أقدم البنك المركزي المصري على تعويم الجنيه و تبعه إقدام الحكومة على رفع أسعار المحروقات، وتأتي هذه السياسات الإقتصادية ضمن تطبيق الخطة التي وضعها صندوق النقد الدولي لمصر مقابل إقراضها مبلغ 12 مليار دولار تسدد على ثلاث سنوات.
هناك إجراءات أخرى على مصر تطبيقها ضمن الخطة الموضوعة لها، ومنها فرض ضريبة القيمة المضافة وتقليص العاملين بالقطاع الحكومي وتخفيض الأجور وخصخصة الشركات المملوكة للحكومة المصرية.
فهل ستعالج هذه الوصفة أزمة الاقتصاد المصري؟ أم هي بمثابة جرعة مُسكّنة للأعراض التي بدأت تتفاقم بشكل خطير؟
أصل الأزمة الإقتصادية بمصر لا يرجع إلى مشكلة الندرة في الموارد المالية المتاحة ولا حتى التعداد السكاني الكبير نسبياً كما يروج لها من أيام حكم مبارك. فالقطاعات الاقتصادية الرئيسية في مصر كالقطاع الصناعي الزراعي والسياحي نشطة و تدرّ مدخولات عالية؛ وإن قلّت بعد ثورة يناير، و هناك إيرادات قناة السويس وتحويلات العاملين المصريين بالخارج.
الأزمة تكمن في تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة الاقتصادية، وتفشي ظاهرة الفساد بشكل مروّع، وانعدام العدالة في توزيع الدخل القومي. وعليه فإن أية وصفة أو خطة اقتصادية لعلاج المشاكل الراهنة قد يكون مصيرها عدم النجاح نظرا لأن أصل الأزمة لم يعالج بعد.
دلّت تجارب الدول النامية ومن بينها الدول العربية أن العسكر ما إن يتدخلوا في الحياة الاقتصادية إلا و أفسدوها .
فالعسكر عندما يصل سدة الحكم سواء بإنقلاب أو غيره فإنه في الغالب يولي اهتماماً كبيراً بالإنفاق العسكري وإبرام صفقات السلاح وزيادة رواتب العسكريين على حساب الإنفاق الإقتصادي المدني والتنموي. ولعل هذا ما يفسّر فشل الحكم العسكري في المنطقة العربية على مدى خمسة عقود مضت في خلق نموذج تنموي ناجح.
حينما تدفقت أموال النفط على القذافي في سبعينيات و بداية ثمانينيات القرن الماضي، ذهبت أغلب الأموال في إبرام صفقات أسلحة ضخمة مع الاتحاد السوفيتي السابق، وفي التورط في حروب عبثية مع تشاد وأوغندا وفي دعم منظمات و حركات انفصالية من الفلبين شرقا و حتى الجيش الجمهوري غرباً. وترك ليبيا بعد أكثر من أربعين سنة من حكمه من أفقر دول العالم في البنية التحتية و القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والإسكان.
و السيسي “قذافي مصر” ينتهج نفس السياسة؛ فما إن وصل الى الحكم حتى بادر بعقد صفقات أسلحة ورفع رواتب الجيش، وتعيين ضباط مقربين في مناصب مدنية هامة.
ونظرا للطابع السري الذي يتسم به عادة الاإفاق العسكري لدى أغلب الدول لاعتبارات الأمن القومي، أو عدم رغبة القيادة إطلاع الشعوب على حجم هذا الإنفاق، فإن العجز الهائل في الموازنة الحكومية المصرية وميزان المدفوعات بالرغم من تدفق أكثر من خمسين مليار دولار منحتها دول الخليج للسيسي في زمن قصير لا يمكن تفسير هذا العجز إلا بذهاب هذه الأموال الطائلة يا إما إلى الجيش وصفقات الأسلحة، وإما إن هناك فساد مروع بالمؤسسة الحاكمة.
و عليه فإن أية إجراءات و شروط يمليها صندوق النقد على الاقتصاد المصري للخروج من أزمته مقابل اقراضه سيدفع ثمنها الطبقات الدنيا من الدخل و المعوزين و هم بالملايين.
و من غير المؤكد أن يُكتب لها النجاح طالم أصل المشكلة في الرأس و ليست القاعدة.
المصدر: ليبيا الخبر