ترجمة وتحرير نون بوست
لا زالت تصلنا صور الأطفال الجرحى والأسر المشردة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وعلى طول الشواطئ الأوروبية، خاصة بعد المعركة المتواصلة في الموصل، والتي رمت بحوالي 10 آلاف عراقي في مخيمات اللاجئين، هذا بالإضافة إلى الأزمة السورية التي جعلت عددًا كبيرًا من الناس دون وطن، ولا زال السوريون يهربون من المدن والقرى التي مزقتها الحرب والهجمات التي يشنها بشار وحلفاؤه من جهة، ومعارضوه والجماعات الإرهابية من جهة أخرى
كما واصلت البلدان المضيفة مثل تركيا والأردن ولبنان محاولاتها لاستيعاب العدد الكبير من اللاجئين، بينما يحاول مجموعة من اللاجئين الآخرين تغيير الأفكار المسبقة التي ارتبطت باللاجئين بصفة عامة، الأمر الذي تحدث عنه الدكتور فادي حلبي، وهو لاجئ سوري فر من مسقط رأسه دمشق إلى لبنان سنة 2014، قائلاً: “أراد عدد كبير من اللاجئين الموجودين في لبنان البقاء في سوريا، لكن لم يكن أمامهم أي خيار آخر”.
وكان الدكتور حلبي بصدد إنهاء آخر سنة دراسة له في اختصاص طب الأعصاب، لكنه يشغل الآن منصب المدير العام لبرنامج المساعدات المتعددة (مابس)، وهي منظمة إنسانية تُعنى باللاجئين السوريين في لبنان، أسسها حلبي رفقة لاجئين سوريين آخرين، ومنذ إنشاء برنامج المساعدات المتعددة في سنة 2013، تم تقديم مختلف الخدمات الطبية والتعليمية لحوالي 300 ألف لاجئ سوري في لبنان، كما تم تقديم خدمات أخرى للفئات الضعيفة من الشعب اللبناني.
أما دكتور إبراهيم المصري، فهو لاجئ سوري من ضواحي دمشق ويشغل الآن منصب مدير برنامج الصحة في “مابس”، وتحدث المصري عن هذا المشروع للمونيتور قائلاً: “نحن نفعل ما في وسعنا من خلال مواردنا المحدودة”، ووفقًا للمصري، فإن 13 طبيبًا سوريًا وممرضًا فضلاً عن اثنين من الأطباء اللبنانيين يقدمون الدعم لحوالي 150 مريضًا بصفة منتظمة، في عيادة مابس في عنجر، وعلى المرضى أن يدفعوا دولاريْن إن كانوا سوريين و6 دولارات إذا ما كانوا لبنانيين، كما يمكن لأي مريض أن يدفع هذا المبلغ ويحصل على أي خدمة، من خدمات طب الأسنان إلى طب الأطفال وغيرها.
وقال الدكتور حلبي إنه إن لم يوفر، صحبة زملائه، الدعم للاجئين السوريين، فإنه ليس هناك أي بنية تحتية في لبنان لاستيعاب هذا التدفق الهائل للاجئين”، وأضاف قائلاً “نحن نعمل جاهدين لضمان سلامة السوريين”، وكان حلبي يعمل سابقًا في مستشفى عمومي في دمشق التي يسيطر عليها النظام، واضطر للفرار من منزله بعد أن قُبض على اثنين من زملائه للتحقيق معهم من قبل قوات الأمن في سوريا بعد اتهامهم بتقديم العلاج لقوات المعارضة.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية الأزمة السورية، تعرض أكثر من 269 مسشفى إلى أكثر من 400 هجمة، 90% منها من قِبل نظام بشار وحلفائه، وذلك وفقا لحملة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، كما أن وزارة الدفاع السورية هي المسؤولة على بنوك الدم في سوريا، ووفقًا لتحقيق قامت به صحيفة الغارديان البريطانية في آب/ أغسطس الماضي، فإن بنوك الدم هذه تلقت أكثر من 5 ملايين دولار على شكل مساعدات من منظمة الصحة العالمية منذ سنة 2011.
وتحدث حلبي عن ظروف عمل الأطباء في سوريا قائلاً: “أن تكون طبيبًا في سوريا يعني أن يتم اتهامك من قِبل أحد الأطراف، فنظام الأسد يتّهمك بتقديم العلاج لقوات المعارضة، التي تتّهمك بدورها بتقديم العلاج لمؤيدي الأسد”.
وتحدث محمد المصري، وهو مدرس سوري شاب فر من مسقط رأسه في مدينة حمص سنة 2014، عن ظروف اللاجئين في لبنان قائلاً: “الأمل هو الشيء الذي يصعب التشبث به، فمن الصعب على اللاجئين أن يعيشوا في لبنان”، ويشغل المصري الآن (ليس أحد أقرباء إبراهيم) منصب مدير برنامج التعليم في “مابس”، وأضاف المصري، متحدثًا للمونيتور، أن هناك فجوة كبرى بين عمل المفوضية العليا للاجئين وما تريده الحكومة اللبنانية وما يريد اللاجئون السوريون فعله لمساندة زملائهم المحتاجين.
