تشهد تجارة الذهب وخصوصًا في السوق المغلقة في اسطنبول الواقع في منطقة الفاتح تدهورًا ملحوظًا في الأشهر الماضية إلى درجة أن بعض محال الذهب أغلقت بسبب حالة الركود في سوف الذهب، حتى أثرت على مجالات عمل أخرى كما حصل مع أحد المطاعم المعروفة في السوق تسببت بإغلاقه.
نون بوست وقف على هذه الحالة الغريبة وسأل أحد تجار الذهب في السوق عن سبب تدهور تجارة الذهب وإغلاق بعض المحال علمًا أن المنطقة لها ثقل كبير في أسواق الذهب ليس في اسطنبول وتركيا فحسب بل إقليميًا أيضًا.
وبحسب أحد تجار الذهب الذي تكلم لنون بوست يشير أن تجارة الذهب تأثرت في الشهور الماضية بشكل كبير بعد اعتقال رجل الأعمال رضا ضرّاب في الولايات المتحدة في مارس/آذار الماضي، والذي كان يشتري كميات ضخمة من الذهب من تركيا ولدى تتبع نون بوست لاسم رضا ضراب تبين أنه كان أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون على إيصال الذهب إلى إيران بطرق غير مباشرة وقد اتهم من قبل السلطات القضائية الأمريكية بخرق العقوبات الأمريكية على إيران بتهم الإرهاب (وهي غير العقوبات التي رفعت عن طهران مطلع العام الحالي والمفروضة على برنامجها النووي) ويضيف التاجر أن الإيجارات تأثرت كذلك بسبب الركود وقلة الزبائن إذ كان الإيجار للمحال الصغرى يقدر في حدود 2000 دولار والآن أصبحت في حدود 1000 ليرة تركي.
ولكن من هو رضا ضراب الذي تأثرت تجارة الذهب التركية بعد اعتقاله وما تفاصيل اعتقاله في الولايات المتحدة الأمريكية.
تجارة الذهب بين تركيا وإيران
الفورة في حجم الطلب العالي على الذهب في تركيا في السنوات الماضية كان سببها مناديب يشترون عشرات الأطنان من الذهب من تركيا بمئات الملايين من الدولارات ويطيرون بها من اسطنبول إلى دبي، ومن ثم يتم شحن الذهب إلى إيران بطرق مختلفة عبر سفن تعبر الخليج العربي.
الكميات التي كان يتم شحنها ضخمة للغاية حيث تشير بيانات تجارية رسمية تركية إلى أنه تم إرسال ذهب بنحو ملياري دولار إلى دبي في أغسطس/آب الماضي وتساعد تلك الشحنات إيران على إدارة وضع ماليتها العامة في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة على طهران والتي منعت إيران من الوصول إلى النظام المصرفي العالمي مما صعب عليها إجراءات تحويلات مالية دولية.
تبيع إيران النفط والغاز لتركيا إلا أن العقوبات الأمريكية والأوروبية منعت سداد المدفوعات بالدولار أو باليورو ولذا تحصل إيران على مستحقاتها بالليرة التركية، فيعمد مناديب إيرانيون على شراء الذهب التركي بالليرة التركية ومن ثم نقل الذهب إلى دبي وبعدها إلى إيران.
وفي أحد الأشهر بعد اشتداد وطأة العقوبات المصرفية زادت طهران من مشترياتها من الذهب من تركيا بشكل كبير وفقًا لبيانات تجارية للحكومة التركية بلغت صادرات الذهب من تركيا لإيران 1.8 مليار دولار. ولطالما عمدت إيران إلى إخفاء شحنات الذهب التي تشتريها من تركيا خشية لفت أنظار الولايات المتحدة التي تضغط على الدول في أنحاء العالم لتقليص علاقاتها الاقتصادية مع إيران.
وتؤكد بيانات تجارية تركية أن الذهب ينقل إلى دبي جوًا وأن ما قيمته 1.45 مليار دولار من إجمالي صادرات الذهب التركية في أغسطس/آب 2012 تم شحنه عبر مكتب الجمارك في صالة الركاب بمطار أتاتورك بينما الكمية المتبقية والبالغة قيمتها نحو 800 مليون دولار تم شحنها من مطار صبيحة في القسم الآسيوي من اسطنبول.
الجدير بالذكر أن المناديب يقومون بحمل الذهب في حقائب يد إذ تسمح القوانين بحمل 50 كيلو غرام ذهب ويقومون بمئات الرحلات لنقل الذهب من تركيا إلى دبي وبعدها نقله إلى إيران.
