ساعات قليلة وتتجه أنظار العالم صوب صناديق الاقتراع حيث اختيار الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية، ما بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وخصمها الجمهوري دونالد ترامب، في منافسة هي الأشرس من نوعها في السنوات الأخيرة.
الملايين من المتابعين لمجريات الأحداث داخل السباق الانتخابي، والمهتمين بقراءة العقل السياسي والاقتصادي والثقافي لكلا المرشحين، من خلال المناظرات التي جرت بينهما، فضلاً عن عشرات المؤتمرات والندوات التي كال فيها كل مرشح للآخر ما فاق توقعات المحللين، ليسوا على دراية كاملة بكيفية انتخاب الرئيس الجديد، الذي يعتمد بصورة أساسية على نظام الكلية الانتخابية Electoral College، حيث سيطرة 538 عضوًا على مقاليد الأمور، واختيارهم – وحدهم دون غيرهم – لاسم الرئيس الجديد لأكبر دولة في العالم.. فما طبيعة هذا النظام الانتخابي وكيف يؤثر على نتائج الاقتراع؟
النظام الانتخابي الأمريكي
تجرى الانتخابات الأمريكية كل أربع سنوات، في الثلاثاء الواقع ما بين يومي 2 و8 نوفمبر من العام الرابع لولاية الرئيس الحالي، ويعود اختيار الثلاثاء كيوم محدد للانتخابات إلى القرن الثامن عشر حيث بدائية وسائل التنقل والمواصلات، فكان لا بد من اختيار يوم مناسب في منتصف الأسبوع لإعطاء فرصة للمواطنين للتنقل إلى المدن للإدلاء بأصواتهم، لذلك تم تحديد يوم الثلاثاء، حيث يذهب الأمريكيون للصلاة في الكنائس يوم الأحد، فينطلقون بعدها مباشرة يوم الإثنين للمدن حيث تقام لجان الاقتراع، ثم يدلون بأصواتهم يوم الثلاثاء، ثم يعودون يوم الأربعاء لقراهم، وهو يوم “السوق” عند الأمريكيين.
على عكس العادة، تقوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية على نظام الانتخاب غير المباشر، فالمواطنون لا يختارون الرئيس مباشرة من خلال صناديق الاقتراع كما يعتقد البعض، بل هناك حلقة وسيطة بين الناخب والمرشح، حيث يختار الناخبون مندوبين لهم في المجمع الانتخابي، أو ما يطلق عليه الكلية الانتخابية Electoral College، وفق آلية محددة، ويصبح المختارون أعضاء هذا المجمع والذي يبلغ عددهم 538 عضوًا هم من بيدهم تحديد اسم الرئيس الجديد، والذي يحتاج إلى الفوز بأغلبية 270 صوتًا من إجمالي عدد الأصوات، فالمرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات الشعبية في ولاية معينة يحصل على عدد أصوات مندوبي الكلية الانتخابية Electors المخصصة لتلك الولاية والمتناسبة مع عدد سكانها.
الرئيس الجديد ليس بالضرورة هو من يحصل على أغلبية أصوات الشعب الأمريكي، بل من ينجح في حصد النسبة الأكبر من أصوات أعضاء المجمع الانتخابي
ومن ثم فحين يتوجه الناخبون لصناديق الاقتراع، فإنهم ومن خلال بطاقات الانتخاب يختارون مندوبي المرشح لا المرشح نفسه، أي أنه يصوت للمندوبين الذين وعدوا بانتخاب مرشح رئاسي معين.
فالرئيس الجديد ليس بالضرورة هو من يحصل على أغلبية أصوات الشعب الأمريكي، بل من ينجح في حصد النسبة الأكبر من أصوات أعضاء المجمع الانتخابي، ما يجعل مصير الرئيس في يد عدد قليل من المواطنين، وفق نظام فيدرالي متعارف عليه منذ استقلال أمريكا عن الإمبراطورية البريطانية عام 1776م.
