بعد قطيعة 4 سنوات، قررت المعارضة الكويتية بمختلف أطيافها إسلامية وليبرالية وقومية، إنهاء مقاطعتها للانتخابات التشريعية، ليتقدم أكثر من 30 نائب من نواب المعارضة بأوراقه للمنافسة على 50 كرسي بمجلس الأمة، بعد أن ثبت أن خيار المقاطعة الذي انتهجته المعارضة – عقب إقرار قانون الصوت الانتخابي الواحد-، أضر بها كثيرا، وجعلها تتذيل المشهد السياسي في البلاد، حيث اكتشفت المعارضة أن المقاطعة لم تكن الخيار الصحيح، بل أن غيابهم تسبب في عزلتهم عن الشعب، وأثر سلبا في الدور الرقابي للمجلس والذي بدأ مع نشأته مع انتخابات 1961 من أجل المجلس الدستوري، الذي وضع مسودة للدستور والأساس لانتخابات عام 1963 التي جاءت بمجلس الأمة الأول، حيث أفرزت انتخابات 1963 معارضة قوية في الكتلة الوطنية التي واجهت سياسة الحكومة في عدد من المجالات، ومن يومها إلى الآن والطرفين يلعبان معا لعبة “القط والفأر” بالساحة السياسية الكويتية.
كتلة الأزمة
وكانت كل من الحركة الدستورية الإسلامية “حدس”، ممثل جماعة الإخوان المسلمين في الكويت وليدها 5 مقاعد، وتجمع ثوابت الأمة الإسلامي الذي يرفع شعار الوسطية وله 3 مقاعد، والتجمع السلفي 4 نواب، وحركة العمل الشعبي “حشد” الشيعية 5 مقاعد، و5 نواب مستقلين “إسلاميان، وليبرالي، وقبليان من العوازم”، قد قاطعت انتخابات 2012 و2013، احتجاجا على تعديل قانون الانتخاب بمرسوم أميري في اتجاه تخفيض عدد الأصوات التي يحق للناخب منحها للمرشح من أربعة أصوات إلى صوت واحد، وبعد حل مجلس الأمة في 2012، شكلت التيارات الأربعة، ما أسمته “كتلة الأغلبية”، التي تضم 22 نائبا من أصل 50 نائبا هم مجموع أعضاء مجلس الأمة، وقاطعت الانتخابات، قبل أن تقرر معظمها الآن وبعد مرور 4 سنوات العودة عن قرار المقاطعة، فيما عدا تمسك حركة “حشد” الشيعية، ورئيس المجلس الأسبق أحمد السعدون، والنائبان السابقان خالد السلطان وعبداللطيف العميري، بالمقاطعة.
اجتماع كتلة الأغلبية
عودة المؤزمين
عودة المعارضة – أو المؤزمين كما يحلوا لبعض الكويتيين أن يطلقوا عليهم – للمشاركة في انتخابات مجلس الأمة في السادس والعشرين من الشهر الجاري، تحمل بين طياتها آمال في تحقيق الأغلبية، على الرغم من الانقسامات الكبيرة التي تعصف بمكوّناتها، والتي ازدادت عمقا خلال الفترة الأخيرة في ظل حملة التخوين المتبادلة، هذه الآمال ترى أن المشاركة الحالية أصبحت ضرورية، من أجل الإصلاحات في الكويت ومواجهة الفساد وتعزيز الديمقراطية، بعد أن انحدرت الأوضاع السياسية وازدادت وتيرة الفساد، وفشلت الحكومة والبرلمان في معالجة القضايا الاقتصادية والأمنية المهمة – وفق ما يرى المرشحون المعارضون -.
إجراءات تقشفية
وتأتي الانتخابات المقبلة في لمجلس الأمة ، بعد لجوء أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى حل البرلمان في 16 أكتوبر الماضي، للمرة العاشرة في تاريخه على مدى 40 عاما، حيث سبق حله في سنوات 1976 و1986 و1990 و2006 و2008 و2009 و2011 و2012 و2013، وكانت هذه المرة بسبب الأزمة بين البرلمان والحكومة ، بشأن إجراءات تقشف، اتخذتها الحكومة رآها الأعضاء في غير محلها، حيث تعاني الكويت كباقي دول المنطقة من تداعيات تراجع أسعار النفط، الأمر الذي يجعلها مجبرة على اتخاذ حزمة إجراءات تقشفية لمواجهة عجز الموازنة العامة، ما دفع ببعض النواب للاحتجاج خصوصا على رفع أسعار المحروقات بين 40 إلى 80 %، الذي قررته الحكومة لمواجهة تراجع عائدات الخام، وطالب بعض النواب الحكومة بالتعويض للمواطنين الكويتيين، بعد أن سجلت الكويت عجزا في ميزانيتها بقيمة 4.6 مليارات دينار كويتي، في السنة المالية الأخيرة التي انتهت في 31 من مارس الماضي، بعد 16 عاما من الفائض في الميزانية بفضل ارتفاع أسعار النفط.
