تتفاقم مشكلة الدين العام المصري وتنذر بانزلاقات خطيرة على الاقتصاد والبلاد على مستوى مواجهة العجز في الموازنة العامة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد، وقد أعلنتوزارة التعاون الدولي في تقرير لها مرسل إلى اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب أن إجمالي الدين العام للدولة بلغ حوالي 3.33 ترليون جنيه منها 2.54 ترليون جنيه للدين المحلي و489 مليار جنيه للدين الخارجي.
ورجوعًا لما تعانيه البلاد من جفاف في منابع التمويل وارتفاع في المديونية العامة فضلًا عن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد فإن الاقتصاد المصري لا يعد مؤهلًا بالدرجة الكافية للخروج من تلك المشاكل الاقتصادية في الوقت الحالي.
فهل تفقد مصر قدرتها على السداد في ظل الضغوط المحلية والعالمية التي تتعرض لها وتلجأ لتدابير وحيل قانونية منها “إعلان إفلاس الدولة”؟
مصر مطالبة بسداد 2.5 مليار دولار
تنتظر القاهرة الحصول على وديعة 2.75 مليار دولار الأسبوع المقبل وهي الشريحة الأولى من قيمة القرض البالغ 12 مليار دولار والذي تم الاتفاق عليه بشكل مبدأي في أغسطس/ آب الماضي، حيث سيجتمع مجلس المدراء التنفيذيين في صندوق النقد الدولي غدًا الجمعة للنظر والموافقة على طلب مصر للحصول على القرض.
إلا أن مصر في خلال الشهرين المقبلين مطالبة بسداد ما يقرب من 2.5 مليار دولار للدائنين الدوليين، فبحسب مصادر إعلامية عن وزارة المالية المصرية فإنه من المتوقع سداد ديون مستحقة قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول لدائنين أجانب تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار وهي عبارة عن فوائد ديون على الحكومة أو الهيئات العامة.
بلغ إجمالي الدين العام لمصر حوالي 3.33 ترليون جنيه منها 2.54 ترليون جنيه للدين المحلي و 489 مليار جنيه للدين الخارجي
وسيتم سداد 681 مليون دولار لصالح نادي باريس مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل بالإضافة إلى 500 مليون دولار لصالح شركة أرامكو النفطية السعودية عن شحنات نفطية سابقة مع العلم أن أرامكو أوقفت شحنات الوقود لمصر حتى إشعار آخر، وهو ما أكده وزير البترول المصري طارق الملا.
ومن المقرر أيضًا سداد قيمة الوديعة التركية البالغة مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 فضلًا عن الودائع الخليجية التي تستحق في العام 2018 والبالغة نحو 5 مليارات دولار منها ملياري دولار للسعودية وملياري دولار للإمارات ومليار للكويت، علمًا أنها قُدمت للحكومة المصرية بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013.
وحول كيفية سداد مصر تلك القروض فإن الحكومة اعتمدت سداد القروض من خلال الاقتراض، حيث لجأت إلى طرح سندات مقومة بالدولار في الأسواق الدولية، فبحسب بيانات صادرة عن المركزي المصري ووزارة المالية ذكر فيها طرح سندات دولية مقومة بالدولار بالاتفاق مع مجموعة من البنوك الدولية منها بقيمة 4 مليار دولار طرحتها وزارة المالية في بورصة إيرلندا بآجال استحقاق ديسمبر/ كانون الأول 2017 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2024 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2028 في إطار حرص الوزارة على تنويع مصادر التمويل لديها وسد عجز الموازنة وإيجاد موارد مالية.
وحسب مصادرفإن مجموع ما تلقته وما ستتلقاه مصر قبل نهاية العام الحالي من القروض وإصدار السندات الدولية يبلغ نحو 10 مليار دولار وهذا المبلغ سيدعم الاحتياطي النقدي للبلاد المتآكل ليصل إلى عتبة 29 مليار دولار، ومن جهة أخرى يمكن قراءة نجاح تمويل طروحات السندات المصرية إلى قبول المؤسسات الدولية والمستثمرين بالإجراءات الحكومية الأخيرة الهادفة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية.
