يقول أحد الفلاسفة “قلب المرأة لؤلؤة تحتاج إلى صياد ماهر”، فكيف إذا حولت الظروف تلك اللؤلؤة إلى قالب حديدي يمتلك أعلى درجات المهارة والكفاءة في اصطياد أعدائه، ولا يهتز كثيرًا أمام مرأى الدم المندفع من الهدف الذي صوب سلاحه تجاهه.
المتتبع للتاريخ يجد أن دور المرأة – آنذاك – في أثناء الحروب لم يزد على أعمال التمريض، والوقوف بالصفوف الخلفية للجيوش، إلا أن مظاهر العنف الواقعة الآن على النساء – خاصة الجسدي – قد غيّرت من طبيعتها التي تتسم بالقوة العقلية والنفسية أكثر من الجسدية، ودفعتها إلى حمل السلاح، والنزوح إلى ساحة القتال.
من أشهر النساء اللاتي أتقن مهارات القتال القناصة “لودميلا بافلتشينكو” ذات الأصل السوفييتي، والتي ذاع صيتها في أثناء الحرب العالمية الثانية، ورغم أن عملها الأساسي كان بمطحنة دقيق، ودراستها – آنذاك – كانت التاريخ، فإنها قررت الانضمام لصفوف الجيش الأحمر عندما بدأ أدولف هتلر تنفيذ خطته لغزو الاتحاد السوفييتي، ونجحت في قنص ما يفوق 267 جنديًا ألمانيًا.
لودميلا بافلتشينكو
وعلى خُطاها نرى الآن القناصة الفلسطينية “غيفارا” التي طالما رأيناها، وهي ترتدي ملابس الجيش السوري الحر، وتمسك بيدها أسلحة القنص، والغريب أن “غيفارا” لم تكن يومًا محاربة، بل ألجأتها دوافع الانتقام إلى الانضمام لساحة المعركة بعد أن دمرت قوات نظام الأسد بيتها وقتلت أطفالها، فتركت عملها كمعلمة للغة الإنجليزية، والتحقت بحركة “كفا”، وكان معلمها الأول هو زوجها القيادي بإحدى كتائب الجيش الحر، وقد تلقت منه “غيفارا” دروسًا في فنون القنص.
غيفارا قناص الجيش الحر
“غيفارا” ليست العنصر اللطيف الوحيد بالجيش الحر، إذ حملت العديد من السوريات الأسلحة و”الأر. بي. جي”، دفاعًا عن أنفسهن من عمليات الاغتصاب التي يتعرضن إليها من قِبل قوات الأسد، حتى إن مجموعة من نساء حمص قد شكلن كتيبة تحت اسم” بنات الوليد” كأول تنظيم نسائي مسلّح.
وعلى الجبهة المقابلة للقتال فقد عوّضت قوات الأسد النزيف البشري الذي تعاني منه بسبب الانشقاقات، وسقوط عدد كبير منهم بين القتلى والجرحى، بفتح باب التدريب للنساء، وذلك بعد أن لجأت إلى الروسيات المرتزقات في وقت سابق.
وتم تطوع النساء الراغبات في الانضمام للجيش عن طريق التسجيل في مراكز اتحاد شبيبة الثورة التابع لحزب البعث (الحزب الحاكم في سوريا) مقابل راتب شهري يُقدر بـ30 ألف ليرة سورية، على أن تكون المتطوعة قد أتمت عامها الثامن عشر، ثم تخضع بعد ذلك لمعسكر تدريبي قصير في معسكر كتائب البعث بريف دمشق.
“لبؤات الدفاع الوطني” هو الاسم الذي اختارته أول وحدة عسكرية داخل الجيش النظامي بسوريا، ويضم 500 مقاتلة تتراوح أعمارهن بين 18 و50 عامًا، وتتسلح عضوات الوحدة ببنادق الكلاشينكوف، وترتدين البزة العسكرية، وتقسمن على الولاء للرئيس السوري بشار الأسد.
لبؤات الدفاع الوطني
أما أفعال “داعش” الإجرامية فقد دفعت الكثير من بنات حواء إلى رفع السلاح دفاعًا عن أنفسهن من الاغتصاب، أو البيع في أسواق النخاسة التي انتهت في العالم بأسره منذ عقود، حتى طلت علينا تلك الجماعة بأفكارها البربرية لتعيد نظامًا محاه الزمن.