رضا ضراب وزوجته التركية
ما علاقة كل هذا برضا ضراب؟
رضا ضراب هو رجل أعمال إيراني وتركي ويبلغ من العمر 33 عامًا ويحمل جوازي البلدين ينحدر من أسرة إيرانية ثرية تنشط في مجال الذهب والأسهم والحديد انتقلت أثناء الحرب العراقية الإيرانية إلى دبي وبدأت أنشطتها في مجال الصرافة والتجارة وبعدها نقلت أنشطتها إلى الأسواق التركية.
ضراب معتقل الآن في الولايات المتحدة منذ مارس/آذار الماضي إذ توجه من اسطنبول هو وعائلته بغرض السياحة في ولاية فلوريدا، وبسبب إدلائه بتصريحات خاطئة حول كمية المبلغ الذي بحوزته إذ تبين أن يحمل 103 ألف دولار بينما المسموح 10 آلاف دولار فتم تحويله إلى فرع الجمارك ليتم تفتيش أمتعته بدقة أكثر ويسأل عن سبب حيازته المبلغ.
وبعد إدلائه بتصريحات كاذبة تم إحالته للأمن وأخضعه لتحقيقات أعطى فيها المزيد من التحقيقات الكاذبة فأحيل إلى المدعي العام الأمريكي وأمرت المحكمة بفتح كل ملفاته بما فيها الهاتف الشخصي. وهناك كانت المفاجأة!
إذ اكتشفت السلطات مراسلات بين ضراب وحاكم المصرف المركزي الإيراني يخططان لتجاوز العقوبات الأمريكية على طهران وأن له عددًا من الشركات الوهمية في تركيا ودبي مصر ولبنان وأنه يستخدمها لنقل كميات نقد إلى المركزي الإيراني تعدت المياري دولار مقابل حصوله على عمولة من إيران. وتم ضبط حمولة ذهب تقدر بـ 1.5 طن على متن طائرة تعود له وصلت لاسطنبول من غانا قبل أن تتوجه إلى إيران.
تمكن ضراب من فتح فجوة في العقوبات الأمريكية والغربية على إيران وأن يمهد الطريق لبيع النفط مقابل الذهب في عملية عقدة تمت عبر 11 شركة وهمية تأسست في تركيا والصين ومناطق أخرى.
السوق المغلق في اسطنبول
علاقة ضراب بتركيا
كانت السلطات التركية قد استجوبت ضراب في عام 2012 على خلفية الكشف عن حملة ذهب في طريقها لإيران، وهو المتهم الرئيس حسب الإدعاء الأمريكي في ملف الفساد المالي التركي في نهاية العام 2013 بعد العثور على وثائق سرية تتعلق بمناقصات حكومية ومؤسسات اقتصادية تركية وتقديم رشوة لوزراء أتراك ومدير مصرف “هلك بنك” الحكومة وأفراد من أسرة أردوغان.
وقد أحرجت قضية رضا ضراب حكومة أردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء قبل سنتين، وذلك بعد إتهام أردوغان ووزوجته ونجله بلال بمساعدة ضراب على نقل كميات كبيرة من الذهب تقدر بما يزيد عن 10 مليارات دولار إلى إيران في فترة العقوبات الغربية، إلا أن التحقيق أُسقط بعد ذلك.
ورد أردوغان إن الادعاء الأميركي يحاول توريطه بإدراجه في عريضة الاتهام تبرعات ضراب لجمعية “توجيم” الخيرية التعليمية المرتبطة بأسرة أردوغان، علمًا أن أردوغان وأسره لا علاقة لهم بالجمعية حسب أردوغان. وكانت محكمة في إسطنبول قررت الإفراج عن ضراب في فبراير من العام 2014، ثم جرى لاحقًا إسقاط جميع التهم المنسوبة إلى ضراب.
وعثرت السلطات الأمريكية في بريده الشخصي على رسائل أرسلها إلى وزراء أتراك منهم وزير الداخلة الذي عمل على إطلاق سراحه بعدما اعتقلته السلطان التركية في العام 2013.
وتراقب السلطات التركية من خلال سفارتها في واشنطن محاكمة ضراب عن كثب ويحاولون الضغط على واشنطن لإطلاق سراحه، إذ قدم محاميه التماسًا لنقله من السجن إلى الإقامة الجبرية إلا أن المحكمة ثبتت بقاءه في السجن ورفض الإدعاء أيضًا إخلاء سبيله بسند كفالة حددها القاضي بخمسين مليون دولار لافتًا أن ضراب قد يهرب من البلاد بفضل علاقاته الدولية وإمكانياته وهذا سيصعب عملية استرداده لمحاكمته في البلد الذي سيلجأ إليه، ويذكر أن ضراب يواجه عقوبة بالسجن لمدة 30 عامًا بسبب قيامه بتجاوز العقوبات المفروضة على إيران بتهم الإرهاب.