ترجمة حفصة جودة
“قبل الحرب كنا نتمكن من الحصول على تأشيرة لدخول فرنسا في غضون نصف ساعة، وفي خلال يومين كنا نستطيع الحصول على تصريح لدخول المملكة المتحدة لمدة 6 أشهر، الآن يجب علينا القيام بذلك”، كانت هذه كلمات حمزة مينيل – رجل ليبي مهندم – تم إنقاذه من البحر بواسطة سفينة الإنقاذ “بوربون أرغوس” التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، حيث قامت بنقله مع 900 آخرين من اللاجئين والمهاجرين إلى إيطاليا.
كان حمزة – 26 عامًا – ضابط شرطة في أثناء الثورة الليبية، وقام الثوار باعتقاله بعد وفاة معمر القذافي عام 2011، بعد عامين قام والده برشوة المسؤولين للسماح له بالهروب، لكنهم استمروا في تعقبه بعد محاولته الحصول على تأشيرة لدخول فرنسا من تونس، دفع حمزة للمهربين حوالي 1400 يورو (1250 جنيهًا إسترلينيًا)، للسفر على متن قارب يحمل 100 من المهاجرين الآخرين.
يقول حمزة: “كان الحل الوحيد هو الهرب من ليبيا، لكن القارب كان مرعبًا وكانت أقصى آمالي أن أصل إلى ألمانيا وأجد أصدقائي هناك، أعلم أنه سيكون أمرًا صعبًا، لكنه ليس أكثر صعوبة مما يحدث الآن”.
قام يحيى وحمزة بدفع نقود أكثر للسفر في قارب خشبي، لكن المهربين أجبروهم على ركوب زورق مطاطي
من بين زملائه الركاب، يحيى بن يحيى – 27 عامًا – وهو مهندس ليبي من مدينة سرت، أكبر معاقل داعش في شمال إفريقيا، يقول يحيى: “لقد دخلوا المدينة دون مقاومة في فبراير العام الماضي، كانوا يستقلون سيارات ووجوههم ملثمة ولم يتحدثوا مع أحد”، بعد عدة أسابيع، قام مسلحون من الدولة الإسلامية بشن هجوم للسيطرة على المدينة، وانتصروا في المعركة أمام الميلشيات المحلية، وقاموا بفرض تفسيرهم الدموي لأحكام الشريعة على المدينة.
أضاف يحيى: “إنهم يقتلون الناس ويعلقون جثثهم في الشوارع حتى يتمكن الناس من رؤيتهم ويكونوا عبرة للجميع، لم أستطع البقاء هناك”.
كان كلاهمها قد دفع أموالاً أكثر للسفر على متن قارب خشبي مجهز بنظام تحديد المواقع وهاتف يعمل بالأقمار الصناعية، معتقدين أنه أكثر أمانًا من القوارب الأقل تكلفة التي تتهرب من الكشف.
انطلقت السفينة من مصراتة في وقت متأخر مساء الخميس، لكن بعد دقائق من بداية الرحلة وصل لصوص على متن أحد الزوارق السريعة وصعدوا على القارب، وقاموا بتجريد الركاب من أموالهم وهواتفهم وممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، بعدها بوقت قصير أجبرهم المهربون على ركوب زورق مطاطي، وعندما اعترض حمزة على خداعهم له، قاموا بضربه، وظل هذا الزورق المحمل بالركاب لمدة 7 ساعات في الماء قبل أن يتم إنقاذهم، لقد كان واحدًا ممن تم إنقاذهم قبالة الشواطيء الليبية يوم الأربعاء، مع 868 آخرين تم نقلهم إلى سفينة “بوربون أرغوس”.
هرب علي سلمان من سوريا، بعد أن فقد طفله في القصف
من بين هؤلاء أيضًا، علي إبراهيم سلمان – 51 عامًا – وهو رجل سوري انتقل إلى ليبيا في التسعينات، لكن مع بداية الثورة عام 2011، عاد إلى محافظة حماة حيث مسقط رأسه، يقول سلمان: “لقد عدت إلى سوريا، لكن الوضع كان خطيرًا للبقاء” وعند سؤاله عن السبب، صمت قليلاً ونظر إلى البحر ثم قال: “لقد قُتل طفلي، لقد كان في غرفة النوم عندما أطلق الإسلاميون قذيفة، ودخلت الشظايا من خلال النافذة مما أدى إلى وفاته”.
يسعى سلمان للوصول إلى أقاربه في السويد، ثم الانضمام إلى أسرته لاحقًا، لكنه يتمنى العودة إلى بلاده، فهو يقول إنه سيعود بمجرد أن تستقر بلاده، ويمتلك سلمان بطانية صغيرة يفرشها على السطح المعدني لسفينة “أرغوس” ما يعني أن هذه هي مساحته الخاصة، كما يفترش باقي المسافرين أسطح السفينة وممراتها.