وهنا سؤال يفرض نفسه: إذا كان الأمر متعلق بأيدي 538 عضوًا فقط، فلما الحملات والمؤتمرات الجماهيرية التي يعقدها المرشحون في مختلف الولايات الأمريكية؟ والإجابة: أن أعضاء المجمع الانتخابي المختارون من الشعب هم صوته الرسمي في الانتخابات، بمعنى أن من يختاره الشعب في الغالب من المرشحين، هو من يصوت له العضو، ومن ثم فالمرشح بحاجة إلى كسب ثقة المواطنين حتى يفوز بأصوات مندوبيهم في المجمع الانتخابي، كما سيتم التطرق إليه بعد قليل.
كما أن معظم الولايات تعطي جميع أصواتها الانتخابية للمرشح الذي يفوز بغالبية الأصوات الشعبية في الولاية، باستثناء ولايتي ماين ونبراسكا اللتين تعطيان صوتين انتخابيين للمرشح الذي يفوز بالأصوات الشعبية، وصوتًا انتخابيًا واحدًا للذي يفوز بكل مقاطعة انتخابية.
يذكر أن التصويت في الولايات المتحدة ليس إجباريًا، مع العلم أن من لهم حق التصويت حوالي 219 مليون مواطن بلغوا سن الثامنة عشر وأكثر، لكن المسجلين فعليًا في القوائم الانتخابية حوالي 142مليون مواطن، من إجمالي 330 مليون نسمة، إجمالي تعداد سكان أمريكا.
الاستعدادات النهائية للانتخابات الرئاسية الأمريكية
538 ناخبًا فقط يختارون الرئيس الجديد
كما أسلفنا سابقًا فإن من يحدد اسم الرئيس الأمريكي القادم ليست أعداد الناخبين من الشعب كما هو معمول في معظم الأنظمة الانتخابية في العالم، بل 538 مواطنًا فقط من يملكون جواز سفر أي من المرشحين للبيت الأبيض، لكن السؤال هنا: لماذا هذا الرقم خصيصًا هو من يملك أوراق اللعبة الانتخابية؟
بداية لا بد وأن نشير إلى أن هذا الرقم ليس عشوائيًا، فهو مشتق من العدد الإجمالي لأعضاء البرلمان الأمريكي بغرفتيه “النواب (435)” و”الشيوخ (100)”، إضافة إلى 3 آخرين تابعين للعاصمة “واشنطن دي سي”، ليصبح العدد الإجمالي 538 عضوًا.
كما يجدر الإشارة هنا إلى أن الناخبين الـ 538، موظفون حزبيون لديهم باع طويل في التمثيل الحزبي، ويتم اختيارهم من قبل أحزابهم السياسية في كل ولاية، وبحسب الدستور الأمريكي في مادته الثانية، لا يمكن اختيار هؤلاء الناخبين من فئة السياسيين الفيدراليين أو الذين يشغلون مناصب في حكومات الولايات.
رقم الـ538 أعضاء الكلية الانتخابية مشتق من أعضاء البرلمان الأمريكي بغرفتيه “النواب (435)” و”الشيوخ (100)”، إضافة إلى 3 آخرين تابعين للعاصمة “واشنطن دي سي”.
كل ولاية أمريكية تمتلك عددًا محددًا من الأصوات الـ538 حسب تعدادها السكاني وتمثيلها داخل مجلسي النواب والشيوخ، وبالرغم من تعداد الولايات الأمريكية الكبير والذي يتجاوز الخمسين ولاية، إلا أن هناك ست ولايات فقط تملك الكلمة العليا في اختيار الرئيس الجديد، وذلك وفقًا لعدد مندوبيها وهي: كاليفورنيا (55 صوتًا) – تكساس (38 صوتًا) – فلوريدا (29 صوتًا) – نيويورك (29 صوتًا) – إيلينوي (20 صوتًا) – بنسلفانيا (20 صوتًا) بمجموع 191 صوتًا أي ما يزيد عن 35% من إجمالي عدد الأصوات في المجمع الانتخابي.
