ترجمة حفصة جودة
يصادف هذا الشهر الذكرى السنوية الـ99 من وعد بلفور، وبداية التحضيرات الجادة لمرور مئة عام في العام المقبل، وتستعد إسرائيل وحلفاؤها للاحتفال بما يرونه وثيقة تاريخية تدعم شرعية دولتهم، بينما ينتظر الفلسطينيون وحلفاؤهم اعتذارًا من بريطانيا للظلم الذي ما زال يؤثر على حياتهم حتى اليوم.
كان وعد بلفور عبارة عن رسالة بتاريخ 2 نوفمبر 1917، أرسلها وزير خارجية بريطانيا آنذاك اللورد آرثر بلفور نيابة عن الحكومة إلى والتر روتشيلد، لمشاركتها مع الاتحاد الصهيوني، وتضمنت الرسالة بيانًا من 67 كلمة:
“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.
قام السفير الإسرائيلي في المملكة المتحدة بالاحتفال بالذكرى الـ99 عن طريق إطلاق البالونات في سماء لندن، كما كانت منظمات من ضمنها مجلس ممثلي اليهود البريطانيين، جزءًا من مبادرة تشكر الحكومة البريطانية لاعترافها بحق الشعب اليهودي في إعادة تأسيس وطنه القومي في فلسطين.
ما هو حق تقرير المصير؟
لنتذكر أولاً بأن الحركة الصهيونية كانت الوحيدة القادرة على تحقيق هدفها في إقامة دولة يهودية في فلسطين بدعم من قوى استعمارية، وبالرغم من زيادة التوترات بين سلطات الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، إلا أن المشروع لم يكن ليتحقق إلا بدعم وحماية الإمبراطورية البريطانية.
واليوم، ما زالت دولة الاحتلال الإسرائيلي ترتكب انتهاكات منظمة للقانون الدولي، بما في ذلك خمسة عقود من الاحتلال العسكري، نظرًا للدعم الذي تتلقاه من حلفائها الغربيين، خاصة الولايات المتحدة، وما زال الدرع الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري لإسرائيل أمرًا ضروريًا في قدرة الحكومة الإسرائيلية على الاستمرار في تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني.
يذكرنا وعد بلفور أيضًا أنه في مقابل إصرار إسرائيل اليوم على أن الصهيونية تعادل “حق اليهود في تقرير المصير”، فإن إنشاء دولة يهودية في فلسطين يتناقض بشكل مباشر مع مبدأ “حق تقرير المصير”.
وفي الوقت التي تم فيه إرسال خطاب بلفور، كان اليهود يشكلون حوالي 10% من سكان فلسطين (في أول مؤتمر للصهيونية عام 1897، كانت هذه النسبة 4% فقط)، وفي عام 1947، كان العرب الفلسطينيون يشكلون ثلثي السكان.
في عام 1919، بعد عامين من وعد بلفور، حذرت المنظمة الصهيونية في لندن من أن “الديموقراطية تعني حكم الأغلبية بغض النظر عن التنوع في أنماط ومراحل الحضارة والاختلافات النوعية”، “وإذا كنا سنقوم بتطبيق المفهوم الخام للديموقراطية الآن أو في مرحلة مبكرة في المستقبل بالنسبة للأوضاع الفلسطينية، فإن الغالبية التي ستحكم هي الأغلبية العربية، وستصبح مهمة إنشاء وتطوير دولة يهودية فلسطينية أكثر صعوبة بشكل كبير”.
وفي تعليقه على ذلك، قال المؤرخ الإسرائيلي توم سيغف “المشكلة في صميم الادعاء الصهيوني تبدو واضحة جدًا: فتحقيق الحلم الصهيوني يخالف مبادئ الديمقراطية”.
ومع ذلك، هل وعد بلفور هو ما تريد إسرائيل وأنصارها لفت الانتباه إليه؟ بالنسبة لي، أعتقد أنه ليس كذلك.
أصدقاء مكروهون
وفي النهاية يذكرنا وعد بلفور بأن الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي دائمًا ما تعتمد على أصدقاء مكروهين، فكما يقول المؤرخ جاسون توماس كان بلفور من المعجبين بالزوجة الثانية لريتشارد فاغنر “كوزيما فاغنر” – المعروف بمعاداته للسامية – وقال عنه حاييم وايزمان (أول رئيس للاحتلال الصهيوني) إنه كان يشاطرها الكثير من أفكارها المعادية للسامية.
وفي مناسبة أخرى يحكي توماس قائلاً: “كان بلفور يشتكي من العشاء الفخم لعائلة ساسون، حيث يصبح اليهود أغلبية بالفعل، ويقول لقد بدأت أتفهم وجهة نظر هؤلاء الذين يعترضون على هجرة الأجانب”.
وحتى مصطلح “الفيلوسامية” (يعني احترام الشعب اليهودي) كان مثيرًا للشبهة، فتصنيف الشعب اليهودي يحتوي على حصة كبيرة من رجال العالم المتميزين في العلم والفلسفة والأدب والفن والطب والسياسة والقانون.
في الواقع، كان العضو اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت إدوين صامويل مونتاجيو، معارضًا بحماس لوعد بلفور، وقد شرح أسباب ذلك في مذكرة لزملائه، ومن السخرية أن يتم شطب الزميل اليهودي الوحيد للورد بلفور في البرلمان، من احتفال إسرائيل بالمئوية.
وبالمثل، تحاول إسرائيل اليوم الحصول على دعم اليمين المسيحي، خاصة في الولايات المتحدة، كما تشعر إسرائيل بالامتنان لدور المحافظين في نشر الإسلاموفوبيا، واليمين المتطرف في أمريكا الشمالية وأوروبا، الذي يحاول تبرئة ماضيه وحاضره المتعصب بدعمه لإسرائيل.
من المرجح أن الحكومة البريطانية لن تقوم بالاعتذار عن وعد بلفور، لكن هذا الاحتفال يوفر فرصة جيدة لبعض الحقائق الداخلية المزعجة.
المصدر: ميدل إيست آي