لماذا يطالبني الله بما لا قدرة لي به؟ لماذا يختبرنا بالشهوات وهو يعلم أننا ضعفاء؟ لماذا يتركنا تائهين لو أنه يعلم ما نحن فيه من التيه والشتات؟ لماذا كل هذا العناء؟
تلك الأسئلة في الحقيقة دموع وآهات، معاناة ومكابدة، يجب أن ينصت إليها بصدق، لكنها – حتى لا نغفل باقي الحقيقة – ممتلئة بالجهل عن الله.
إن أصعب ما يواجهنا كشباب مسلم في عصرنا هو ضعف المعرفة عن الله وبالتالي لا نجد أجوبة لأسئلة جوهرية أساسية لأي إيمان، إن عالم الأفكار اليوم شرس مزعزع لأي معتقد غير قائم على أساس صلب متسق، أساس عقدي روحاني أصولي ومقاصدي قبل أن يكون فقهيًا أو قانونيًا، إن هذا الأساس المذكور يسهل على المسلم التعامل مع التحديات ويضفي على قلبه سكينة تنبع من القدرة على حل المتناقضات أو المفارقات وما أكثرها في عصرنا.
إن الله لم يعدنا بحياة رغدة لا تعب فيها ولا نصب، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، إن هؤلاء الذين تصوروا خاطئين بأن الإيمان مرتبط بالراحة والهناء الدنيوي المادي، نقموا على الله فمنهم من انتهى إلى الشك ومنهم من أكمل إلى الإلحاد، إن الكبد والتعب متلازم مع الإنسان سواء كان غنيًا أو فقيرًا، صحيحًا أو سقيمًا، إن هذه المكابدة في الحياة هي جوهر تطور الإنسان وتعلمه.
فقل لي بالله عليك كيف للطفل أن يسير على قدميه دون مكابدة، وكيف يصبح المرء عالمًا دون مكابدة، اللامكابدة تعني ضمور الإنسان وقدراته، ومكابدات البعض قد تفوق غيرهم، وبعضها قد تضني القدرة البشرية على التحمل.
هنا يظهر وعد الله الذي لم يفهمه البعض، كما أن الله لم يعدنا راحة ورغدًا دنيويًا، فإنه وعدنا سكينة وطمأنينة في هذه الحياة، تورث سلامًا وقوة نفسية تقوّي بني البشر على مجابهة خطوب الحياة وإن عظمت، إن الأمر ليس “إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم” وفقط، بل “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط”.
إن مفهوم الرضا في الإسلام – كمناقض للرضا المادي الذي يحل فيه الاعتماد كليًا على الإنسان – يربط بين البلاء في عالم المادة وبين القدرة المطلقة المتحكمة في هذا الوجود والحكمة الربانية في كل الأمور، ظهرت خيرًا لنا أو شرًا، فاستبطان هذه المعاني واليقين بصحتها والعيش بها – وليس اعتبارها حبوب مشجعة لاستكمال الحياة وفقط – هي ما يحفظ على المسلم وضع الأمور في نصابها كل مرة يواجه فيها ما يضنيه من حوادث الدهر، وهذا أساس عقدي لا غنى عنه ويصعب أن يستقيم إسلام المسلم إلا باستبطانه والتيقن به، فيدرك حينها وعد الله {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
دعنا لا نلم الله إن شق علينا التزام أوامره، فلقد زودنا بما يكفي للتعامل مع تلك التحديات، شريطة أن يتعلم المرء عنها ولا يكتفي بالشكوى من صعوبة الطريق، فعلما الأصول والمقاصد من ناحية وإدراك الحكمة وراء الشعائر من ناحية أخرى جديرون أن يسهلوا الكثير في التعامل مع الواقع، وأهمية العلماء في فهم قواعد الدين وإيجاد أجوبة للتحديات لا غنى عنها.
لكنني أتكلم عن أساسيات للتعامل مع تحديات الحياة اليومية وعوارض التفكير التي تثقل الشباب المسلم حينما لا يجدوا إجابات شافية، فلا نحن نسأل أهل العلم الثقات ولا نحن تعلمنا الأساسيات.
علما المقاصد والأصول ينميان في الفرد القدرة على التعامل مع النصوص في الحياة اليومية – دون ادعاء الفهم الكامل – فلا يسجن الفرد في ظاهر النص دون الاطلاع على صحته وقرائنه ومقاصده بآليات نتعلمها بمصاحبة العلماء والقراءة لهم قدر الإمكان، فلن نحصر في آيات العذاب دون الرحمة ولا الابتلاء دون الجزاء ولا الخطأ دون التوبة وهلم جرا، وذلك بميزان لن يُرزقَه إلا من كابد لبناء هذه الأساس المرجعي بتوفيق من الله وعونه وحينها يسهل للفرد أن يستخدم النصوص في حياته اليومية ليفك اشتباك المتناقضات، مرة أخرى دون ادعاء الصواب المطلق أو الفهم الكامل.
أما معرفة الحكمة والمقاصد وراء الشعائر فتسهل الربط بين الشعيرة وما فيها من طقوس ومشاعر وبين الواقع وتحدياته، فالصوم كمثال، وما فيه من مشاعر ضبط النفس عن الحرام أولاً وعن المباح ثانيًا يورث في النفس قوة تحررها من قيود الإغراء والشهوة في حياتنا العملية إلى حرية الاختيار القائمة على المسؤولية.
لا تلوموا الله إذا ما كانت آراء بعض العلماء غير مقنعة ولوموا عدم قدرتكم على التفريق بين الرأي أو الاجتهاد وبين الدين.
لا تلوموا الله إذا وجدتم نصوصًا، تحسبونها غير رحيمة أو غير عادلة، ولكن اطلبوا أساسيات العلم بمعرفة صحة النصوص وتأويلها وإدراك مقاصدها وقرائنها.
لا تلوموا الله إذا وجدتم تناقضات ما بين “العلم” وبين الدين، فالأمر يحتاج إلى فهم عميق عن الحقائق والنظريات وفلسفة العلم وربط ذلك بنصوص الدين وتأويلها.
لا تلوموا الله على الصعوبات فهو لم يعدكم راحة.
لا تلوموا الله على قصور فهمكم عن تعامل الله مع ذنوبكم – وكأنه متربص بكم ليعذبكم – وهو خالقكم وأعلم بضعفكم وأقبل لتوبكم {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}.
لا تلوموا الله على شتاتكم وحيرتكم، فلقد يسر لنا كثيرًا من الذكر {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} بالسعي وراء الإجابات، إجمالاً.
لا تلوموا الله على جهلكم به، فهل هذا تقصير منا أو من العلماء أو من المجتمع؟ غالبًا خليط منهم، المهم هي أخطاء بني البشر فدعنا لا نلومن الله.