هبة شعبية أم انتفاضة غلابة؟ ثورة للمصريين أم دعوات خارجية لهدم الدولة؟ احتجاج عفوي أم تخطيط للمعارضين؟
أسئلة كثيرة تدور بذهن المصريين حول دعوات التظاهر 11/11 والتي يطلق عليها ثورة الغلابة.
ومثل ردة أفعاله السابقة تجاه أي فعالية للمعارضة، انبرى إعلام رجال أعمال السيسي لدعوات 11/11، تارة بالتخوين وأخرى بالتخويف، وثالثة بالإلهاء، وغيرها بالوعود البراقة، وهي نماذج أضحت متوقعة من وسائل إعلام النظام التي تستخدم شماعتي الإخوان والإرهاب في الداخل للتحذير من مصير سوريا والعراق وليبيا، لإقناع الجميع بأن عليهم القبول بالأمر الواقع.. وإلا…
البداية والانتشار
كانت حركة “الغلابة” قد وضعت شعار “ثورة في كل شوارع مصر”، على صفحتها في الفيسبوك، وهي الدعوة التي لاقت قبول شريحة كبيرة من الشباب، وأيضًا نالها الكثير من الهجوم، فيما يقلل طرف ثالث من أهميتها، ويرى أن الاستجابة لها ستكون ضعيفة، كما حدث في دعوات سابقة كانت آخرها الثورة الإسلامية في العام الماضي، وتظاهرات تيران وصنافير في 15 أبريل الماضي، وغيرها.
السيسي يهدد
قبل أن نرصد تعاطي الإعلام مع الدعاوى لثورة 11/11، علينا أن نرصد ردود الفعل الرسمية، والتي على رأسها تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي توقع فيها خلال لقائه مع ثلاث صحف حكومية الشهر الماضي، فشل الحشد لتلك الدعوات، لافتًا إلى أن الشعب المصري يدرك محاولات إدخال مصر إلى دوامة الضياع، ويصر على عدم الدخول إلى هذه الدوامة، وهو ما يشبه التهديد الضمني.
تصريحات السيسي لم تكن التهديد الأول في هذا الشأن، بعد أن دأب الرجل خلال الشهرين الأخيرين في الربط بين سقوط النظام وسقوط الدولة في عدة تصريحات، أهمها حينما هدد ضمنيًا – خلال افتتاحه أحد المشروعات أواخر سبتمبر الماضي – بنشر الجيش في مصر خلال ست ساعات، قبل أن يقولها صراحة: “لو حالة الدولة اتهزت، لا هاتنفع لينا ولا لحد تاني”، وهو حديث لا يخلو من خوف رغم ما فيه من تخويف.
لو حالة الدولة اتهزت، لا هاتنفع لينا ولا لحد تاني
السيسي
وتابع: “أنا مش بخوف حد، بس هناك تخطيط إن الجيش يفرد في مصر خلال 6 ساعات، لحماية الدولة، ما حدش يفتكر إننا هنسيبها تضيع مننا ونضيع الناس معانا، أنا مسؤول أمام الله وأمامكم والتاريخ لآخر لحظة”.
تحذيرات المخبرين
بعد تصريحات السيسي انتشر فيديو اعتبره رواد التواصل الاجتماعي لأحد المخبرين التابعين للنظام، يحذر فيه المواطنين من النزول للشوارع في 11 نوفمبر، محذرًا من انتشار عمليات القتل والسرقة والنهب واستغلال البعض لغضب المواطنين من غلاء الأسعار والمعيشة ورفع الدعم عن بعض السلع في تدمير مؤسسات الدولة.
الجيش الإلكتروني
تصريحات السيسي تبعها فيديو مثير للجدل لصفحة تطلق على نفسها اسم صفحة الجيش المصري الإلكتروني تحت عنوان “اعرف حقيقة ما يسمي 11-11”.
وكتبت الصفحة على الفيديو “حقيقة ما يسمي 11-11.. سيبك من الإعلام المعادي اللي عاوز يهد البلد، وسيبك من الإعلام اللي عامل نفسه مؤيد اللي بيدور علي المشاهدات والفلوس وهو من مصلحته يكون فيه أحداث وقلق علشان يكسب أكتر.. هي دي الحقيقة المجردة.. مش حتلاقيها في مكان تاني” ونشرت هذا الفيديو:
إعلام النظام ومخطط التخريب
وكما يقال دومًا إن الإعلام الرسمي في الأنظمة غير الديمقراطية هو بوق النظام، أثبتت وسائل الإعلام المصرية عامة تلك المقولة خلال تناولها لدعاوى التظاهر 11/11، وبدأت في تحذير المصريين من الاستجابة لهذه الدعوات، التي وصفتها بـ”المشبوهة”، وقالت إنها جزء من المخطط التخريبي لإسقاط مصر.
“حد قالكوا تقوموا بثورة وتطالبوا بتغيير النظام في يناير 2011!” خالد صلاح
وخلال الأسابيع القليلة الماضية تناولت عدد من الصحف الحكومية أنباء عن تعليمات صدرت لأجهزة الأمن بتوسيع دائرة “الاشتباه السياسي” والاستيقاف الفوري للشخص المشتبه به، والكشف عنه جنائيًا، بالإضافة إلى فحص متعلقاته، مثل هاتفه المحمول والذي يعد كلمة السر في إسقاط المحرضين على التظاهر، وفق وجهة نظر الدولة، الأمر الذي اعتبره الكثير من المحللين أن الأجهزة الأمنية بالدولة تعمدت تسريب مثل هذه التهديدات لتخويف المواطنين من النزول للاحتجاج في الشوارع.