وهذه قائمة مفصلة بالولايات الأمريكية ونصيب كل منها من الأصوات الـ 538: كاليفورنيا (55 صوتًا)، كونيتيكت (7 أصوات)، ديلاوير (3)، واشنطن دي سي العاصمة (3)، هواوي (4)، إلينوي (20)، ماين (1)، ماريلاند (10)، ماساشوستس (11)، نيو مكسيكو (5)، نيو جيرسي (14)، نيويورك (29)، أوريجن (7)، رود آيلاند (4)، فرمونت (3)، واشنطن (12)، ألاباما (9)، ألاسكا (3)، أركنساس (6)، إيداهو (4)، كينساس (6)، كنتاكي (8)، لويزيانا (8)، ميسيسيبي (6)، مونتانا (3)، نبراسكا – إيه إل (2)، نبراكسا 01 (1)، نبراسكا – 03 (1)، نورث داكوتا (3)، أوكلاهوما (7)، ساوث كارولينا (9)، ساوث داكوتا (3)، تينيسي (11)، تكساس (38) ويست فريجينيا (5)، وايمونج (3)، ماين- إي إل (2)، مينيسوتا (10)، فرجينيا (13)، كولورادو (9)، متشجان (16)، نيو هامبشاير (4)، بنيسلفينيا (20)، وينكونسن (10)، فلوريدا (29)، ماين – 02 (1)، نبراسكا – 02 (1)، نيفادا (6)، نورث كارولينا (15)، أوهايو (18)، أريزونا (11)، جورجيا (16)، أيوا (6)، إنديانا (11)، ميسوري (10)، يوتت (6).
جدير بالذكر أن معظم هؤلاء الناخبين الـ538 يصوتون وفقًا لما اختاره سكان كل ولاية على حده، بصفتهم ممثلين عن تلك الولايات، إلا أنه لا يوجد قانون يلزمهم بما اختاره سكان الولاية، لكنهم يفعلون ذلك فيما يقرب من 99 % من الحالات.
الكلية الانتخابية للولايات الأمريكية في انتخابات 2016
مراحل عملية التصويت
عقب انتهاء عملية تصويت المواطنين لصالح مندوبيهم في الولايات المختلفة، يتوجه مندوبو الولايات (أعضاء الكلية الانتخابية) إلى عواصم ولاياتهم يوم الإثنين التالي للأربعاء الأول من شهر ديسمبر، من أجل الإدلاء بأصواتهم التي تتحدد بشكل كبير طبقًا لأصوات الناخبين، ثم ترسل بعد ذلك أصواتهم إلى واشنطن تمهيدًا لفرزها في بداية يناير من العام الجديد، من خلال جلسة مشتركة لأعضاء الكونجرس.
وفي صبيحة يوم الـ20 من يناير، يعلن رئيس مجلس الشيوخ نتائج الانتخابات شرط حضور كامل أعضاء البرلمان، حيث يحتاج المرشح الرئاسي للفوز إلى 50% +1 من عدد أصوات المجمع الانتخابي (270 صوتًا) ليفوز بمقعد الرئاسة، وفي حالة عدم حصول أي من المرشحين على النسبة المطلوبة من أصوات الهيئة الانتخابية يحال الأمر إلى مجلس النواب مرة أخرى، وفقا للتعديل الـ12 من الدستور الأمريكي.
ماذا لو لم يتم اختيار الرئيس الجديد بحلول 20 يناير؟ في هذه الحالة يقوم نائب الرئيس بأعمال الرئيس، وإذا لم يتم اختيار أي منهما بحلول ذلك اليوم، يقرر الكونجرس من سيقوم بأعمال الرئيس وفقا للتعديل الـ20 للدستور.
ثم يقوم مجلس النواب باختيار الرئيس من بين أعلى ثلاثة مرشحين حصولًا على أصوات الهيئة الانتخابية بأكثرية الأصوات، لكن هذه المرة بواقع صوت واحد لكل ولاية من الولايات الـ50، بصرف النظر عن عدد أصواتها في المجمع الانتخابي، كما حدث في عام 1800 حين فاز الرئيس توماس جيفرسون، وعام 1824 باختيار جون آدامز.
يبقى السؤال: ماذا لو لم يتم اختيار الرئيس الجديد بحلول 20 يناير؟ في هذه الحالة يقوم نائب الرئيس بأعمال الرئيس، وإذا لم يتم اختيار أي منهما بحلول ذلك اليوم، يقرر الكونجرس من سيقوم بأعمال الرئيس وفقًا للتعديل الـ20 للدستور.
