أزمة جديدة تواجهها القاهرة جرّاء تعليق شركة أرامكو السعودية لشحنتها من النفط المقرر إرسالها للشهر الثاني على التوالي، ما دفع الحكومة المصرية للبحث عن بدائل أخرى، خاصة وأنها تستورد ما يقرب من 40-50% من احتياجاتها النفطية من الخارج.
العديد من المصادر داخل وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية أكدت على ضرورة الاستيراد من الدول المجاورة والشقيقة كحل سريع لتوفير المستلزمات النفطية الحيوية، واستقر الاختيار على العراق والجزائر، لكن ما نشر صباح اليوم بشأن زيارة وزير البترول المصري للعاصمة الإيرانية طهران للاتفاق على صفقات بترولية جديدة تعوض النقص المترتب على تعليق الشركة السعودية لشحنتها والتي تمثل 30% من إجمالي ما تستورده مصر من الخارج، يضع العديد من التساؤلات – إن ثبت صحته – بخصوص اختيار طهران كوجهة جديدة للحكومة المصرية، وهل تهدف بذلك القاهرة الضغط على الرياض أم أن المصلحة هي من تحدد التوجهات الخارجية للدول، فضلًا عن انعكاسات هذه الخطوة على توسعة الهوة بين مصر والخليج خاصة السعودية.
النفط.. صداع في رأس الحكومة
يعد توفير الاحتياجات النفطية صداعًا في رأس الحكومة المصرية طيلة العقود الماضية، خاصة بعد الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك بعد أن تجاوز عدد المصريين حاجز الـ90 مليون نسمة، وما يترتب على ذلك من إنفاق المليارات لأجل توفير هذه الاحتياجات.
فبحسب وزارة البترول المصرية يبلغ الاستهلاك المحلي من المنتجات البترولية والغاز نحو 72 مليون طن سنويًا، في الوقت الذي تنتج فيه مصر 728 ألف برميل من النفط، و4.4 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، بينما تستورد ما بين 35 و40% من احتياجاتها البترولية من الخارج، بمعدل 500 ألف طن من السولار شهريًا، و160 ألف طن بنزين، و220 ألف طن مازوت، بفاتورة شهرية تبلغ 800 مليون دولار، فضلًا عن 2.7 مليار دولار ديون لشركات نفط أجنبية، فيما بلغ حجم دعم المواد البترولية خلال 2015-2016 نحو 61 مليار جنيه، بعد أن كان 100 مليار العام السابق، بعد بدء تخفيض الدعم عن الوقود، وفق الأرقام الرسمية.
بحسب وزارة البترول المصرية يبلغ الاستهلاك المحلي من المنتجات البترولية والغاز نحو 72 مليون طن سنويًا، في الوقت الذي تنتج فيه مصر 728 ألف برميل من النفط، و4.4 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، بينما تستورد ما بين 35 و40 % من احتياجاتها البترولية من الخارج
حمدي عبد العزيز المتحدث باسم وزارة البترول المصرية، أشار في تصريحات صحفية له أن الوزارة وهيئة البترول سيجريان مخاطبات جديدة مع عدد من الدول المجاورة لاستيراد الوقود تحسبًا لأي ظروف طارئة، وسيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب بعد الاتفاق على كافة الأمور الفنية المتعلقة بحاجة سوق الوقود المحلية في مصر، علاوة على أن مصر تمتلك حاليًا مخزونًا استراتيجيًا من الوقود يكفى لسد احتياجات المواطنين بالأسواق المحلية، وتابع: “مصر ستطرح عددًا من المناقصات لشراء احتياجات السوق المحلية من الوقود، فهيئة البترول في مصر ستعمل على تدبير أكثر من 500 مليون دولار مع البنك المركزي لشراء الاحتياجات”.
أما فيما يتعلق بلجوء مصر لاستيراد الوقود من الدور المجاورة الشقيقة، أشار عدد من خبراء البترول الدوليين إلى أن هذا هو الحل الأمثل في الوقت الراهن، نظرًا لما يمكن الحصول عليه من تسهيلات في السداد عكس اللجوء إلى الدول غير الشقيقة، خاصة بعد توقف شركة أرامكو عن تزويد مصر بالحصة المتفق عليها، ولعل هذا ما يفسر لجوء الحكومة المصرية إلى عدد من الإجراءات التقشفية في مجال الوقود، منها رفع أسعاره بصورة ملحوظة كما حدث في اليومين الماضيين، وذلك لإجبار المواطنين على خفض معدلات الاستهلاك، فضلاً عن توفير المليارات التي تنفقها الدولة على دعم المواد البترولية والتي تبلغ 61 مليار جنيه (4 مليارات دولار) حسب موازنة العام المالي 2015/2016.