فوبيا 11/11
فوبيا 11/11 لم تطل فقط الإعلام المقروء، لكنها تختطها إلى القنوات الداعمة للنظام، التي يملكها رجال الأعمال الموالين لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، والحزب الوطني المنحل، وبالطبع النظام الحالي، وبدأت حملة التخويف من قنوات “صدى البلد” المملوكة لرجل الاقتصاد الكبير في عصر مبارك محمد أبو العينين، من خلال برنامج “على مسئوليتي” للإعلامي المحسوب على أمن الدولة أحمد موسى الذي أطلق هاشتاج بعنوان “لا للفوضى يوم 11/11″، محذرًا المصريين من المشاركة فيها، بل إنه أعلنها صراحة بقوله “الدكر يوم 11 نوفمبر يرفع السلاح”، بالإضافة إلى اتهامه جماعة الإخوان بأنها خلف هذه الدعوات لرغبتها في إعادة الرئيس السابق محمد مرسي للحكم.
سيناريو الفوضى
وعرض موسى خلال الحلقة فيديوهات ولقطات من ثورة يناير 2011 وأحداث الجمعة الأسود جمعة الغضب، قائلاً: “تذكروا جيدًا ساعات الرعب التي عشتوها يوم 28 يناير، هل تريدون أن تجربوها مرة أخرى؟”.
وأضاف: الجيش المصري في حالة حرب حقيقية، والسيسي يضحي بحياته من أجل الوطن، خاصة بعد كشف مخطط إرهابي لاغتياله، كما قال.
الرخاء المقبل
وفي محاولة للترغيب بعد سيل الترهيب في برنامجه بشّر موسى المصريين بخير كثير سينعمون به العام المقبل، مع ارتفاع في الرواتب وتوزيع ياقوت وذهب ومرجان على المواطنين، لأن الحكومة توصلت إلى أماكن الثروات المعدنية من ذهب وبترول وغاز، وستستخرجه لينعم المصريون بالخير، وطالب المصريين بتحمل الأعباء في الفترة الحالية من أجل مصر، واعدًا بأن الدولة ستنهض سريعًا وتتغلب على مؤامرات الأعداء، على حد وصفه.
قوى الشر وحرب الكواكب!
أطرف تعليقات الإعلاميين كانت للمذيع محمد الغيطي خلال الفقرة التي استضاف فيها أحد المنجمين، أو كما يطلق عليهم خبراء الأبراج والفلك، والذي أكد أن تاريخ 11/11 تم اختياره بعناية من قبل “قوى الشر”، لأنها تقع في برج العقرب وبرج المريخ الدموي وهي تعني يوم الدم والهلاك.
أما الناشط السياسي الدكتور ممدوح حمزة، فقال إن الأصوات التي تحذر من دعوات التظاهر في 11 نوفمبر المقبل أكثر من المجهولة الداعية إليها، وهي ليست لها ظهير جماهيري.
وتابع: “الثورة لا يدعى إليها أو يتم تنظيمها، ولكنها تنفجر فجأة، والغلابة ما بينظموش مظاهرات، الغلابة بيدوروا على لقمة العيش، والإعلام فقط هو من أعطاها أهمية”.
شماعة الإخوان
بعض القنوات حاولت إلصاق دعوات التظاهر بجماعة الإخوان، وبعض المخابرات الأجنبية دون أن تسميها، لتشويه الداعين لها، وعرض الإعلامي خالد صلاح رئيس تحرير صحيفة “اليوم السابع”، خلال برنامجه على قناة “النهار” فيديو يتهم الولايات المتحدة بالتآمر على مصر لإحداث حالة من الفوضى، عبر ما قال إنها وثائق تثبت وجود مخطط أجنبي لإثارة أزمات في الغذاء والوقود، ونشر الشائعات خلال الشهر الجاري، استباقًا لتظاهرات 11 نوفمبر.
أما أسامة كمال، فقال يوم الأحد الماضي، خلال برنامجه “القاهرة 360” على قناة “القاهرة والناس” المملوكة لرجل نظام مبارك طارق نور، إن دعوة التظاهر يقف وراءها الإخوان المسلمون للعودة إلى الحكم مرة أخرى، وقال إن تاريخ 11/11 يكون رقم 4 للدلالة على إشارة “رابعة” الشهيرة التي يرفعها أنصار الإخوان.
شعب كسول
بعد الترهيب والترغيب والوعود البراقة بالدهب والياقوت والمرجان من إعلام النظام، جاءت لحظة تحميل الشعب نفسه مسؤولية ما يحدث، سواء من انهيار اقتصادي أو أمني، أو حتى على المستوى التعليمي والمؤسسي وانتشار الفساد، مثلما قال الإعلامي مصطفى بكري في إحدى حلقاته بأن السيسي ليس السبب في ارتفاع الأسعار وانهيار الجنيه أمام الدولار وضعف الصادرات، ولكن المشكلة أن الشعب المصري كثير الاستهلاك بطبعه، أما السيسي فيكفيه أنه أنقذ المصريين من جحيم الإخوان – على حد قوله -.
على خطى بكري سار العديد من الإعلاميين في مهاجمة المواطنين بسبب كسلهم وكثرة إنجابهم للأطفال، حتى لإن أحدهم وهو الإعلامي خالد صلاح كتب بإحدى مقالاته يقول: “حد قالكوا تقوموا بثورة وتطالبوا بتغيير النظام في يناير 2011 وتدخلونا في هذه الأزمات المتوالية” بينما حاول آخرون تهديد المطالبين بالنزول بالسحل والقتل وفصل الرؤوس عن الأجساد!