ما حقيقة صراع تركيا وإيران المتوقع؟

بعد توريط إيران لروسيا في أحداث سوريا، لم تستطع روسيا أن تطيق ثمن هذه الحرب، وذلك لاختلاف التكافؤات في نوعية السلاح بين روسيا والجيش الحر، فروسيا تقاتل من السماء، ولا تحرز إلا أرقام في الضحايا المدنيين، بينما إيران شاركت بريًّا، وهذا يدعو روسيا لأن تعيد النظر في نتائج معاركها على هذا النحو من التنسيق ثنائي القيادة (البريّة الإيرانية، والجوية الروسية)، وهنا نقطة مفصلية بين إيران وروسيا، قد تجعل من إيران تعيد النظر في خطواتها لدعوتها روسيا للمشاركة في سوريا، بل إن موقعها الحالي في العراق يجعل من هذا النظر مبكرًا عليها لتقديم المزيد من الدعم لروسيا، مما يحدو بروسيا إلى أن تتوجه إلى تركيا في مواقفها استراتيجيًا، نعم ستبقى روسيا تمارس جرائمها في سوريا، ولكن حتمًا روسيا لن تحتمل الضغط عليها في سوريا، أي أن روسيا ستتجه إلى تركيا لتخفيف الضغط الناشئ من تدخلها في سوريا لأنها تعرف علاقتها الجيدة في سوريا.
وقد يؤدي بإيران إلى التحرّز من هذا المفصل، مع علمنا بأن تركيا تقدم دعمًا لروسيا أكثر مما تقدمه إيران، ولكم أن تأخذوا على سبيل المثال قضية “السيل التركي” الذي تملك تركيا مفاتحه تجاه أوروبا، أو لنقل أن تركيا تجعل مفاتح أوروبا مع روسيا، وهذا حلم روسيا الذي لا يمكن أن تقدمه إيران وذلك بسبب الموقع الاستراتيجي والجغرافي لتركيا في أوروبا، صحيح أن إيران تملك أوراقًا أخرى تدعم بها روسيا في مواجهة الغرب، ولكن سمة الدعم الإيراني لروسيا تجاه الغرب هو صدامي بالدرجة الأولى، وأما نوع الدعم التركي المقدم لروسيا هو حتمًا سياسي – اقتصادي، والسياسي يدوم والصدامي يفنى، وعلى كل حال، فتركيا ذات فائدة أكبر من إيران لروسيا في الساحة الأوروبية.
فإيران غير القادرة على مواجهة الجيش السوري الحر، سواء من مليشياتها الغربية التابعة لحزب الله، أو الشرقية التي أتت بهم عن طريق العراق، لن تحتمل هذه الحرب، بلا مشاركة لروسيا، وهي ضعيفة دونها، والصدام المحتمل بين تركيا وإيران لا يتم إلا بوجود تشنج بين تركيا وروسيا، وهذا غير وارد، لذلك الجبهات التي أنهكت إيران في الشرق الأوسط، وتحالفاتها مع روسيا غير المأمونة، لن تجعل من إيران أن تفكر بشكل غير عاقل، لتضيع أحلام الثورة الخمينية في حرب جديدة مع تركيا، وخصوصًا بأن روسيا حليفها في سوريا، لن تقف معها كما يجب في هذا الموقف، لتهدد مصالحها الأوروتركية.
ثم تركيا تقوم بالتعامل مع قضية تحرير الموصل وفق السابق على أساس واضح، فعلى سبيل المثال هي لم تفرّق بين التركمان الشيعة التي تتذرع إيران بإرجاعهم بسبب سياسات تنظيم داعش التهجيرية، وبين التركمان السنة الخاضعين تحت سيوف هذا التنظيم! فالتركمان يشكّلون ثلاث دوائر في السياسة التركية، الأولى هي أنهم أصحاب الأرض، والثانية هي أنهم على نفس القومية المذكورة في الوثائق القديمة التي عقدت بين بريطانيا والدولة العثمانية، والدائرة الثالثة هي أنهم تعرّضوا للمآسي التي فرضها عليهم تنظيم داعش، وبالمقابل إيران تدّعي حمايتهم بذريعة سرقة طريق تلعفر – سنجار المؤدي إلى الحدود السورية لمد النظام الأسدي بمزيد من مليشياتها الطائفية، فأسلوب الفزّاعة الأمريكية التي استخدمت تنظيم القاعدة في ضرب عواصم عربية، هي ذات أسلوب الفزاعة الشيعية التي تستخدمها إيران لتنفيذ مآربها وسياساتها، وهذا بالضبط ما لا تحاول تركيا اللعب عليه، فجاء قول أردوغان يعضّد هذه النظرية: بـ “أن تنظيم داعش الإرهابي استغل المذهب السني لقتل المسلمين”، وهل تركيا ستستخدم أسلوب داعش في التعامل مع إيران؟!
وأما عن موقف البرزاني فإنه رأى أن إيران تتمدد في المنطقة وخاصة في عمق الدول العربية، ورأى أنّ أمريكا لا تفعل شيئًا حيال هذا التمدد، بل تسكت رضى عنه، فقام بالرجوع إلى الوضع الطبيعي، وقرّر ألا يعبث بالتوازنات باللجوء إلى أمريكا، وحافظ على موقفٍ متوازن بين القوى مما يضمن له مزيدًا من الاستمرار في مواجهة إرهاب المليشيات من حوله، والحفاظ على علاقة جيدة مع جميع الأطراف في المنطقة، وعدم إهمال الدور التركي، الذي يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بتجاهله في بعض المواقف السياسية على الساحة العراقية، فإن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تضمن للسيد برزاني استقلاليته أمام الطموح الإيرانية، وعدم الثقة الأمريكية، هذا غير أنّ تركيا هي أحد أهم أبواب الطاقة لإقليم كردستان العراق في الشرق الأوسط.
وقبل أن نقول بوجود أي صدام تركي – إيراني، يجب أن نحدد مفهوم الحلف التركي – الروسي، وأن نرى المصالح التركية – الإيرانية، والعلاقات الروسية – الأوروتركية، ثم نستطيع رسم صورة واضحة للصراع المتوقع.