جاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما كحمامة سلام للعالم في بداية عهده حيث اعتلى سدة البيت الأبيض متعهدًا بعدم خوض الحروب وإرساء السلام ولكن تكاد فترة رئاسته الثانية تنتهي مخلفًا حروبًا أكثر في العالم مما كان عليه الوضع قبل تسمله زمام الأمور.
إذ تحول أوباما مع تسلمه جائزة نوبل للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2009 وانتقاده لفترة حكم سلفه بوش والحروب التي خاضها إلى “صانع للحرب” بدلًا من أن يكون صانعًا للسلام برأي مراقبين بل وتغلب على سلفه من حيث انتشار تلك الحروب في بقاع العالم، وترى صحيفة الإندبندنت البريطانية أن إرث أوباما سيكون أكبر بكثير مما يبدو عليه الآن وأن سياسته الخارجية سيُعترف بها كـ”مغير لقواعد اللعبة” في العالم.
ويرى آخرون أن أوباما بدأ “كارتر وانتهى نيكسون” بمعنى أنه بدأ برفع لواء شعار الحربة والديمقراطية وحقوق الإنسان وانتهى ميكافيليًا كما نيكسون الذي قدم مصالح أميركا الأمنية والاستراتيجية على ما سواها بدعم الانقلابات العسكرية والتضحية بالديمقراطية ابتداءًا بصعود تنظيم الدولة الإسلامية للانسحاب من العراق والفراغ الذي حصل فيها وسياساته المتبعة في سورية والخطوط الحمر التي رسمها للرئيس السوري والتنازل لروسيا في المنطقة وتوقيع اتفاق إيران النووي والحروب في أفغانستان وغيرها.
فإذا كانت تلك الإنجارات التي حققها أوباما على الصعيد السياسي فكيف كانت سياساته وتوجهاته الاقتصادية وكسف انعكست على الاقتصاد الأمريكي، هل يتفق الخبراء على سمة معينة للفترة فيما إذا كانت جيدة أم سيئة؟ هل استطاع الرئيس نشل الاقتصاد الأمريكي من الركود والأزمة المالية في عام 2008 التي وصفت بالأعنف منذ الكساد العظيم 1929؟
اقتصاد يستحق الثناء
يرى العديد من الخبراء أن ما حققه الرئيس أوباما خلال السنوات الماضية يستحق الثناء وأن إرثه الاقتصادي أمر مثيرٌ للإعجاب حيث ورث اقتصادًا على حافة الكساد بفعل أعتى أزمة مالية مرت على الولايات المتحدة والعالم بينما استطاع الاقتصاد الأمريكي تحقيق معدلات نمو بمتوسط 2% خلال السنوات الماضية وأضاف القطاع الخاص أكثر من 14 مليون وظيفة على امتداد 70 شهرًا من النمو.
كما زاد في عهده الرعاية الصحية بتوفير قانون الرعاية بأسعار معقولة وخفض معدل غير المؤمّن عليهم من نحو 16% إلى أقل من 9% وهو أدنى مستوى في تاريخ الولايات المتحدة، وعمد لتوسيع المساعدات الطبية للفقراء ودعم خطط التأمين الخاصة بالطبقة المتوسطة والسماح للشباب بالبقاء على خطط والديهم حتى يصلوا إلى 27 عامًا. وقدر مكتب الفيدرالية الأمريكية أن متوسط تكلفة استفادة الأفراد الذين يحصلون على تغطية مدعومة هي 4500 دولار بفضل مشروع “رعاية أوباما” أو “أوباما كير”.
من التركات الثقيلة التي سيخلفها أوباما للرئيس القادم؛ ازدياد عدد الأمريكيين الذين يعتمدون على طوابع الغذاء التي توزع على المحتاجين لتلبية حاجتهم الأساسية للعيش. حيث ارتفع عدد من يعتمدون على تلك الطوابع نحو 34 مليونًا في عام 2009 إلى ما يقرب من 50 مليونًا في نهاية العام 2015 أي 15% من عدد سكان أمريكا.
وينتقد الكثير حجم الدين العام الذي وصل في فترة حكمه حيث ارتفع من 10.6 ترليون دولار عام 2009 ليصل في العام 2016 نحو 19 ترليون دولار وهو رقم كبير بالمقارنة مع أرقام الدين ما قبل أوباما.
حيث شكل الدين العام ما بين عامي 2006 و 2007 ما نسبته 35% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع مجيء أوباما للبيت الأبيض بدأت النسبة ترتفع بشكل مطرد لتصل في العام 2015 إلى ما نسبته 75% من الناتج المحلي.
معدل النمو
استطاعت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما في العام 2009 تحويل نسبة النمو في البلاد من سالب 2.8% إلى 2.5% في العام التالي 2010 وسجل في نهاية العام 2015 نحو 2.1% ويعد متوسط معدل النمو الذي حققه الاقتصاد الأمريكي خلال فترة الثمان سنوات الماضية قريبة من 2% وهي أقل من المتوسط العام الذي سجله الاقتصاد الأمريكي خلال العقود الأخيرة والبالغة 3.1% في المتوسط للفترة الممتدة من 1969 لعام 2006.
البطالة
استلم أوباما البلاد ومعدل البطالة يبلغ قرابة 10% علمًا أنها عدت أسوأ نسبة في الولايات المتحدة خلال آخر 26 سنة حيث أدت الأزمة المالية 2008 إلى إغلاق الكثير من الشركات وفصل العاملين بغرض تقليص التكاليف وفي العام 2009 كانت الولايات المتحدة تخسر 800 ألف وظيفة شهريًا.
عملت إدارة أوباما على سن إجراءات وقوانين تحفيزية من بينها تخفيضات ضريبية لتشجيع الشركات على التوظيف وفي مايو/أيار 2014 استطاعت الولايات المتحدة إضافة 4.7 مليون وظيفة. وتمكنت الولايات المتحدة من خلق 2.65 مليون وظيفة في العام الماضي 2015 حيث سجل المعدل بالقرب من 5% ويعد العامين الأخيرين الأقوى في معدل التوظيف منذ العام 1999.