هو ابن مدينة دير الزور السورية عروس الفرات، وخريج ناديها الأزرق العريق الفتوة، وهو سفير الكرة السورية و”عقيدها” البارز في الملاعب العربية، استطاع على مدى 5 سنواتٍ ونيفٍ قضاها في الملاعب الكويتية والسعودية، أن يبني لنفسه مجدًا كرويًا رفيعًا هناك، من خلال اجتهاده وسعيه الدؤوب لإظهار موهبته الكبيرة، التي ما كانت لتحجبها قسوة الظروف وكثرة العثرات التي واجهته.
إنه مهاجم نادي أهلي جدة وهدافه السوري البارع عمر السومة، الذي لم يجد بعض النقاد غضاضةً في تشبيهه بنجم ريال مدريد الشهير كريستيانو رونالدو، من حيث قدراته التهديفية الهائلة التي فاقت الوصف، والتي حطم من خلالها – ولم يزل – أغلب الأرقام القياسية التهديفية في الدوري السعودي، الذي يعد أحد أهم بطولات كرة القدم في العالم العربي.
ولد عمر يوم 23 مارس 1989 في مدينة دير الزور شمال شرقي سورية، لوالدٍ يعمل في مصلحة المياه ويدعى “جهاد”، ووالدةٍ تعمل في إحدى المؤسسات الاستهلاكية وتدعى “هناء”، وعاش في كنف عائلةٍ متوسطة الحال قوامها 3 أولادٍ و4 بنات، يجمعهم منزل صغير يقع في أحد أحياء وسط المدينة ذات الطقس الحار، والذي لم يمنع الفتى عمر من ممارسة هوايته المفضلة في لعب الكرة مع أقرانه في الحي، رغم مضايقات والده المستمرة، والذي كان يرى في لعب الكرة عبثًا يلهيه عن تحصيله العلمي، وخاصة بعدما كبر الفتى والتحق بمدرسة ناشئي نادي الفتوة وهو ابن 12 عامًا، مما أثر بالسلب على تعليمه، مع تضحيته الدائمة بحصصه الدراسية كرمى لعيون معشوقته كرة القدم، والتي تسببت فعلًا في رسوبه بامتحان الشهادة الإعدادية العامة، مما أوغر صدر الوالد الحريص على مستقبل ابنه العلمي، فما كان منه إلا أن احتجزه في المنزل وحرم عليه الذهاب للنادي وممارسة الكرة!
لم يطق عمر صبرًا على حاله، فكان يهرب من حبسه الإجباري بالاتفاق مع والدته، ليذهب إلى التدريبات، وافتضح أمره أمام أبيه بعد فترةٍ وجيزة، فما كان من الفتى المولع بالكرة إلا أن استعطف أباه، واعدًا إياه بتوزيع جهوده بين الدراسة والرياضة، وعلى ذلك تم الاتفاق، ليتابع عمر مسيرته في فرق الفئات السنية للنادي الأزرق، مبهرًا جميع من أشرف عليه من مدربين ومن زامله من لاعبين، بحاسته التهديفية الفريدة، والتي جعلته يتوج هدافًا لدوري الشباب (تحت 18 عامًا)، في موسم 2007-2008 الذي شهد تتويج ناديه الفتوة بلقب الدوري لتلك الفئة العمرية.
وفي الموسم التالي، تم تصعيد الشاب الواعد عمر السومة ليلعب في صفوف الفريق الأول لنادي الفتوة، تحت إشراف المدرب القدير أنور عبد القادر، والذي راعى موهبته الكبيرة، فلم يجد غضاضةً في إعطائه مكانًا أساسيًا في الفريق رغم حداثة سنه، ليسجل 12 هدفًا في موسمه الأول وضعته في خانة ثالث هدافي الدوري السوري، ولكن ذلك لم يكن كافيًا لتجنيب فريقه مغبة الهبوط لدوري الدرجة الثانية.
ولم يمثل ذلك الهبوط أي عائقٍ أمام عمر للانضمام إلى منتخب سورية للشباب، والذي خاض معه بطولة آسيا للشبان (تحت 20 عامًا) في السعودية عام 2008، حيث لفت الأنظار إليه بشدة، ليبقى عضوًا دائمًا في فرق المنتخبات السنية السورية، رغم خوضه موسمًا كاملًا مع ناديه الفتوة في غياهب الدرجة الثانية، استطاع خلاله قيادتهم للعودة سريعًا إلى مكانهم الطبيعي في دوري الأضواء، في الوقت الذي تابع فيه تألقه ضمن صفوف المنتخبات السورية، حيث لعب 11 مباراةً للمنتخب الأولمبي (تحت 23 عامًا)، سجل خلالها 5 أهدافٍ، كادت أن تصعد بهم إلى أولمبياد لندن عام 2012، لولا تعثرهم أمام عمان في مباراة الملحق المؤهل.
ولم يكمل عمر موسمه الثالث مع الفتوة، حيث تسبب اندلاع شرارة الحرب في سورية، بإيقاف كافة النشاطات الرياضية في البلاد، بما فيها دوري كرة القدم، الذي توقف في منصف شهر مارس من عام 2011، ليتخذ اللاعب قراره بالانتقال خارج البلاد للعب ضمن الدوري الكويتي، حيث وقع عقدًا للانضمام إلى نادي القادسية، بعد أخذٍ وردٍ مع إدارة ناديه الأم الفتوة، التي رفضت الانتقال بدايةً، قبل أن ترضخ لمطالب لاعبها الباحث عن مستقبله.