ووفقًا لكل من المصري وحلبي، فإن الرعاية الصحية والتعليم بقيا يمثّلان أكبر التحديات بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان، خاصة وأن عددًا كبيرًا من اللاجئين ليسوا مسجلين ويعيشون في مخيمات غير رسمية على طول حدود لبنان مع سوريا، أما أولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية فليس لهم إمكانية العمل أو التعليم بسبب قدرات لبنان المحدودة.
وتحدث المصري عما حصل لخالته في شتاء السنة الماضية، حيث كانت خالته، التي فرت من حمص، حاملاً، لكن تم رفضها في ثلاثة مستشفيات في طرابلس على الرغم من أنها كانت تنزف، وفي هذا السياق، قال المصري “أخبرناهم بأنها تنزف، وطلبوا منا أوراق المفوضية العليا للاجئين، لكن لم يكن لدينا أية أوراق، إن التمييز منتشر بكثرة وفي كل مكان”.
وقد أكد عدد كبير من العاملين لدى “مابس” أنه إن تم منح اللاجئين تصريح عمل من قبل وزارة العمل في لبنان فإنهم سيكونون قادرين على معالجة التحديات، ليس فقط تلك التي تواجه اللاجئين بل أيضًا تلك التي تعاني منها الحكومة اللبنانية في استقبالها للاجئين، الأمر الذي تحدث عنه وزير العمل اللبناني سجعان قزي للمونيتور قائلاً إن بلده الذي يبلغ عدد سكانه 4.5 ملايين نسمة، ليس لديه القدرة على استقبال اللاجئين ومنحهم تصاريح العمل”، وأضاف “لبنان هو بمثابة اليد الصغيرة القادرة على حمل 5 كيلوغرامات، لكن لا يمكنها حمل 15 كيلوغرامًا، هذا ما نواجهه اليوم، والحل هو أن يعود اللاجؤون إلى بلادهم”.
ووفقًا للتقارير الصادرة عن المفوضية العليا، فإنه هناك أكثر من مليون لاجئ سوري مسجل في لبنان، لكن في الواقع، عدد اللاجئين أكبر من ذلك بكثير، وذلك لأن عددًا كبيرًا منهم لم يتمكنوا من التسجيل، خاصة وأن الحكومة اللبنانية أعلنت عن عدم استعدادها لبقاء اللاجئين بسبب بنيتها التحتية الهشة وعدم قدرتها على استيعاب أعدادهم الكبيرة التي يبلغ عددها المليونيْن، وذلك وفقًا لمنظمات غير حكومية محلية.
وعلى الرغم من القيود المفروضة على تصاريح العمل وعلى التمويل بصفة عامة، وبدعم مالي من الهلال الأحمر القطري والجمعية الطبية الأمريكية السورية، فقد تمكن حلبي وفريقه من بناء عيادة طبية ومرافق صحية لم تكن متوفرة في قُراهم ومجتمعاتهم، كما أنهم يقدمون خدماتهم للاجئين وللبنانيين في مختلف أحياء عنجر وعرسال وطرابلس، ومن بين الخدمات التي يقدمونها عيادة للصحة النفسية وعيادة للعلاج الطبيعي وعيادة لعلاج سرطان الثدي، والتي تعد الأولى من نوعها في لبنان، وعلى الرغم من أن المصري وزملاءه ليس لهم الإمكانيات اللازمة لتوفير تدخلات جراحية لمرضى السرطان، إلا أن المصري يشعر بالفخر لتمكنهم من فتح عيادة علاج لسرطان الثدي في عنجر، وقال المصري: “المفوضية العامة لا توفر أي دواء للسرطان للاجئين، إلا أنني أسعى إلى الكشف عن المرض ومنع انتشاره بين النساء”.
وردًا على الحلول الممكنة للتخفيف من حدة بعض التحديات التي تواجه هذا التدفق، قال قزي: “على اللاجئين السوريين أن يعودوا إلى سوريا، وعلى المجتمع الدولي إيجاد منطقة آمنة داخل سوريا أو أي مكان آخر يمكن لهؤلاء العيش فيه”.
وعلى الرغم من عدم توفر أية بنية تحتية مناسبة، إلا أن الأطباء والمعلمين في “مابس” يأملون في أن يتمكنوا من مواجهة هذه التحديات، كما صرّح حلبي أن هدفهم ليس البقاء في لبنان، إنما مواصلة العمل وخلق بنية تحتية بهدف العودة، يومًا ما إن شاء الله إلى سوريا الجديدة.
المصدر: المونيتور