ترجمة وتحرير نون بوست
يرفع حلفاء أمريكا من دول الخليج العربي شعارات، ويفعلون نقيضها، في الوقت الذي يحاولون فيه القضاء على العنف الإيراني في المنطقة والإرهاب بالوكالة الذي تدعمه طهران، يسمحون للرحلات الجوية التابعة لشركة “سوريا للطيران” بالعمل على أراضيهم.
يواصل جميع حلفاء أمريكا من دول الخليج – باستثناء سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية – استضافة طائرات “مؤسسة الطيران العربية السورية”، والتي تندرج ضمن قائمة الولايات المتحدة لمواجهة الإرهاب، بسبب نقلها الإمدادات العسكرية والعناصر المقاتلة من إيران إلى سوريا، كما تميزت دبي بقصر النظر بخصوص هذا الموضوع، فهي تستضيف طائرات شركة ماهان للطيران بشكل علني، هذه الشركة التي لديها سجل حافل بالانتهاكات في المنطقة.
لحكام الخليج العربي عدد كافٍ من الأسباب التي تجعلهم محبطين من سياسة رئيس أمريكا باراك أوباما تجاه سوريا وإيران، فهما بالنسبة لهم دولتان يسهل استيعابهما والسيطرة عليهما، قد يكون لانتقاداتهم وزنًا أكبر إذا أوقفوا التعامل مع ماهان للطيران ومؤسسة الطيران العربية السورية، التي تعرف “بالسورية”.
ولكن حتى القيام بهذا، فهم يضيّعون على أنفسهم فرصة حماية كامل أنظمتهم المالية، ويدعمون النظام الدموي لبشار الأسد ويحثّون الولايات المتحدة على اتخاذ موقف الدفاع ضد قوات الحرس الثوري الإيراني.
فرضت وزارة المالية الأمريكية، في مايو/ أيار سنة 2013، عقوبات بحق “السورية”، بسبب توفيرها منصة جوية لنقل قوات فيلق قدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وبسبب نقلها أسلحة محظورة وذخيرة للنظام السوري الديكتاتوري، نجد من بين هذه الأسلحة مدافع الهاون وأسلحة صغيرة وصواريخ ومدافع خفيفة مضادة للطائرات، وقد شحنت هذه الأسلحة بدعم من حزب الله، وكيل إيران في لبنان واللاعب الأساسي في الحرب السورية.
على الرغم من هذه العقوبات سُمح “للسورية” بالسفر لعدة دول خليجية، على غرار العراق حليف إيران، وأيضًا باتجاه البحرين والكويت وقطر وأبرز الإمارات في دولة الإمارات العربية المتحدة وهي أبو ظبي ودبي والشارقة، كل هذا فقط خلال هذا الشهر.
مجرد السماح “للسورية” بالهبوط على أراضيهم يقوّض سياسات حكومات هذه الدول ضد إيران وسوريا، ففي مارس/ آذار، أعلن مجلس التحالف الخليجي قراره بحظر حزب الله واعتباره مجموعة إرهابية، وخلال خطابه في اجتماع الأمم المتحدة 2016، وصف وزير خارجية الإمارات، إيران بداعمة الإرهاب وندد بما يقوم به وكلاؤها في الشرق الأوسط ودورهم في الأزمة السورية.
في مايو/ أيار، صدرت تقارير رسمية بها تعليمات للمؤسسات المالية المحلية في الكويت، تنص على عدم التعامل مع أي كيان مذكور ضمن قائمة الولايات المتحدة لمقاومة الإرهاب، في إشارة مباشرة إلى حزب الله وإيران، غير أن دول الخليج لم تسلم من وجود بعض العناصر المتورطة في نشاطات إرهابية لصالح حزب الله أو الحرس الثوري الإيراني.
