغلاق عن عالم الإنترنت (عدة حسابات على الفيسبوك التي يكون أغلبها مرتبطًا بمواقع تنظيم الدولة الدعوية، التي لا يكون الآباء على علم بها)، الذي يكون الأبناء على دراية بمعالمه أكثر من آبائهم؛ يضعف من سلطة الأبوين على أبنائهم.

هذا الجهل الرقمي يشير إلى تعمق الهوة بين عالم المراهقين وعالم الراشدين من جهة، ومن جهة أخرى فقد ساهم هذا في تنميط عقول الشباب حسب نمط معين بغض النظر عن اختلاف عوالمهم. 

في الوقت الراهن نتج عن التباعد بين عالم الأولياء والأبناء إضعاف للسلطة الأبوية وتقسيم لها بين مختلف أطراف العائلة، وتجدر الإشارة إلى أن تنامي المسافة بين الشباب وعائلاتهم قد يصل إلى حد القطيعة باسم المثل الأعلى الذي تبناه الشباب من أصدقائهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتحدث كل هذه التطورات بعيدًا عن مسمع ومرأى الآباء الذين لا يفقه أغلبهم شيئًا عن عالم الإنترنت.

نذكر هنا حالة الطفلة المسلمة التي تعيش في أرغنتويل في فال دواز الفرنسية، والتي تبلغ من العمر 14 سنة، والتي أرسلت بعد نحو 18 ساعة من غيابها، رسالة نصية إلى والديها لتطلب منهما البحث تحت فراشها عن الرسالة التي كانت قد وضعتها هناك، وأوضحت أنها ستتوجه إلى سوريا لممارسة دينها بكل حرية، هذه الحالة تكشف مدى تأخر الأبوين في الكشف عن حالة ابنتهم التي استقطبتها شبكات التواصل الاجتماعي التي تروج لفكر تنظيم الدولة.

النساء اللاتي تقررن بمحض إرادتهن: حياة بومدين كمثال

انضمت العديد من النساء البالغات، ولكن أيضًا من الطبقة الوسطى، إلى الجماعات المتطرفة في سوريا، كما سجل في بعض الحالات توجه عائلات بأكملها إلى سوريا، بما في ذلك الأم، وتلبية نداء الجماعات المتطرفة، كما سجلت حالات لنساء اتجهن إلى الجماعات المتطرفة الموجودة في سوريا، من أجل الاستقلال الذاتي عن أزواجهن.

وفي هذا السياق يمكن الحديث عن حياة بومدين، المولودة في الجزائر والتي ترعرعت في عائلة متكونة من سبعة أطفال، كنموذج لهذه الظاهرة، توفيت والدة بومدين عندما كانت في السادسة، وقضت الفتاة بقية مرحلة طفولتها في مركز رعاية رفقة عدد من إخوتها، وكان لقاء بومدين بأميدي كوليبالي، أحد المتورطين في هجوم شارلي إيبدو في العام 2009، ومنذ هذا التاريخ قررت بومدين ترك وظيفتها لأنها تنوي ارتداء الحجاب. 

وقد غادرت بومدين فرنسا واتجهت إلى تركيا قبل أسبوع من هجمات شارلي إيبدو، ثم غادرت تركيا متجهة نحو سوريا عشية تنفيذ الهجمات في فرنسا.

ويدل هذا التفصيل على أن حياة كانت على علم بقرار كوليبالي ورغبته في الموت في مواجهة مع الشرطة، واختارت طريقها الخاص بالانضمام إلى تنظيم الدولة وخوض مغامرتها الخاصة كامرأة “متشددة”. 

كما أن حياة بومدين هي من أصول متواضعة، إلا أن رؤيتها للحياة مختلفة تمامًا عن باقي شابات الطبقة الوسطى، وعلى عكس ذلك، فهي تشارك رؤية زوجها الذي يحمل مشاعر الكراهية تجاه المجتمع الذي يعيش داخله.

ومن ناحية أخرى فإن اختيارها لطريق غير الطريق التي سلكها زوجها، يؤكد أنها من النساء “المتشددات” اللاتي يرغبن في الاستقلال عن أزواجهن، وعلى الرغم من مشاركتهن لأفكارهن المتطرفة، إلا أنهن يخترن مسارًا آخر، تكون بدايته في سوريا، بدلاً من البقاء معهم.