وفاق أم نفاق
المتتبع للحالة السياسية الكويتية يدرك أن عودة شخصيات إسلامية وليبرالية معروفة بشدة معارضتها للسياسات الحكومية إلى مجلس الأمة، ينهي جدلية الحالة الأخيرة من الوفاق المستغرب التي كان عليها الحال بين الحكومة والبرلمان المنحل أخيرا بمرسوم أميري، والذي اعتبر استثناء لجهة علاقته بالحكومة، قبل أن تطيح الإجراءات التقشفية بهذه العلاقة.
المعارضة بإحدى جلسات مجلس الأمة
بعض المدافعين عن تلك العودة للانتخابات من جديد، يرى أن الكويت تعيش حالة دستورية استثنائية بعيدا عن سياسة الغالب والمغلوب، فالتوازن في تبني مواقف المعارضة لا يعني بكل الأحوال التطاول أو تجاوز حدود النقد العام، كما أن التوافق بين أعضاء مجلس الأمة والحكومة في بعض المواقف، لا يعني مداهنة ونفاق للسلطة الحاكمة، ما يعني أن انضمام كتلة المعارضة للانتخابات القادمة ينذر بانتخابات لن تكون كسابقتها، والمؤشرات تدل على أنها ستكون حامية جدا وسط حشد كل فريق لكل قواه للفوز والعودة إلى البرلمان، الذي سيكون برلمانا قويا تنافسيا متأزما في سلطاته وقراراته، لكنه في النهاية يصب لصالح المواطن الكويتي، كما أن يمثل عودة لكتلة المعارضة للصواب وممارسة العمل الديمقراطي والمعارضة وفق الأسس الدستورية وفي مكانها السليم داخل المجلس وليس بطرقات الشوارع، خصوصا وأن الكويت بوضعها الراهن تبحث عن الاستقرار والتنمية والاقتصاد وحل القضايا المختلفة قبل أن تبحث عن التأزيم، لأن الوطن فوق أي خلاف.
النائب صالح عاشور خلال إحدى الجلسات
مزبلة التاريخ
في المقابل يرى بعض الرافضين لتلك العودة أن الكتل الإسلامية والليبرالية والشيعية الرافضة لقانون الصوت الواحد، غلبت مصالحها فوق مبادئها، وغيروا جلدهم بسبب تضرر مصالحهم وفقدانهم للشهرة والأضواء، وباتوا يبررون لمن غرروا بهم بأن رسالة عدم المشاركة في السابق وصلت وحققت أهدافها، وهو التبرير الذي رفضه الكثير من مؤيديهم قبل معارضيهم، حتى أن
النائب السابق صالح عاشور، قد وصف قرار العودة بالتنازل عن المبدأ، مذكرًا العائدين بتصريحاتهم ومواقفهم السابقة، وانتقادهم لمن شارك في مجلس الصوت الواحد.
وقال عاشور عبر حسابه على تويتر “من وصف المشاركين بمجلس الصوت الواحد بدخولهم لمزبلة التاريخ، بدأ يعد العدة للدخول في نفس المجلس ونفس نظام التصويت رغمًا عن أنفه”.
وطالب في تغريدة تالية “بعد قرارهم المشاركة على المقاطعين الاعتذار من المسجونين وأهاليهم وعلى رأسهم مسلم البراك لأنهم خذلوهم وتبين أنه لا مبدأ لهم”.
الخلاصة
بعيدا عن رافضي عودة الكتل المعارضة لانتخابات مجلس الأمة أو مؤيديها، إلا أن ملامح المجلس المقبل في نهاية نوفمبر الجاري بدت ظاهرة للعيان، قياسا على فكرة الحل التوافقي للمجلس السابق بين رئيسي مجلس الأمة والوزراء، وهي بالطبع لن تخرج عن فوز المهندس مرزوق الغانم برئاسة المجلس باكتساح، ما يعني تحديد هوية الوزارة القادمة التي قد يترأسها الشيخ جابر المبارك في منصب رئيس الوزراء.
وبعيدا عن فكرة رئاسة المجلس والحكومة فإن الحالة التشاورية والتنسيق للمجلس المقبل بين الكتل السياسية والمعارضة، أبرزت ملامح المجلس المقبل بعد إصرار المنبر الديمقراطي على المقاطعة، ورفض كتلة العمل الوطني ترشح أحد تحت اسمها، ومن ترشح منها كان مستقلاً، فيما مالت التيارات الإسلامية السنية والشيعية للفردية كغيرها، والحركة الدستورية رشحت أربعة من النواب السابقين، أما التجمع الإسلامي السلفي، فقد استمر قسم منه على المقاطعة، والقسم الآخر لم يجد من يرشحه إلا اثنين، وهو ما يعني أن مجلس الأمة المقبل سيخلو تماما من أي كتل سياسية كبيرة متضامنة، أو أي تنسيق بين أكثر من كتلة، وسيسيطر العمل الفردي على أداء النواب، خصوصاً أن عودة المقاطعين ستخلق نوعاً من الخصومة والتحدي بينهم وبين النواب.