أين تقف روسيا من الأزمة اليمنية، وأين تكمن مصالحها في اليمن؟ فهي على النقيض تماماً كما يبدو مع ما يراه التحالف العربي، وإن بدت مواقف موسكو مواربة، وتحمل الكثير من الألغاز والأحجية وهي صامتة أحياناً، ولها صخب خاص في أروقة المجلس المتحكم بمصير مليارات من البشر، ومنهم اليمنيون.. فمواقفها هناك تبدو منحازة لطرفي الانقلاب في صنعاء، وربما يدور مع رغبات إيران في المنطقة. تحاول المملكة العربية السعودية تجنب الموقف الروسي إما بصفقات أسلحة أو في مجال الطاقة، أو الاقتصاد الروسي المنهك نوعاً ما.
خبراء تحدثوا لـ”مُسند للأنباء” يرون في الموقف الروسي في مجلس الأمن من توسع بوتين في الشرق الأوسط، فروسيا حسب تصورهم ترسل رسالة للمملكة العربية السعودية مفادها بأن أي هجمات سعودية في اليمن قد تثير امتعاض الكرملين، الذي أصبح قوة عسكرية مهيمنة بشكل متزايد في المنطقة خصوصاًً مع الوجود العسكري في سوريا وإيران وربما قريباًً في تركيا واليمن.
فما حصل في الموقف الروسي باليمن (أغسطس/آب) جاء بعد خمسة أيام من انضمام الصين للحرب السورية معلناً انها ستقدم المساعدات والتدريبات العسكرية لنظام بشار الأسد. وهذا يعتبر انحيازا إلى جانب رؤية روسيا في مستقبل سوريا وربما المنطقة باسرها.
حظر جوي
وهو الموضوع الذي أثير مؤخراً على الرغم من مدة الحرب التي تقارب العامين، ففي أكتوبر/تشرين الأول طالب السفير الروسي فيتالي تشوركين، بأن يتم فرض حظر جوي في اليمن كما فعلت القوى الغربية بمشروع قرار مماثل بشأن سوريا
وقال تشوركين في تصريح تابعه “مُسند للأنباء”: “إذا كانوا مؤيدين بشدة لمنطقة حظر جوي كطريقة للحد من سقوط ضحايا مدنيين، فعليهم القيام بذلك. فقد شهدنا قصفا متكررا للمدنيين في صنعاء ورأينا قصف مواقع لليونسكو، ونعلم أن بريطانيا وأمريكا يدعمان جهود التحالف بقوة، ويبيعانه أسلحة ثمينة جدا وذات دقة عالية، ويقولان إنهما يتشاطران المعلومات مع التحالف ويساعدانه في تحديد الأهداف– والآن هذا الوضع الشنيع حيث اعترفوا أخيرا بأنهم فعلوها وقصفوا مجلس العزاء لاحتمال وجود كبار الساسة فيه– إذا كانوا مؤيدين بشدة لهذه الفكرة، وإذا لم يكونوا منافقين كما كانوا في مناسبات عديدة في السابق، فأنا أود أن أتوقع منهم إدخال بند “منطقة حظر جوي” فيما يتعلق بصنعاء.”
قرع أجراس
وفي نفس الشهر قال بوتين في حديث نقلته الصحف الإيرانية واطلع عليه “مُسند للأنباء” إن الأجراس في الغرب تقرع من أجل “حلب” لكن لماذا لا تقرع مثلها في اليمن.
وما يؤكد أن روسيا تذهب-على الأقل في المرحلة الحالية- نحو ممارسة ضغوط أكبر في مجلس الأمن على السعودية، وليس دعماً للحوثيين وصالح، فقد رفضت تسليم الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” مبالغ مالية تمت طباعتها في أوقات سابقة.بعد أن طلبوا من روسيا تسليمهم 10 مليارات ريال (40.000.000$) كان قد تم طباعتها في وقت سابق بطلب من حكومة “علي مجور” حينها انتهت فترة حكومته عام (2011م)، ولم يتم تسليمها إلى اليمن، بسبب الأوضاع التي دخلت فيها البلاد من توتر سياسي واقتصادي وأمني.
واشترطت موسكو من أجل ذلك وجود إذن من الحكومة الشرعية في الرياض من أجل تحويلها للمبلغ إلى البنك المركزي اليمني في صنعاء، أو تسليمها بالطريقة التي تراها الحكومة والرئاسة الشرعيتين.
ومنذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء، لم يتمكنوا من إقناع روسيا بسلطتهم المسلحة في اليمن، وانتابتهم خيبة أمل إزاء الموقف الروسي الذي كانوا يعولوا على تجاوبه معهم في هذا الخصوص، وهو ما يضع الانقلابيين في عزلة دولية جديدة”.