وجد بعضهم غرفة على سطح فتحة التهوية، بينما قام رجل بصنع أرجوحة مؤقتة من حبال المرسى، واحتمى آخرون من الرياح تحت قوارب النجاة، تم تحويل حاوية شحن إلى مستشفى للسفينة، كما يصطف العشرات للاستحمام واستخدام المرحاض، أما الحصص الغذائية فتأتيهم مرتين في اليوم وهي عبارة عن وجبات خفيفة عالية الطاقة وبسكويت وفاكهة.
بعد أكثر من 24 ساعة في رحلة الـ300 ميل إلى أوروبا، تلاشت الغبطة البادية على وجوه الناجين من قوارب الموت، وبدأ القلق يزحف إلى وجوههم، سألت امرأة أحد عمال الإنقاذ الجوي في أثناء انتشاله مئات المهاجرين ووضعهم على سطح السفينة: “هل ستعيدنا إلى بلادنا؟”، وعندما أجابها “لا، نحن ذاهبون إلى إيطاليا” اطمأن قلبها.
يأمل اللاجئون في الوصول إلى بر الأمان في دول مثل ألمانيا والسويد وإيطاليا
لكن معظم المهاجرين على سطح “أرغوس” يجهلون الصعوبات التي ستواجههم عند وصولهم إلى أوروبا، وأن الكثير منهم لن يستطيع الوفاء بمتطلبات البقاء القانونية، فمعظم الذين تم إنقاذهم من الرجال والنساء والأطفال من دول إفريقية مثل: نيجيريا وغامبيا وساحل العاج ومالي والسنغال.
أحد الأشخاص من نيبال ولا يتحدث سوى لغته الأم، ما جعل من الصعب على طاقم المنظمة معرفة كيف ذهب إلى ليبيا ولماذا، ويهدف بعض المهاجرين للوصول إلى دول معينة من بينها ألمانيا والسويد وبلجيكا وإيطاليا، بينما لا يهتم الآخرون بوجهتهم.
تقول ديدي – نيجيرية 33 عامًا – “لا يهمني أين أذهب طالما سأكون بأمان”، غادرت ديدي وطنها بحثًا عن عمل، وتم تهريبها في شاحنة أبقار للوصول إلى النيجر، وأضافت “لم يعطوني أي طعام أو ماء، لقد كدت أموت”، عندما توقفت الشاحنة أخيرًا، تم إجبارها على العمل في مزرعة ليمون لمدة 3 أسابيع حتى تتمكن من توفير المال لدفع تكاليف بقية الرحلة، بعدها تم سجنها في ليبيا قبل أن تستطيع الرحيل على متن قارب في البحر المتوسط، تقول ديدي: “لا يرغب الجميع هنا في الذهاب إلى أوروبا، فبعضهم يرغب في العودة إلى بلاده، لكن ليس هناك طريق للعودة”.
بالقرب منها، كان هناك أطفالاً صغارًا يلعبون مع عمال الإغاثة، غافلين عن مشاكل آبائهم.
سليمان وزوجته فطيمة وطفلاه، فارين من بوركينا فاسو
يجلس سليمان بويسي بجوار زوجته وطفليه قائلاً إنه انتقل مع أسرته من بوركينا فاسو إلى ليبيا بحثًا عن عمل، لكن الأمر تحول إلى كابوس بعد انتشار العنف في البلدة التي يقيم فيها وقيام عصابة بخطف ابنته التي تبلغ 14 شهرًا، وتم إطلاق سراحها دون أن تُصاب بأذى، لكن سليمان قرر الفرار بحثًا عن الأمان في أوروبا، ومع وصول 330 ألف لاجئ ومهاجر إلى شواطئ أوروبا هذا العام، تُوفي على الأقل 4200 شخص في محاولة الوصول إلى أوروبا منذ بداية عام 2016، وهو يعد العام الأكثر دموية على الإطلاق.
تجربة سليمان تشبه تجارب الكثيرين من زملائه على سطح السفينة، فهناك من وصل إلى السفينة مصابًا بطلق ناري قبل عدة أيام في بلده، وآخر محمولاً على محفة جراء التعذيب الذي تعرض له.
كشف تقرير برلماني أن المملكة المتحدة مسؤولة في النهاية عن تلك الفوضى وإراقة الدماء، نتيجة تدخلها المشترك في ليبيا وخلق فراغ في السلطة، مما جعل العديد من الجماعات المسلحة وداعش تقاتل لملء هذا الفراغ.
بدا حمزة غاضبًا من انهيار موطنه، حيث قال: “بعد سقوط العراق عرفنا أن الخراب سيطول الجميع، يجب على أوروبا أن تسهل وصول الناس الذين يواجهون الإرهاب إلى بر الأمان، من المفترض ألا نخاطر بحياتنا بهذا الشكل”.
المصدر: الإندبندنت