وعلى عكس أغلب التوقعات التي رجحت فشل اللاعب في تجربته الخارجية الأولى، نظرًا لقلة خبرته، تألق السومة منذ موسمه الأول مع النادي الكويتي العريق، حيث استطاع قيادته لحمل ثنائية الدوري والكأس المحلية عام 2012، ليخوض تجربةً قصيرةً لم تتجاوز الشهر، مع نادي نوتنغهام فورست الإنجليزي في يوليو 2012، لعب خلالها 3 مباريات استعدادية مع الفريق الإنجليزي، واستطاع إقناع المدرب بضمه، ولكن تعذر إمكانية حصوله على تصريح عملٍ في إنجلترا، حال دون إكمال انتقاله، ليعود أدراجه صوب فريق القادسية.
وفي الوقت الذي كان فيه يخوض موسمه الثاني مع ناديه الكويتي، تلقى السومة أول استدعاءٍ لتمثيل منتخب سورية الأول، من قبل الناخب الوطني حسام السيد، ليكون عضوًا فعالاً في تشكيلة منتخب نسور قاسيون، التي حققت الإنجاز الوحيد لمنتخبات الكبار في تاريخ كرة القدم السورية، وذلك من خلال الفوز ببطولة غرب آسيا، التي أقيمت في الكويت شهر ديسمبر 2012.
وبعدها عاد السومة إلى صفوف فريقه القادسية، ليبدع ويمتع ويساهم بشدة في الموسم الرائع لفريقه، الذي توج بألقاب: الكأس المحلي وكأس أمير العهد وكأس الاتحاد الكويتي، فضلًا عن بلوغهم نهائي بطولة كأس الاتحاد الآسيوي لعام 2013، قبل أن يقود فريقه لاستعادة لقب الدوري عام 2014، من خلال تتويجه كهداف للدوري الكويتي برصيد 23 هدفًا، ليقرر بعدها الرحيل صوب الجارة الكبرى السعودية، بعد أن ترك إرثًا لا يمحى في تاريخ النادي الكويتي الأصفر العريق، بتسجيله 43 هدفًا خلال 68 مباراة، خاضها على مدى 3 مواسم.
في يوليو 2014، انتقل السومة إلى صفوف نادي الأهلي السعودي، ومع الأخضر الراقي دون النجم السوري ملحمةً من الأمجاد، وتحول إلى آلةٍ لإنتاج الأهداف، حيث أنهى موسميه الأولين متوجًا بلقب هداف الدوري السعودي، بتسجيله 22 هدفًا موسم 2014-2015، و27 هدفًا خلال الموسم الماضي، ليقود فريقه لتحقيق كأس ولي العهد في موسمه الأول، قبل أن يطلق العنان لأفراح أنصار النادي، بعد أن قادهم في موسمه الثاني للفوز بلقب الدوري بعد 32 عامًا من الانتظار، فضلًا عن التتويج بكأس الملك، ليتحول السومة في غضون موسمين إلى معشوقٍ لجماهير النادي الملكي الأخضر، التي رأت فيه شبيهًا بنجم نادي ريال مدريد الملكي كريستيانو رونالدو، سواءً من حيث أرقامه التهديفية الخيالية، أو من حيث طريقة لعبه وتسجيله للأهداف، حيث يشترك اللاعبان في قوة البنيان وسرعة الانطلاقات وقوة التسديدات، فضلًا عن إتقان توجيه الكرات الرأسية، وجودة تنفيذ الركلات الحرة المباشرة.
وفي الموسم الحالي، دخل السومة تاريخ كرة القدم العالمية من بابه الواسع، من خلال تسجيله الهدف رقم 50 في مباراته رقم 45 مع الأهلي السعودي، والتي جاءت بلقب كأس السوبر السعودي أمام الهلال، ليصبح اللاعب السوري أسرع من يصل إلى الهدف 50 في التاريخ الكروي، متفوقًا على النجمين كريستيانو رونالدو وزلاتان إبراهيموفيتش، اللذين احتاجا لأكثر من 50 مباراةً لبلوغ هدفهم الـ50.
وتابع النجم تكريس نفسه بوصفه آلةً لإنتاج الأهداف، بتسجيله 17 هدفًا خلال 11 مباراة، في مختلف مسابقات الموسم الحالي، ليرفع رصيده التهديفي الأسطوري مع النادي السعودي إلى 82 هدفًا خلال 70 مباراة، جعلته ملكًا متوجًا على عرش أفضل الهدافين الأجانب في تاريخ الدوري السعودي!
وتبقى الغصة الكبرى في حلق النجم السوري متمثلةً بتعذر انضمامه إلى المنتخب الوطني السوري، وذلك على خلفية اختلافه السياسي مع مسيري المنتخب، الذين عاقبوه على إبداء رأيه باستبعاده من تشكيلة منتخب نسور قاسيون منذ حوالي من 4 سنوات وحتى الآن، رغم تصريحاته الكثيرة التي عبر من خلالها عن رغبته بأن يتشرف بتقمص ألوان منتخب بلاده، الذي يمثل جميع السوريين، بغض النظر عن آرائهم واتجاهاتهم السياسية، لعله يسهم برسم بسمةٍ وزرع فرحةٍ في قلوب أبناء سوريا الجريحة.