في الكويت مثلاً، قبض على خلية العام الماضي بحوزتها 42 رطلاً من الذخيرة و317 رطلاً من المتفجرات و68 مسدسًا و204 رمانة متفجرة، كما طردت البحرين دبلوماسيًا إيرانيًا، بعد أن فككت السلطات خلية كان بحوزتها 1.5 طن من المتفجرات واكتشف أن لها “صلة قوية بالحرس الثوري الإيراني وبحزب الله”، كما أكد المدعي العام الإماراتي في أبريل/ نيسان، أن الحرس الثوري الإيراني قام بتفعيل خلية نائمة تابعة لحزب الله سنة 2013، وقد أدينت عديد من الكيانات خلال الأشهر القليلة الماضية في الإمارات باتهامات مماثلة تتعلق بارتباطهم بحزب الله والحرس الثوري.
من الملاحظ أن من بين الطائرات التي تستضيفها دبي والكويت كانت طائرات مستأجرة من قِبل مؤسسة الطيران العربية السورية، وتعود ملكيتها إلى شركة طيران معاقبة هي الأخرى وهي شركة ماهان للطيران.
في ليلة يوم 4 أغسطس/ آب، هبطت طائرة إيرباص (مسجلة تحت: إي بي- إم إن إم) في دمشق، في واحدة من بين الرحلات التي تؤمنها بشكل أسبوعي ماهان للعاصمة السورية، ولكن هذه الرحلة كانت مختلفة، فبدل أن تعود لطهران تحت ظلمة الليل كما فعلت سابقًا، تم إخضاع الطائرة لبعض التعديلات وحولت لتعمل لصالح السورية.
عادت الطائرة للنشاط بعد 9 أيام في رحلات بين دبي ودمشق، يوم 13 أغسطس/ آب، بين هذا التاريخ ويوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول حلقت هذه الطائرة 30 مرة إلى دبي و20 مرة إلى مدينة الكويت، بالإضافة إلى توجهها للسودان والعراق، كما سمحت الإمارات لشركة ماهان بالعمل في رحلتين يوميًا من وإلى دبي، على الرغم من أن الحقائق الدامغة تؤكد أن الانتهاكات التي تورطت فيها هذه الشركة تفوق بكثير التهم الموجهة “للسورية”.
ما زالت شركة ماهان تحت العقوبات الأمريكية منذ سنة 2011، تمامًا كمثيلتها السورية وذلك بسبب تورطهما في تسهيل وشحن المقاتلين والسلاح لصالح فيلق القدس في سوريا بالإضافة إلى نقل الأشخاص والعتاد والبضاعة لصالح حزب الله، كما أعلنت الولايات المتحدة أن ماهان غطت عمليات نقل ضباط من فيلق القدس من وإلى العراق، كانوا يعملون على تقديم الدعم للمليشيات الشيعية والتي تعتبرها الإمارات العربية المتحدة في مجملها مجموعات إرهابية.
قد تكون هذه الشركة متورطة أيضًا في تهريب السلاح لصالح المتمردين في اليمن والتي تخوض ضدهم الإمارات العربية حربًا، كبّدتها حتى الآن أكبر الخسائر البشرية في تاريخ البلاد.
بعد أشهر من سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في يد الحوثيين الذين تدعمهم إيران في سبتمبر/ أيلول 2014، وقّعت الحكومة الانقلابية على مذكرة تفاهم مع إيران تسمح “للخطوط الجوية اليمنية” بالقيام بحوالي 14 رحلة في الأسبوع، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة ماهان، وقد جعل هذا منها أول شركة طيران أجنبية تدخل صنعاء بعد سقوطها في يد المتمردين.
بعد ذلك مباشرة، قال المتحدث باسم قادة التدخل السعودي الإماراتي إن غالبية الرحلات الأربعة عشر إلى صنعاء كانت تقوم بتهريب السلاح والذخيرة للمتمردين، بعد ذلك بأيام منعت السعودية منهان من عبور مجالها الجوي لأجل غير محدد.
كما دعم وزير خارجية أمريكا جون كيري، موقف السعودية، عندما وُجّه له سؤال في أبريل/ نيسان 2014 مفاده: “هل تدعم إيران الحوثيين بالسلاح والذخيرة؟” فأجاب قائلاً: “الإمدادات قادمة من إيران”، وأضاف أن الولايات المتحدة كانت تراقب عن قرب عددًا من الرحلات الجوية الأسبوعية التي كانت تنقل الإمدادات.
