“أخيرا .. رئيس لأمريكا يشبهها” جملة معبرة تماما علق بها أحد الزملاء على مفاجأة اختيار الأمريكيين للرئيس رقم 45 للولايات المتحدة، محققا صدمة مدوية، بعد حصده أكثر من نصف أصوات المجمع الانتخابي، قبيل إغلاق الفرز، متقدماً على منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، من خلال حسمه لأصوات المجمع الانتخابي في الولايات المتأرجحة ومن بينها: (فلوريدا، ونورث كارولينا، وأوهايو، وويسكونسن) التي صوّتت لصالح المرشح الجمهوري؛ والتي مهدت لفوزه بالرئاسة قبل انتهاء فرز الأصوات في بقية الولايات بنحو ثلاث ساعات، برغم ترجيح كافة استطلاعات الرأي السابقة كفة الأخيرة.
العرب ينتظرون
بعيدا عن واقع ونتائج الانتخابات على الداخل الأمريكي، هناك تأثيرات أكبر لهذه النتائج على مستوى العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، التي كانت تترقب بقلق بالغ نتيجة تلك الانتخابات؛ لتحديد مسار قضايا كثيرة معلقة مع نهاية فترة ولاية الرئيس السابق باراك أوباما.
ويشكل ملف الشرق الأوسط أحد أهم القضايا حساسية لترامب الذي يعارض جميع سياسات الحزب الديمقراطي فيما يخص المنطقة، ويقول إن كل المشاكل والحروب التي تعرفها دول الشرق الأوسط سببها إدارة أوباما، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية لما يعرف بتنظيم داعش، والملف السوري بالإضافة للعراق وليبيا والملف النووي الإيراني.
فلسطين.. لا جديد
ربما كان أكثر شخصين مطمئنين لنتائج الانتخابات الأمريكية أي كانت هوية الرئيس الفائز هما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن، فكلاهما يدرك أن كلا المرشحين لن يغيرا شيئا في الواقع الفلسطيني الداخلي، بل أن ترامب قد صرح قبلا بنيته نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو موقف ربما لا يعارضه أبومازن المنشغل بالأوضاع الداخلية بحركته حاليا، والآن بات بإمكان “بيبي” – وهو اللقب الذي يحلوا لترامب أن يصف به نتنياهو- أن يعتمد على ترامب ليس فقط بفضل المحبة بينهما، وإنما أيضا بسبب الأموال الضخمة التي ضخّها شيلدون أديلسون الملياردير اليهودي الأكثر تأثيرا بالعالم إلى جيب عملاق العقارات، وفي المقابل يدرك أبومازن أنه لن تنشأ أية عملية سلام جديدة في السنوات القادمة، ولن تظهر أية آمال في الأفق الأمريكي، وبالتالي لن يعنيه ما إذا كان الفائز هنا أو هناك، بالإضافة إلى أن ترامب لم يخف مساندته التامة لإسرائيل، ومدى حبه لليهود وعمق العلاقات الثنائية.
السيسي أكبر المستفيدين
على مستوى المنطقة ، فإن أهم الدول المتأثرة بفوز ترامب الجمهوري على حساب هيلاري الديمقراطيين، هي السعودية ومصر وسوريا والعراق والحوثيون باليمن وإيران بالطبع.. كيف ؟
تأتي مصر على رأس الدول التي كانت تنتظر نتائج تلك الانتخابات بنوع من القلق، خصوصا رئيسها عبدالفتاح السيسي، الذي يحتاج جدا إلى ظهير أمريكي من أجل إنقاذه من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر، بعد أن تخاذل عن دعمه باراك أوباما منذ 2013 إلا بالقليل.
أهمية فوز ترامب للسيسي على المستوى الشخصي، هو أنه يخلصه من وطأة التشكك الأمريكي في التقارب المصري – الروسي خلال العامين الأخيرين، وهو التقارب الذي أثمر من بين أمور أخرى، اتفاقا لبناء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء، ناهيك عن تقارب الدولتين سياسيا فيما يخص الأوضاع بالشرق الأوسط خصوصا بسوريا واليمن، وقياسا على الود الظاهر بين ترامب وبوتين خلال الفترة الأخيرة، واعتراف الجانبين بزمالتهما بل ودعم الروس علنا لترامب، قد يجد السيسي داعما جديدا، وهذه المرة ليس كجزء من حرب النفوذ بين الشرق والغرب، وإنما بصفته صديقا مشتركا لبوتين وترامب.