مقاتلات “داعش” كثرٌ، وعلى رأسهن الكرديات، أو ما يُطلق عليهن “البشمركة الناعمة”، والمقاتلات الكرديات السوريات هن عضوات “وحدات حماية المرأة” التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، وقد أهالهن ما حدث للأزيديات اللائي وقعن في يد “داعش” من خطف، وقتل واغتصاب وإجبار على الزواج من المقاتلين، فقررن أن يشكلن جبهة قتال لمواجهة شبح الوقوع في أيدي رجال التنظيم، فأسسن وحدات حماية المرأة، التي وصل عدد المقاتلات بها الآن إلى الآلاف، وكلُّهن من المتطوعات، أي لا يتقاضين أي أجر مادي، وأنشأن مراكز تدريب خاصة بالفتيات ليتعلمن بها طرق استعمال أنواع الأسلحة المختلفة، بالإضافة إلى الإعداد البدني والنفسي.
مقاتلات كرديات
عدم الوقوع في أسر التنظيم هو الهدف الأكبر للكرديات، حتى إنهن يقتلن أنفسهن إذا تيقن أن رجال داعش قد أحكموا سيطرتهم عليهن، مثال على ذلك “جيلان أوزالب” التي وقعت مع مجموعة من صديقاتها في كمين لداعش بمدينة كوباني، وظلت المجموعة تقاتل حتى ماتت كلها، وبقيت “جيلان” على قيد الحياة وحيدة، فأطلقت الرصاص على نفسها لتُنهي حياتها بيدها قبل أن ينهيها التنظيم.
الكرديات في مواجهة داعش
وبعيدًا عن أجواء الحروب، تجبر بعض الجيوش فتياتها على أداء الخدمة العسكرية عملاً بمبدأ المساواة بين الجنسين الذي طالما نادت به المرأة.
– جيش الاحتلال من الجيوش التي تفرض على البنات التجنيد الإلزامي، ويضم عددًا كبيرًا من النساء سواء كمجندات، أو كضباط، وتقوم فيه المرأة بكل أعمال القتال، وتكون في الصفوف الأمامية مثلها مثل الرجل دون تفرقة.
– الجيش البريطاني، سمح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مؤخرًا للمجندات بالمشاركة في الخطوط الأمامية للقتال اعتبارًا من 2016، ونقلت عنه صحيفة صنداي تلغراف قوله: “وزير الدفاع مايكل فالون وأنا، متفقان على فتح جميع المراكز في قواتنا المسلحة أمام النساء في 2016”.
– الجيش الأمريكي، المرأة الأمريكية شريك أساسي في أي عمل قتالي لجيش بلاد العم سام، ولها دور واضح في كل نزاع رئيس خاضته القوات المسلحة الأمريكية في أثناء القرن العشرين، فبعد انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام عام 1973 وانتهاء الخدمة الإجبارية للرجل صار كل أفراد الجيش الأمريكي من المتطوعين، وتنفيذًا لمبدأ إتاحة الفرص للجميع فتحت القوات المسلحة أبوابها للنساء، حتى صرن يشكلن نحو 11% من مجموع القوات المسلحة، وتستطيع المجندة الأمريكية الخدمة في السفن الحربية، أو قيادة الطائرات المقاتلة.
كما تلتحق النساء بالجيش في الكثير من البلاد منها الصين وكندا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا، وتعد السويد ثاني أكبر دولة في عدد التجنيد الإجباري للفتيات.
– باكستان، الدولة الإسلامية الوحيدة التي تجند الفتيات بشكل إجباري، وفي عام 2006 شاركات المجندات للمرة الأولى في القتال الجوي، ورغم أن المجندات يتم تدريبهن في مهام قتالية فإنهن يظللن بعيدًا عن الخدمة البحرية.
ولكن رغم كل تلك الظروف القهرية تظل المقاتلات على الفطرة التي خلق الله عليها النساء في حب الجمال، فقد نجد إحداهن تحمل في يدها السلاح ولم تنس أن تزين وجهها ببعض مساحيق التجميل، أو نجد مجموعة منهن تتسابق على التقاط صورة سيلفي كأنهن مدعوات إلى حفل زفاف صديقتهن المقربة.