التوافق الروسي-الأمريكي في اليمن
يوم 25 أغسطس/آب أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، من الرياض، عن خارطة طريق لحل الأزمة اليمنية، تسحب السلاح من الحوثيين إلى طرف ثالث، وتشكل حكومة وحدة وطنية، في اليوم التالي ألتقى كيري بسرجي لافروف وزير الخارجية الروسي وبحثا اتفاقاً للحل في سوريا، بعد يوم من مبادرة للحل في اليمن؛ وحسب كيري فإن هناك اشبه باتفاق بشأن سوريا مع الروس لكن يحتاج إلى المزيد من المراجعة والدراسة، ودائماً ما أظهرت الولايات المتحدة تراخياً في اليمن لصالح الروس في وقت لم يكن الروس يكترثون كثيراً لهذا السلام في اليمن، طالما أنه لن يكسبهم تنازلاً في سوريا أو أوكرانيا.
تحدث مصدر دبلوماسي بالأمم المتحدة لـ”مسند للأنباء” أن هناك شبه توافق غير معلن بين واشنطن وموسكو لإصدار قرار حول الوضع الإنساني في اليمن يشدد على ضرورة تأمين وصول المساعدات للمحتاجين يحمل أداة ضغط لتنفيذه وينص على وقف فوري للأعمال القتالية.
دعم خارطة ولد الشيخ
فرضت روسيا ضغطاً في قرار بريطاني يجري مناقشته فعلاً من أجل قرار يعطي صلاحيات تعمل على تجميد القرار (2216)، الكلام للمصدر الدبلوماسي، هذا القرار سيعلن وقف الحرب ودعم خارطة الطريق التي قدمها إسماعيل ولد الشيخ، وهي ذاتها التي أعلن عنها جون كيري، والتي تشير إلى إجراءات سياسية انتقالية تشمل مؤسسة الرئاسة بما في ذلك تعيين نائب رئيس جديد وتشكيل حكومة وفاق وطني لقيادة المرحلة الانتقالية والإشراف على استئناف الحوار السياسي وإكمال المسار الدستوري ومن ثم إجراء الانتخابات. وإنشاء لجان عسكرية وأمنية تشرف على الانسحابات وتسليم الأسلحة في صنعاء والحديدة وتعز، كما ستعنى هذه اللجان بمهمة ضمان إنهاء العنف العسكري والإشراف على سلامة وأمن المواطنين ومؤسسات الدولة، هذه اللجان ستكون حيادية وتسلم الأسلحة لطرف ثالث.
أظهرت موسكو اهتماماً بالمشاورات اليمنية وتدعو بشكل متكرر إلى ضرورة الحل السياسي في البلاد، ولفت تحليل نشره ستراتفور إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا في اليمن، واحتمالية استقبالها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بهدف نزع فتيل التوترات بين مختلف الفصائل المعنية في اليمن. علاوة على أن صالح يمثل كنزًا معلوماتيًا حول ديناميكيات الشرق الأوسط، وهو ما يمكن أن تراه موسكو لا يقدر بثمن.
أضاف التحليل: “مثل الأزمة السورية، تعتبر حرب اليمن ساحة صراعٍ تصطدم فيها المصالح الإيرانية والسعودية، ويمكن أن تكون روسيا وسيطًا في الحل. وبشكل عام، فإن الانخراط في صراعات من هذا الطراز يمنح روسيا نفوذًا في البلاد.
ولأن روسيا ليس لديها مصلحة حقيقية في ساحة السياسة اليمنية أو الاتجاه المستقبلي في البلاد؛ يمكن أن تستغل موسكو التواصل الذي سيحدث مع السعودية بشأن اليمن، لتوجيه رياح المفاوضات السورية إلى حيث يشتهي الكرملين.
ويقول ستراتفور: “يمثل الصراع في اليمن رقعة شطرنج تتبارى فوقها القوى العالمية. وبالنسبة لروسيا، فإن امتلاكها قطعةً على الرقعة يمكن أن يكون وسيلة أخرى لتشكيل ديناميكيات المنطقة”.
علاوة على المنهج الروسي الحاسم مع تذبذب إدارة الرئيس بارك أوباما إلا إن الأنظار تتجه نحو الإدارة الجديدة في انتخابات الرئاسة الأمريكية (نوفمبر/تشرين الأول) وفي حال فاز دونالد ترامب فإن العلاقات ستتجه أكثر قوة مع موسكو والتخلي عن حلفاء الولايات المتحدة القدامى، وعكس ذلك ستكون العلاقة بين الدولتين في حال فازت هيلاري كلينتون، فتصريحات مستشاروها تشير إلى مواجهة أكبر لإيران في البحر الأحمر حيث تعرضت سفينة أمريكية للقصف ثلاث مرات من قبل صواريخ للحوثيين يعتقد أنها إيرانية.
استهداف السفن الأمريكية ورد واشنطن بتدمير رادارات للحوثيين على طول الساحل الغربي للبلاد كان مصدراً لدعوات الحوثيين وصالح بالتعجيل بالتدخل الروسي لمواجهة ما أسموه عدواناً أمريكياً، لكنه كان أكثر هدوءً في موسكو رغم خطورته إلا أن المسؤولين الروس قرروا عدم التعليق عليه.