إن استضافة رحلات جوية تابعة لماهان والسورية في دبي يتضارب مع الأولويات السياسية للإمارات والتي تتجاوز سوريا وحزب الله، كما أن لعب دور الأعمى لانتهاكات ماهان والسورية قد يسبب أذى كبيرًا لسمعة المؤسسات المالية لدول الخليج.
ففي كل سنة منذ سنة 2013، تتعرض العديد من الشركات التي لديها مكاتب في الإمارات العربية المتحدة للعقوبات الأمريكية بسبب تهم بتسهيلات مالية لماهان أو بسبب التعتيم الذي يحوم صفقاتها المالية.
ما زالت شركة ماهان للطيران متهمة بارتكابها نشاطات مالية غير قانونية مثل تهريب الأموال والتمويه بخصوص المعلومات الرئيسية المتعلقة بحمولاتها وركابها، من خلال تجاوز الإجراءات الأمنية أو استخدام فواتير مزورة.
ولكن ما زال الخط ضبابيًا بعض الشيء بين نشاطات ماهان غير القانونية والأعمال التجارية الروتينية، وقد أشارت وزارة المالية الأمريكية هذه السنة أن ماهان “تستخدم بشكل منتظم الطائرة نفسها في رحلاتها إلى سوريا وللنقل التجاري للمسافرين على الخطوط الدولية لوجهات في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا”.
ولم تكتف “السورية” بارتكاب السلوك نفسه الذي تنتهجه شركة ماهان، ولكنها الآن تستخدم إحدى طائرات ماهان للرحلات الجوية في منطقة الشرق الأوسط، والتي لم تكتف بالعمل بمطار دبي والكويت ودمشق هذا الشهر، بل زارت أيضًا عبادان، بمحافظة خوزستان الإيرانية، والتي على ما يبدو أنها تعد عنصرًا أساسيًا في محور عمليات الحرس الثوري الإيراني في سوريا
وقد حذّر آدم سزوبن أمين مكتب الاستخبارات المالية ومحاربة الإرهاب، أن مكتبه سيواصل كشف واجهة الشركات التي تحمي مهان وسيواصل تذكير الحكومات والشركات “بأنهم يعرضون أنفسهم للعقوبات الأمريكية”، كما دعا أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي الإدارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الموضوع، وتطبيقها حتى في منطقة الخليج العربي.
لذلك على حكام الخليج أن يدركوا أن إدارة أوباما، أو لنقل خلفيتها، قد تختار أيضًا فرض هذه العقوبات ضد الوسطاء الماليين لمؤسسة الطيران العربية السورية.
قد تكون النتائج محرجة بالنسبة لهؤلاء الحكام على واجهتين، أولا العقوبات المقترحة قد تربك شمولية وسلامة أنظمتهم المالية، وثانيًا ستربك اتساق سياساتهم تجاه حزب الله وإيران، سافكي دماء الشعب السوري.
في هذا السياق وعلى سبيل المثال، ما زالت أبرز وكالات الأسفار في الدوحة والشارقة تعرض إشهارًا لمؤسسة الطيران العربية السورية على أنها من بين شركات الطيران الوكيلة لها، كما أن شركة ماهان موجودة أيضًا بين تلك الشركات منذ فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتها على البضائع العامة ووكلاء المبيعات للشركة الإيرانية في سنة 2013.
ليس فقط الوسطاء الماليون تحت التهديد، فالشركات التي تنقل بضاعتها عبرها أو الشركات التي توفر خدمات ميدانية للشركة مهددة أيضًا بالعقوبات الأمريكية إذا ما أرادت وزارة المالية فعل ذلك.
قد يكون من الذكاء بالنسبة لدول الخليج أن تتخذ خطوات جدية ضد ماهان والسورية، فهي أيسر الأمور للضغط على فيلق القدس (جناح الحرس الثوري الإيراني في الخارج) وعلى حزب الله والنظام السوري، كما أنها أيسر السبل لتجنب العقوبات المحرجة للشركات المحلية الخليجية.
المصدر: صحيفة ناشيونال إنترست