لم يحظ مؤتمر العين السخنة رقم 2 بالاهتمام نفسه الذي حظي به مؤتمر العين السخنة رقم 1، حتى على مستوى الشارع الفلسطيني، الذي فقد اهتمامه بمعرفة من شارك في المؤتمر، ومن امتنع عن السفر، لا سيما وأن معبر رفح الذي فتح للمسافرين في أثناء انعقاد مؤتمر العين السخنة رقم 1، وأثار موجة من الفرح بالانفراج القادم، لم يفتح بواباته للمواطن العادي هذه المرة، ليقتصر السفر عبر المعبر على عدد 33 شخصًا يشاركون في أعمال المؤتمر.
حين دعت مصر إلى عقد المؤتمر الاول في العين السخنة كانت تهدف إلى الضغط على عباس لقبول المصالحة مع دحلان، وكانت تطمح إلى تأجيل الدعوة لعقد مؤتمر حركة فتح السابع، والذي يجدر أن يطلق عليه اسم “مؤتمر التخلص من دحلان ورجاله”.
معبر رفح المغلق
لقد تحدى محمود عباس مصر العربية بكل صلفٍ ودهاء، وأعلن بلسان رجاله عن رفض مؤتمر العين السخنة 1، ولوح بمعاقبة كل مشارك بالمؤتمر، بل حدد عباس آخر الشهر الحالي موعدًا لعقد المؤتمر السابع لحركة فتح، في رسالة تأكيد لمصر ولغيرها من الدول العربية بأنه أكبر من الضغوط، فهو يرقد في الحضن الآمن، وهو خارج دائرة التأثر بالقرارات المصرية مهما كانت، ولا يهمه كثيرًا إن خففت مصر الحصار عن غزة أو ضيقته، ولا يشجيه إن أغلقت مصر معبر رفح أو فتحته، فالأمر يخص غزة وسكانها الذين لا مكانة لهم في اهتمام محمود عباس، إضافة إلى رغبة عباس في رؤية غزة وقد صارت بؤرة نزاع داخلي بين نفوذ حركة حماس القائم على الأرض، ونفوذ محمد دحلان الزاحف من خلال الدعم المصري.
وقبل أن تبدأ جلسات مؤتمر العين السخنة رقم 2، جاء قرار المحكمة الدستورية الذي منح عباس صلاحية رفع الحصانة عن أعضاء المجلس التشريعي، في رسالة استباقية لمنظمي مؤتمر العين السخنة 2، ولمن يقف خلفهم من القيادة المصرية، حيث سيحرص عباس على صدور الحكم العاجل بحق النائب محمد دحلان قبل البدء بأعمال المؤتمر السابع، مستندًا على رجاله المدجنين داخل حركة فتح، ومعتمدًا على رجاله المدججين بسلاح التعاون الأمني مع الإسرائيليين، والمكفولين بأكثر من مئة مليون شيكل شهريًا من الضرائب التي تجبيها إسرائيل.
فماذا بمقدور مصر أن تفعل، وهي المشغولة بحالها، والمنشغلة بهمومها، ولا تملك أي وسيلة ضغط على محمود عباس؟ وكيف ستتمكن مصر من دعم صديقها محمد دحلان في الضفة الغربية بالتحديد، وهي التي تعاني الإفلاس والإحباط والانقسام والترقب لما يحمله يوم الجمعة تاريخ 11/11 من أحداث قد تشهدها مصر.
لقد قرأ محمود عباس الواقع العربي جيدًا، وأدرك أنه الأقوى، والأقدر على تحدي قرار الرباعية الممزق، لا سيما أنه نجح في تعميق الولاءات داخل حركة فتح وفق المصالح الشخصية لا وفق المصلحة العامة، وهذا ما سيمكنه من تعزيز قبضته على مقررات مؤتمر حركة فتح السابع، ليخرج أكثر تسلطًا على القرار الوطني الفلسطيني، وأكثر مراوغة في عدم اتخاذ أي موقف من الاحتلال الإسرائيلي ومن التوسع الاستيطاني.
لقد أدرك عباس من خلال موقعه الرئاسي في رام الله بأنه أقوى من مصر، وأن المحروسة قد فقدت قوة حضورها الجغرافي، وفقدت قوة تأثيرها السياسي، لذلك تمرد محمود عباس، وراح يناور وهو ينتظر الراية المصرية البيضاء، تلوح له بدعوة خاصة لزيارة القاهرة.