اتفاقية أرامكو
في ظل الأزمة التي تواجهها مصر جراء الفجوة بين الإنتاج والاحتياجات النفطية، ما كان أمامها إلا البحث عن بدائل كما ورد ذكره سابقًا، وفي أول تحرك عملي نحو البحث عن وجهات جديدة لتوفير النفط، كان الاتفاق المبرم بين وزارة البترول المصرية ممثلة في الهيئة العامة للبترول، وشركة أرامكو السعودية.
في منتصف شهر ديسمبر الماضي، صرحولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في أثناء الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي المصري، بأن توجيهات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قد صدرت بأن تزيد الاستثمارات السعودية في مصر إلى 30 مليار ريال (9 مليارات دولار)، وأن تُسهم السعودية في توفير احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات.
وبناء على ذلك، وفي زيارته الثانية لمصر في السابع من أبريل الماضي، قام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بتوقيع اتفاقية لتمويل احتياجات مصر البترولية لمدة خمس سنوات، بقيمة تبلغ نحو 23 مليار دولار وبفائدة 2% وفترة سماح للسداد ثلاث سنوات على الأقل، على أن يتم السداد على 15 عامًا، وذلك بواقع شحنات شهرية تصل إلى 700 ألف طن من المنتجات البترولية المكررة، على أن يدفع الصندوق السعودي للتنمية مقابل المواد البترولية لشركة أرامكو بشكل فوري ويستعيد تلك المبالغ من مصر على أقساط.
مسؤول في وزارة البترول المصرية صرح لوكالة الأنباء رويترز، أن أرامكو السعودية أبلغت الهيئة منذ أكتوبر بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية “لحين إشعار آخر”
وتسلمت مصر أولى شحنات هذا الاتفاق في مايو الماضي، وكانت عبارة عن 700 ألف طن من المنتجات البترولية، تحتوي على 400 ألف طن سولار، و200 ألف طن بنزين، و100 ألف طن مازوت، واستمرت لمدة أربعة أشهر فقط، إلى أن توقفت فجأة وبدون سابق إنذار أكتوبر الماضي، لتجد الحكومة المصرية نفسها في مأزق.
العاهل السعودي خلال زيارته لمصر أبريل الماضي
مسؤول في وزارة البترول المصرية صرح لوكالة الأنباء رويترز، أن أرامكو السعودية أبلغت الهيئة منذ أكتوبر بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية “لحين إشعار آخر”، وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، بحسب الوكالة البريطانية ردًا على سؤال بشأن توقف أرامكو عن إمداد مصر بالمواد البترولية خلال نوفمبر الجاري وديسمبر المقبل “لم يعطوا لنا سببًا، أبلغوا الهيئة فقط بالتوقف عن إمدادها بالمواد”.
ولا شك أن هذا القرار مثّل ضربة موجعة للاقتصاد المصري، فمن جانب فإن هذه الاتفاقية ساهمت في توفير احتياجات مصر النفطية وتأمينها لخمس سنوات قادمة، ومن جانب آخر، فإن تحمل الجانب السعودي تكلفة الشحنات، والتي تصل إلى 383 مليون دولار شهريًا، فضلاً عن تسهيل السداد على الجانب المصري في صورة أقساط مؤجلة، كان يوفر مئات الملايين من الدولارات شهريًا لصالح العديد من السلع الاستراتيجية الأخرى، في وقت هو الأصعب، حيث يوجد نقص حاد في العملة الصعبة.
وأمام هذا التوقف المفاجئ لشحنات النفط السعودية، سعت الحكومة المصرية إلى البحث عن بدائل فورية لتأمين احتياجاتها النفطية، حيث كانت العراق والكويت والجزائر أبرز الوجهات الجديدة، حسبما كشفت شركة كويت إنرجي الكويتية، مشيرة أنها وقعت اتفاقًا تبيع بموجبه 20% من حصتها في حقل السيبا الغازي العراقي للهيئة المصرية العامة للبترول، إضافة إلى مذكرة تفاهم مع شركة الطاقة الوطنية الأذربيجانية سوكار للحصول على ما يصل إلى مليوني برميل من النفط الخام، لكن هذا لم يكن كافيًا لتأمين احتياجات المصريين من النفط، لذا كان البحث عن وجهات أخرى أكثر قوة ومرونة في التعامل هدفًا لدى القاهرة.
مصر تستنجد بإيران
في زيارة نادرة هي الأولى من نوعها في الفترة الأخيرة، توجه وزير البترول المصري طارق الملا إلى إيران مساء أمس الأحد، في محاولة لإبرام اتفاقيات نفطية جديدة بعد تعليق السعودية اتفاقاتها النفطية مع القاهرة الشهر الماضي وذلك وفقًا لمصادر مقربة من وفده بمطار القاهرة، حسبما نشرت وكالة رويترز.