باراك أوباما خلال إدلائه بصوته في انتخابات 2012
فيدرالية غير ديمقراطية
حالة من الجدل ما بين التأييد والرفض لنظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فما بين من يراه النظام الأمثل المناسب لفيدرالية المجتمع الأمريكي، وآخرين يرونه غير ديمقراطي، يظل نظام الكلية الانتخابية Electoral College محل نقاش وتباين رؤى بين المهتمين بالشأن الأمريكي.
المؤيدون لهذا النظام يرونه الأمثل الذي يحافظ على النظام الأمريكي الفيدرالي، لأنه يمنح كل ولاية 3 أصوات على الأقل مهما بلغت قلة عدد سكان تلك الولاية مقارنة بغيرها من الولايات الـ50، إضافة إلى أن نظام الحزبين الكبيرين الذي يقره هذا النظام يمنح الاستقرار المطلوب لأن الفائز ينتمي في النهاية لحزب كبير له خط سياسي وانحيازات معروفة.
وفي المقابل فإن من أبرز الانتقادات التي وجهت لهذا النظام، أنه يسير وفق آلية غير ديمقراطية، فالفائز بالأصوات ولو بفارق ضئيل عن منافسه يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي لصالحه، فيما أطلق عليه سياسيًا (الفائز بالكل يفوز بالكل)، وهو ما حدث مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في انتخابات عام 2000، حيث فاز بكل أصوات ولاية فلوريدا الـ25 وقتها رغم أنه فاز في الانتخاب العام بفارق 537 صوتًا فقط عن منافسه آل جور بنسبة 0.0092% من الأصوات، إضافة إلى أن هذا النظام المعمول به يؤصل لمفهوم القطبية الحزبية، حيث يسيطر الحزبين الكبيرين فقط على الأمور، بينما يمنع مرشحي الأحزاب الصغيرة من المنافسة أو الوصول إلى المراحل النهائية من السباق الانتخابي، نظرًا لضعف شعبيتها مقارنة بالحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، وهو ما يجعل هذا النظام بعيدًا نسبيًا عن الديمقراطية.
حالة من الجدل ما بين التأييد والرفض لنظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فما بين من يراه النظام الأمثل المناسب لفيدرالية المجتمع الأمريكي، وآخرين يرونه غير ديمقراطي، يظل نظام الكلية الانتخابية Electoral College محل نقاش وتباين رؤى بين المهتمين بالشأن الأمريكي.
كما أن التركيز على أصوات مندوبي الولايات في المجمع الانتخابي مقارنة بأصوات ورغبات الجماهير، أسقطت بعض الولايات من حسابات المرشحين، ما يعد خرقًا للديمقراطية التي تقر مبدأ المساواة، حيث يمنح هذا النظام بطاقة الفوز للمرشح في حال حصوله على 270 صوتًا انتخابيًا في المجمع، وهو ما يستطيع المرشح تحقيقه بالتركيز على 11 ولاية فقط هم الأكثر تمثيلًا في المجمع الانتخابي وإغفال باقي الولايات الـ50 تمامًا.
ومن الانتقادات المقدمة أيضًا لنظام الكلية الانتخابية، أن الفائز ليس بالضرورة أن يكون حاصلاً على أغلبية أصوات الناخبين، إذ إن أصوات المجمع هي من تحدد من يفوز ومن يخسر، وبالتالي فإن نتائج هذه الانتخابات قد لا تعبر بشكل كامل عن إرادة الجماهير ورغبات المواطنين، ففي انتخابات عام 2000 حصل المرشح الديمقراطي آل جور على نسبة 48.38% من أصوات الناخبين مقابل 47.87% لمنافسه الجمهوري جورج بوش الابن بفارق أكثر من 543 ألف صوت ولكنه في النهاية خسر أصوات المجمع الانتخابي بعدما حصل على 266 صوتًا مقابل 271 صوتًا لبوش.
وهكذا فإن أنظار الملايين من مشارق الأرض ومغاربها تتجه صوب الولايات المتحدة حيث اختيار الرئيس رقم 45 لأكبر دولة في العالم، خلفا لباراك أوباما، وما يمكن أن يعكسه هذا الاختيار على مقدرات الشعوب والملفات الساخنة على الساحة الدولية.. فمن ينجح في نزع الفوز، هيلاري أم ترامب؟ هذا ما ستجيب عنه الساعات القادمة.