مصر مطالبة في الشهرين المقبلين بسداد قروض مستحقة بقيمة 2.5 مليار دولار
وقد ذكرت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن خطوة التعويم من قبل الحكومة المصرية تعتبر إيجابية، وأشارت لتحديات قادمة في السياسات الاقتصادية على مصر، وأوضحت الوكالة أن الدين الخارجي المستحق على القطاع العام منخفض كنسبة من الدين العام الإجمالي لكن انخفاض العملة سيزيد من حجم الدين ويزيد من الضغوط على تكاليف الاستيراد التي تتحملها الحكومة وعلى أسعار الوقود.
والجدير بالذكر أن تحرير سعر صرف الجنيه أدى لتضاعف السعر الرسمي للدولار إذ قفز السعر من 8.8 قبل التعويم إلى أكثر من 17 جنيهًا في المصرف بعد التعويم.
هل تذهب الحكومة في خيار الإفلاس؟
في حال لم تستطع الحكومة المصرية الإيفاء بالتزماتها المالية فإنها من غير المستبعد أن تستخدم خيار إشهار “إفلاس الدولة” في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، علمًا أنه الخيار الأخير الذي قد تلجأ له الحكومة، فوفقًا للقانون الدولي فإنه في حال إشهار إفلاس الدولة لا يحق للمودعين بالبنوك إلا استرداد 25% فقط من قيمة ودائعهم.
إلا أن فكرة الإفلاس لا يوافق عليها كثير من المحللين والخبراء في مصر، ففي ظل ما ستتلقاه مصر من قروض مالية فإن ملاءتها المالية (قدرتها على السداد) سترتفع، ومن جهة أخرى فإن الدين الخارجي لم يتجاوز حدود الخطر بعد وحسب القانون فإن البنك المركزي يعد ضامنًا لأموال المودعين.
كما أن سيل الإيرادات لم ينقطع على الدولة المصرية بشكل كامل، فالحوالات المالية من المصريين في الخارج لا تزال تأتي فضلًا عن التدفقات المالية الخاصة بقناة السويس، بالإضافة إلى الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، حيث تسهم كل هذه الأمور في دعم الاقتصاد المحلي نسبيًا وتمنعه من الوقوع في الهاوية.
ومن ثم يأتي برنامج الحكومة الإصلاحي المتبع حاليًا والذي يتضمن التخلي عن سياسة الدعم للسلع والخدمات الرئيسية في الموازنة وفرض إجراءت تقشفية بهدف تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة، وهذا سيسهم في توفير الأموال للدولة وضخها في خدمة الدين العام في الميزانية.
تنتظر الحكومة المصرية الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 2.75 مليار دولار
إلا أن مراقبين أشاروا أن إجراءت الحكومة ستعكس ردة فعل في الشارع المصرية بسبب تردي الأوضاع المعيشية في الفترة الأخيرة والتي ازدادت وتيرتها بعد تعويم الجنيه وسحب الدعم عن بعض المواد الأساسية ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم.
يُذكر أن غدًا الجمعة والذي يصادف 11 نوفمبر الجاري موعد انطلاق مظاهرات “ثورة الغلابة” والتي اتسعت نطاق الدعوات لها في أنحاء مصر ورحبت بها قوى سياسية وأحزاب مصرية وطالبت برحيل السيسي.
ومن جهتها تجري الحكومة المصرية تحضيراتها لتطور الأوضاع الأمنية، إذ وجه السيسي في اجتماع أمني منذ يومين بـ”استمرار العمل بأقصى درجات الحذر واليقظة والاستعداد القتالي بما يضمن الحفاظ على أمن الوطن وسلامة المواطنين”.