وقال مصدر رافق الوزير إلى المطار إن الملا سيلتقي بمسؤولين إيرانيين كبار لبحث إمكانية تأمين إمدادات نفطية من طهران في أقرب وقت ممكن، وذلك لسد العجز الكبير الناجم عن قرار الشركة السعودية.
رويترز أشارت أيضًا إلى أن الموقف السعودي جاء عقب تصويت مصر لصالح القرار الروسي بالأمم المتحدة أكتوبر الماضي، في الوقت الذي عارضت فيه الرياض القرار بشدة، ما اعتبرته الوكالة إشارة إلى تصدع أكبر في العلاقات بين القاهرة والرياض.
قال مصدر رافق الوزير إلى المطار إن الملا سيلتقي بمسؤولين إيرانيين كبار لبحث إمكانية تأمين إمدادات نفطية من طهران في أقرب وقت ممكن، وذلك لسد العجز الكبير الناجم عن قرار الشركة السعودية
وبالرغم من نفي المتحدث الرسمي لوزارة البترول لصحة الأنباء بشأن توجه الملا إلى إيران لبحث مجالات التعاون في مجال البترول، إلا أن بعض وسائل الإعلام الإيرانية أكدت هذه الزيارة، وهو ما جاء على لسان مسؤول إيراني في تصريح لوكالة مهر الإيرانية للأنباء، والذي أكد أن وزير النفط المصري التقى اليوم نظيره الإيراني بيجن زنكنه، في لقاء تناول تعزيز العلاقات الثنائية في مجال الصناعات النفطية والطاقة والنفط الخام ومنتجاته.
وأضاف مساعد وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية والتجارية أمير حسين زماني نيا أنه لا حدود لعلاقات التعاون المصرية – الإيرانية في مجال النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية، مؤكدًا دعم إيران لأي تعاون مشترك بين البلدين.
وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني على هامش اجتماعات الأمم المتحدة أكتوبر الماضي
وفي تصريحات سابقة أكد وزيران مصريان أن القاهرة ليس لديها مانع من استيراد البترول الإيراني بعد رفع الحظر عن طهران، والسماح لها بتصديره، في نفس الوقت أشارا إلى وضع ترتيبات لاستيراد مواد بترولية جديدة من السعودية بتسهيلات في الشراء والسداد.
وقال وزير البترول والثروة المعدنية وقتها المهندس شريف إسماعيل (رئيس الحكومة الحالي): إن قطاع البترول ليس لديه مانع من استيراد الخام الإيراني بعد رفع الحظر والسماح بالتصدير.
وانطلاقًا من مبدأ “البراجماتية” الذي يتحكم في توجهات القاهرة وطهران، فإن فرص التقاء العاصمتين كبيرة جدًا، في ظل الأزمة التي تواجهها مصر مؤخرًا وحاجتها الماسة للدعم المادي، في مقابل المساعي الإيرانية لتوسيع رقعة علاقاتها وحلفائها مع الدول المحورية في المنطقة وفي مقدمتها مصر.
الرياض – القاهرة.. مزيد من التصدع
حالة من التوتر تغلف أجواء العلاقات المصرية السعودية في الآونة الأخيرة نتيجة عدد من المواقف والممارسات التي قامت بها القاهرة، واعتبرتها الرياض “استفزازية”، منها استقبال وفد البوليساريو واستفزاز السعودية، والتعاون الأمني الاستخباراتي مع دمشق، واستقبال وفد من الحوثيين، ومشاركة الأزهر الشريف في مؤتمر جروزني الأخير برعاية إيران، وآخرها تأييد القرار الروسي بمجلس الأمن والذي كان العلامة الفارقة على بداية عودة القمر محاقًا بين العلاقات المصرية السعودية.
ومما لا شك فيه لو صحت الأنباء الخاصة بزيارة وزير البترول المصري لطهران لعقد صفقات بترولية لتأمين الاحتياجات النفطية المصرية، ستزيد سماء العلاقات بين البلدين تلبدًا بالغيوم، وترفع منسوب التوتر إلى درجات غير مسبوقة، خاصة في ظل حالة التراشق السياسي والإعلامي الأخيرة والتي ربما تصل – إن لم يتدخل عقلاء الطرفين – إلى آفاق مسدودة يصعب بعدها أي انفراجة.
وسواء كانت هذه الزيارة من قبيل الضغط على الرياض لإثنائها عن قرار تعليق شحنات النفط للقاهرة، أو المضي قدمًا في تفعيل سبل التعاون مع طهران وفق رؤية واستراتيجية خارجية مختلفة، تعتمد على مبدأ المصلحة فوق كل اعتبار، فإن رقعة الخلاف المصري السعودي تزيد بصورة كبيرة، قد تعيد معها رسم خارطة التحالفات في المنطقة.