صحيفة “lenta” الروسية، كتبت تحليلاً طويلاً حول ذلك، وتابعه “مُسند للأنباء” قالت فيه إن اللعبة الجيوسياسية في اليمن تنتقل إلى نهاية غير متوقعة بعد قصف الولايات المتحدة رادارات للحوثيين فيما لم يحدث ذلك في سوريا حيث يلتفت أنظار العالم أجمع إليها. تعتقد الصحيفة إن وجود خلافات داخل التحالف العربي يعمق الأزمة اليمنية ولا يعطي انطباعاً بمؤشر جيد لنهاية الحرب كما يضع نهاية غير متوقعة بنشاط انفصال الجنوب، إلى جانب تمدد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
زنقلت صحيفة (الغارديان) نسختها الناطقة بالإسبانية في تحليل لها حمل عنوان “لماذا يستعد الصراع اليمني ليصبح سوريا أخرى“، وقالت إنه كما “هو الحال في سوريا، فضلت إدارة أوباما نهج عدم التدخل، مفضلا العمل من خلال وكلاء بدلا من الانخراط مباشرة. وينبع هذا الخجل من خوف باراك أوباما من انجرار الولايات المتحدة إلى المزيد من الحروب في الشرق الأوسط. بل هو أيضا نتيجة ثانوية لمحاولته المثيرة للجدل لرأب الصدع مع إيران من خلال اتفاق نووي تاريخي في العام الماضي”.
السؤال.. هل هناك تدخل عسكري روسي في الشأن اليمني؟!
يحاول فريق “مُسند للأنباء” الإجابة عن هذا السؤال فإن الوضع مرتبط بسوريا إذا ما حصل هناك تغير جوهري، بمعنى انهيار نظام الأسد فجأة أو تدخل عسكري سعودي وقطري وتركي في سوريا فإن موسكو ستتدخل في اليمن وستعتمد على تبريرها بدعوة من “مجلس سياسي صالح والحوثي” وأعضاء فريق صالح في البرلمان ولذلك تم إعادته للعمل بعد أن جمده الإعلان الدستوري.
عدا ذلك فإن احتمالات تدخل روسيا في اليمن ضئيلة، فلا يمكن من تضحية موسكو بعلاقتها مع الرياض وواشنطن من أجل تدخل في اليمن قد لا يعنيها بشكل محوري.
قد تقبل موسكو بتقديم اللجوء السياسي لـ”علي عبدالله صالح”-لأسباب مذكورة آنفاً- إذا ما قدمت السعودية والولايات المتحدة التنازلات المطلوبة لبقاء روسيا مهيمنة في سوريا.
وحتى يحدث ذلك أو يتم التوافق في اليمن على حل سياسي ستظل روسيا تضع مسمار “محاربة تنظيم الدولة” والتنظيمات الإرهابية مسماراً يزعزع علاقات السعودية الخارجية وتتدخل لوقف أي قرار يدعم السلطة الشرعية والتحالف العربي، وتساعد من أجل تمكين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق.
الدوافع الروسية
الأكاديمي الكويتي الدكتور ظافر العجمي تحدث حول الدوافع الروسية وحضورها الطاغي في سوريا مغر لدخول الساحات الإقليمية المشتعلة، ودخول الأزمة اليمنية سيخفف الضغط الذي تعانيه من أطراف مدعومة خليجيا في سوريا.
وقال ظافر إن التدخل سيكون بدوافع إيرانية، فطهران تصنع مناطق مصالح لموسكو التي بدورها تقدم خدماتها لطهران في ميادين أخرى وأشار إلى أنه كلما اتسعت نافذة فرصة روسيا في اليمن بصمود الانقلابيين وتردد أوباما العسكري وانشغال واشنطن بالانتخابات وشلل أوروبا من الإرهاب، بل إن الجميع تخلى عن جوهر المشكلة وتفرغ لحساباته ومصالحه ومنهم موسكو.
ويرى ظافر أن التدخل في اليمن هو ممارسة أصيلة لروسيا كدولة عظمى وعضو دائم بمجلس الأمن ما يفرض عليها موقفا من كل حدث، فبالورقة اليمنية ستحصل موسكو على تنازلات في سوريا وأوكرانيا وليبيا حيث صارت حساباتها مترابطة مع حسم معركة صنعاء.
فلروسيا حسب قول ظافر في قضايا الخليج لها أدوار متبادلة يصعب فرزها، وفي هذه الأحجية يجدر بالخليجيين جميعا البحث في هذه الكومة عن مقايضة ملف بملف، وضغط مقابل صفقة سلاح، أو في مجال الطاقة أو الاقتصاد، فإن لم تنتصر الرياض في اليمن فسينهزم الخليج كله.
المصدر: مسند للأنباء