إلى جانب وجود إجماع فلسطيني (رئاسي وحزبي وعلى الصعيد الشعبي أيضًا)، بأنه لا يمكن الحديث عن قيام دولة فلسطينية، فيما لم تكن مُرتكزة على حدود عام 1967، أو ألا تكون القدس عاصمةً لها، فإن لدينا إجماعًا فلسطينيًا آخر، وهو يتقدّم على الإجماع السابق، والذي ينص على استبعاد تلك الإمكانية، قبل التئام شطري الوطن (الضفة الغربية وقطاع غزة)، والوصول إلى مرحلة الشراكة الحقيقية بين كافّة مكونات المجتمع الفلسطيني.
في ضوء ما تزخر به الساحة السياسية الفلسطينية، ودون أن نجهد أنفسنا بالتفاصيل، فإن لدينا نتيجة واضحة، تُوحي بأن لا دولة فلسطينية تلوح في الأفق، وبأيدٍ فلسطينية خالصة، باعتبار أن تلك الأيدي، هي من لا تقوم بتعطيل التقدم نحو الدولة وحسب، بل وتعمل على التراجع عن السير نحو تحقيقها، وذلك بفضل مهارتها النامية، باتجاه توسيع الفجوات القائمة، إلى الدرجة التي تبدو فيها المشكلات الآتية من الجانب الإسرائيلي، أو الواردة من رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو تحديدًا، تبدو مشكلات هامشية.
لقاء الدوحة الأخير
خلال لقاء الدوحة النادر، والذي جمع بين الرئيس أبو مازن وكل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ونائبه إسماعيل هنية، أواخر أكتوبر المنصرم، تم الحديث وبصورةٍ مُبهرة، عن ضرورة إعادة اللحمة بين شطري الوطن – سياسيًا على الأقل – ما يعني عدم إقامة دولة في الضفة الغربية دون قطاع غزة، وعدم إقامة إمارة أو دولة داخل القطاع دون الضفة الغربية، وبرغم هذا الحديث، إلاّ أن الصراع المتبادل لا زال باقيًا، بل وزاد في الاحتدام.
من شروط أبو مازن المطلوبة من قادة حماس، تسليمهم مفاتيح القطاع بلا أدنى قيد، كي يتسنى له الانخراط بحريّة أكبر في المسيرة السلميّة، باعتبارها هدفه الاستراتيجي، حتى برغم الصعوبات الدولية والإسرائيلية بخاصة، التي تواجهه وتعرقل – حسب تفكيره – مساعيه الرامية إلى تحقيق الدولة، وحماس بالمقابل، لم تقتصر اشتراطاتها عليه بضرورة تخلّيه عن تلك المسيرة، باعتبارها قذرة ومضيعة للوقت، بل طلبت السماح بنقل أدوات المقاومة إلى الضفة الغربيّة، كونها ستُبلي بلاءً عميقًا ضد الاحتلال، وتُعجل في التحرير.
الشروط السابقة هي شروط عملاقة، وهي مرفوضة تمامًا، كونها لدى الجانبين تؤدي إلى احتراق المصالحة برمّتها، فأبو مازن دأب في الماضي، على رفض أي اشتراطات صغيرة كانت أم كبيرة، وبالشكل الذي لا يُمكّنه قبولها في المستقبل، كما أثبت بأنه ليس على استعداد للالتفات إلى أحدث نظريات حماس التصالحيّة، والتي تزعم بأنها نظرية متكاملة، والمعتمدة على الاتفاقيات السابقة (اتفاقية القاهرة، الدوحة، مخيم الشاطئ)، والمتعلّقة بإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية.
حماس من جانبها لم تقبل بشروط أبو مازن لا في الماضي ولا الآن، كما وليس بوسعها الموافقة على أي منها في المستقبل، وحتى في ضوء جريان محادثات على مستوياتٍ عليا (رسميّة وجانبية)، بسبب أن هذه المحادثات تكشف من غير شك، بأن ادّعاء الجانبين بخصوص المصالحة هي غير دقيقة، بل وتطفو لديهما سياسات لا تؤمن بالمشاركة السياسية، خاصة وأن هذه المستويات كما يبدو، غير مستعدّة لكسر القواعد، وكأنها مصنوعة فقطـ، لإغراق الفلسطينيين في أوهامٍ أخرى جديدة.
كان ينبغي على الطرفين، الأخذ بأنّ ما تمر به القضية الفلسطينية من تقلبات قاسية ومتواترة، باعتبارها أجراسًا مُنبهةً للبدء في سلوك الطريق الصحيحة، وبما تمليه المصلحة الفلسطينية العليا، وإلاّ فإننا سنظل نتحدث عن الدولة ولا نجدها، حتى برغم الحديث عن وجود تلك الدولة ضمن خارطة “كيري – لافروف” الجديدة للمنطقة، وهي الخارطة التي من المفترض أن تحل محل خارطة (سايكس بيكو) خلال الزمن الآتي.