وعموما تبين تجربة بومدين وغيرها من الفتيات اللاتي سافرن إلى سوريا أن هذه الفئة هي من “ضحايا” التنشئة الأسرية غير السليمة، الأمر الذي يجعل هذا النوع من الفتيات يبحث عن طريقة لإثبات الذات، كما أن “الجهاد” من منظور هذه الفتيات، أو على الأقل البالغات منهن، يبين أن من تختار هذه الطريق، لديها قدرة على التمييز لا يمكن إنكارها، لكن هذا الإصرار على إثبات الذات سينتهي بهذا النوع من الفتيات إلى العيش تحت نير تنظيم الدولة في أحد معاقله الرئيسية، أي في سوريا أو العراق. 

وفي حين تختار الفتيات الشابات طريق “الجهاد”، يمكن الحديث من جهة أخرى عن نموذج نساء البشمركة التابعة للقوات الكردية، واللاتي تكافحن لحمل السلاح ومواجهة تنظيم الدولة، وهن قادرات على الإقناع بمدى قدرتهن على مواجهة المخاطر بنفس المسؤولية التي يتحملها الرجال، كما أن هذا الكفاح مكن نساء البشمركة من دحض فكرة التفوق الذكوري وعدم قدرة المرأة على حمل السلاح ضد العدو.

حسناء آيت بولحسن.. نموذج عن النساء “الجهاديات”

وتعد حسناء آيت بولحسن صاحبة الـ26 عامًا أكبر مثال على النساء اللاتي دفعتهن الظروف العائلية للتحوّل إلى متشددات.

تنحدر حسناء من عائلة من الطبقة الوسطى، هاجرت من المغرب لفرنسا بحثًا عن مستقبل أفضل، وضعت حسناء عندما بلغت سن الثامنة في مركز للرعاية نتيجة للتفكك الأسري الذي تعرضت له عائلتها، كما كانت حسناء تعاني من مشاكل وفراغ عاطفي كبير، لذلك لم تكن قادرة على التأقلم مع أي عائلة مضيفة وسرعان ما كانت تلوذ بالفرار منها.

وفي مقارنة بسيطة بين بومدين وحسناء حول أسباب انضمامهن للتنظيمات المتطرفة، كانت الأولى مقتنعة بفكرة خوض المغامرة القتالية لتؤكد استقلالها عن مرافقها أميدي كوليبالي، أما الثانية فقد كانت روحًا تائهة تفتقد لهدف في حياتها، فكان الانضمام لتنظيم الدولة طريقة لإثبات وجودها، وكان سبيلها لوصول غايتها وجود ابن عمها عبد الحميد أباعود المنتمي لفكر تنظيم الدولة المتطرف، والذي اقترح أن تنضم إليه بعد هجمات 13 تشرين الثاني/ نوفمبر.

صورتا هاتين الفتاتين تعكسان نموذجًا لبقية النساء المتشددات، فبقية النساء تحملن تقريبًا نفس الأسباب للانضمام للتنظيمات المتطرفة،  فهن إما يردن تأكيد استقلاليتهن مثل بومدين أو بسبب أزمة الهوية مثل بولحسن. 

جماعات متطرفة ومستقلة ومتكونة حصريًا من الإناث

في أيلول سبتمبر 2016 قامت ثلاث فتيات بمحاولة تفجير سيارة مفخخة في باريس، وعلى إثر فشلهن في ذلك قامت إحداهما وهي لم تتجاوز سن الـ19 بطعن شرطي، وفي نفس الشهر تم القبض على عدد من الفتيات اللاتي كن تخططن للقيام بأعمال عنف في فرنسا.

ونظرًا لتكرر هذه الحوادث من قبل شابات في مقتبل العمر، فإن السؤال المطروح هنا هو “هل نحن بصدد مواجهة مجموعة نسائية جديدة تحمل فكرًا متطرفًا ومستقلة تمامًا بذاتها ومتكونة فقط من النساء”، حتى بعد تبني رشيد قاسم مسؤولية تجنيدهن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي؟

ومن الملاحظ أنه هناك اختلاف واضح بين توجهات الحركات النسائية في الغرب مقارنة بهذه الحركات النسائية التي تتبنى فكر تنظيم الدولة، والتي تقوم خطتها الرئيسية على اعتماد العنف والإرهاب كأسلوب للدفاع عن مطالبها. 

وجدير بالذكر أن طريقة هؤلاء النساء في تأكيد فعاليتهن في المجتمع تمثل نموذجًا مبتكرًا وغريبًا عن نموذج الحركات النسائية في أوروبا، ويعود ذلك إلى أن هؤلاء النساء تتبنى الفكر المتطرف، خلافًا للمتشددات في منطقة الشرق الأوسط اللاتي يحاولن الانتقام من الرجال في محيطهن العائلي عن طريق حمل السلاح، وعمومًا فإن هذا النوع من النساء يميل للعمل بطريقة مستقلة ومنفردة دون السماح لرجل بأن يوجهها أو يقودها.

المصدر:لوبوان