يدعم هذه التصورات تصريحات السيسي وترامب المتبادلة التي مدح فيها كل طرف الآخر قبل شهرين فقط، حينما التقى السيسي على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، المرشحان للانتخابات ـ آنذاك ـ ترامب، وهيلارى كلينتون، وفى حوار مع شبكة سي إن إن الأمريكية وصف السيسي ترامب، بأنه سيكون قائداً قوياً للولايات المتحدة حال فوزه.
في المقابل أشاد ترامب بالسيسى، وقال في تصريحات نقلتها عنه قناة فوكس التلفزيونية بعد اجتماعهما إنه “كان اجتماعا مثمرا جدا. إنه رجل رائع”، مضيفاً “اجتمعنا لوقت طويل، كانت توجد كيمياء جيدة بيننا”، وتعهد بدعوة السيسى لزيارة البيت الأبيض إذا انتخب رئيسا لأمريكا، وقال إنه يود أيضا زيارة مصر، معربا عن دعمه الكامل لجهود مصر في مكافحة الإرهاب، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستكون تحت إدارته صديقاً وحليفاً قوياً يمكن لمصر الاعتماد عليه خلال السنوات القادمة.
المملكة.. سوريا مقابل اليمن
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تعاني في العامين الأخيرين من عدة ضربات سياسية شديدة، وأخطرها، الاتفاق النووي الإيراني، ثم سياسة أوباما في سوريا، التي أدت إلى نقل مركز السيطرة على البلاد إلى موسكو، ثم إيران والأسد، ثم ورطة اليمن ضد ميليشيا الخوثي المدعومة من إيران، وهو ما خلف غضبا سعوديا كبيرا من إدارة أوباما للأمور خلال الفترة الأخيرة، بينما ستسعى المملكة مع فوز ترامب لاستغلال علاقته بالوليد بن طلال الذي أنقذه من الانهيار والإفلاس، بعد شراءه يخت ترامب وفندق ترامب بلازا، ممّا خفّف من وطأة ديون الرئيس الأمريكي الحالي.
ربما يقول البعض إن المال لن يكون هو عامل الحسم في رسم خطوط العلاقات بين كل من واشنطن والسعودية، بل السياسات والتوافقات، فالسعوديون تربطهم دائما علاقات ممتازة مع الرؤساء الجمهوريين، وخصوصا مع عائلة بوش.
الاتفاق النووي
يهم المملكة هنا موقف ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وهو أمر تم حسمه مبكرا بتصريحات لا تحمل التأويل من الرئيس الجمهوري الجديد، حينما وصف الاتفاق بين إيران والدول الكبرى بأنه “أسوأ اتفاق شاهده في حياته”، لافتا إلى أنه سيقوم بمحاولة إعادة المفاوضات، بالإضافة لزيادة العقوبات على إيران، وأنه “سيكون شديداً معهم”، وهو موقف يصب في صالح المملكة بلا شك.
ثاني الملفات التي تعني المنطقة ككل والسعودية على الأخص هو الملف السوري، والموقف من التدخل الروسي فيها، وهي الصدمة التي تنتظر قادة المملكة، قياسا على تصريحات ترامب الأخيرة التي قال فيها “إذا أراد فلاديمير بوتين تدمير تنظيم داعش فأنا أسانده بنسبة 100%، ولا أستطيع فهم من يعارضون هذا”، كما أن ترامب يعارض إسقاط نظام الأسد؛ بحجة أن خليفته قد يكون أسوأ معلقاً “انظروا إلى ليبيا”، بالإضافة لمعارضته مساندة الولايات المتحدة للمعارضة السورية؛ لأنه لا يستطيع التمييز بين المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية، وهو الموقف الذي يخالف تماما وجهة النظر السعودية فيما يخص الحرب في سوريا، وكذلك في العراق.
حصار الإسلاميين
السؤال الآن ..هل يعني فوز ترامب حسم الحرب في سوريا، ورفع الغطاء عن المعارضة المسلحة واتهامها بالإرهاب، ووضعها في نفس بوتقة داعش؟..
إجابة هذا السؤال سابقة لأوانها رغم مقدماتها.. وعلينا ألا نستبق الزمن نحو تحقيق أهداف نهائية قد تستغرق وقتا أطول، طبقا لتعقيد اللعبة وقواعدها على الأرض.. لكن المؤكد هو أن ترامب قد يكون مجبرا على الضغط على المملكة لرفع أيديها عن دعم المعارضة السعودية في مقابل دعم موقفها في اليمن، مع إمكانية تقليص الدور الأمريكي الفاعل في استمرار الفوضى في المنطقة، وهو ما سيكفل استقرارا في بعض الدول وأولها ستكون العراق.