ترجمة وتحرير نون بوست
أعرب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب ألقاه في العاصمة السينيغالية، داكار، عن التزامه بالعمل المشترك مع العديد من البلدان في القارة الأفريقية وعن وضعه لاستراتيجية من أجل دعم طموحات شعوب القارة السمراء.
وجاء هذا القرار بمناسبة “الذكرى 41” للمسيرة الخضراء، التي استعاد خلالها الملك الثاني الأراضي الصحراوية التي كانت تحت سيطرة إسبانيا، والتي كانت تعيش فيها العائلات المغربية لعدة قرون. ومنذ ذلك الوقت، استثمرت المملكة المغربية مليارات الدولارات في تطوير هذه المنطقة وفي دمج العديد من المدن والبلدات في الاقتصاد الوطني وفي النظام السياسي.
وقد قدمت الصحراء المغربية نموذجا للتنمية داخل المدن الناشئة في الجنوب، لكنها لاقت معارضة شديدة من قبل مليشيا بوليساريو، التي كانت تحكم قبضتها على العديد من الأراضي في الجنوب.
وعموما، يحظى مقاتلو هذه المليشيا بدعم من الدول المجاورة، مثل دولة الجزائر الغنية بالثروات النفطية، إذ تدعم هذه الدولة غالبية الدول الفقيرة في “الاتحاد الإفريقي”، من أجل ضمان معارضتهم للمغرب. ونظرا للضغوطات الشديدة التي واجهتها المملكة المغربية، فضلت المملكة الانسحاب من عضوية منظمة الوحدة الإفريقية.
لكن بعد مرور عقود، جددت المغرب التزامها بالانتماء إلى هذه القارة وقررت العودة إلى أحضان الاتحاد الإفريقي. وقد قام الملك محمد السادس بجولة في القارة الأفريقية 15 مرة، منذ توليه الحكم في سنة 1999؛ وقام بالعديد من الاستثمارات التنموية في مجال التعليم والاقتصاد والأمن. وسعى الملك إلى إنشاء العديد من الموانئ الخاصة، والصناعات؛ وساهم في تطوير العديد من شبكات الاجتماعية، وذلك من أجل تمهيد الطريق للبلدان الأوروبية والأمريكية الراغبة في الاستثمار في أفريقيا.
وخاطب الملك “الدول الشقيقة الأفريقية” في داكار، معربا عن رغبته في العودة إلى الاتحاد الأفريقي، ومحاولا كسر التقاليد القديمة، التي كان يعتمدها الملك خلال إلقاء خطابه بمناسبة ذكرى “المسيرة الخضراء” في إقليم الصحراء المغربية.
وطوال العقود السابقة، مثلت السنغال صوت العقل في الاتحاد الأفريقي، مما جعل ملك المغرب يشيد، في خطابه، بالموقف الجلي والشجاع الذي اتخذته هذه البلاد عندما قررت المملكة الانسحاب من الاتحاد. ففي ذلك الوقت، صرح رئيس السنغال، السيد عبدو ضيوف، أنه “من المستحيل أن يتخيل المنظمة دون المغرب”.
وعموما ليس من المستغرب، أن يحقق هذا البلد الذي لطالما كان يعاني من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، نجاحا في إنشاء دينامية اقتصادية وفي تحقيق الاستقرار السياسي.
وقد أعاد الملك النظر في النتائج الإيجابية المترتبة عن الجهود التي يبذلها من أجل تجديد علاقات مع جميع بلدان القارة الإفريقية. فخلال الزيارة التي قام بها مؤخرا إلى رواندا، استطاع الملك إقامة شراكات واعدة في العديد من القطاعات، وذلك بفضل الدعم الذي حظي به من قبل الرئيس الحالي لجمهورية رواندا، بول كاغامه. كما وقع تسعة عشر اتفاقيات اقتصادية معها أيضا.
وأشاد العاهل بإنجازات إيجابية مماثلة تمكن من تحقيقها في تنزانيا، إذ وقع 22 اتفاقية، فضلا عن تمكنه من المحافظة على التاريخ الطويل من الصداقة التي ربطها بغينيا، والغابون، وجمهورية الكونغو حاليا.
وأكد الملك على حرصه على تأسيس شراكات قائمة على التضامن بين جميع الدول الإفريقية، يضمن من خلالها تطوير التنمية الاقتصادية والبشرية لكافة الدول المنتمية للاتحاد الأفريقي وتحسين أوضاع القارة ككل؛ وذلك على ضوء الشراكات التي عقدها مؤخرا أو التي جددها.
كما أعرب الملك عن تفاؤله، فبفضل تجديد العلاقات ستصبح المغرب أكثر انخراطا في جهود القارة الرامية لمكافحة التطرف والإرهاب، الذي يهدد مستقبل القارة.
كما ركز الملك، في تصريحاته، على التحدي الجديد الذي تواجهه القارة والعالم بأسره بسبب تغير المناخ، إذ أثر الجفاف والاحتباس الحراري على سبل العيش الريفية في إفريقيا، كما ساهم في تفاقم الهجرة الريفية إلى المدن الكبرى. كما تحدث الملك عن مؤتمر الأطراف الذي سيعقد في مراكش ضمن الجهود التي تقودها منظمة الأمم المتحدة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
كما تحدث الملك عن نيته في عقد قمة خاصة إفريقية على هامش المؤتمر، تهدف لوضع رؤية مشتركة لدعم مطالب القارة، المتعلقة بالحصول على تمويلات تدعم مشاريع النقل بالقطار والتطور التكنولوجي. ولمّح العاهل المغربي، في تصريحاته، أيضا إلى دور الاستعمار والاستغلال الذي عانته العديد من البلدان الإفريقية في تردي أوضاعها.
وتجدر الإشارة إلى أن تطرق الملك محمد الخامس لهذا الموضوع كان أمرا غير متوقع، نظرا لأن بلاده كانت من أوفى حلفاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
واختتم الملك تصريحاته، مثلما استهلها، بالإشادة بذكرى “المسيرة الخضراء”، مؤكدا أن الصحراء المغربية تحتل نصف خريطة المغرب وبامتداد جذور العديد من المغاربة هناك، كما إنه يعتبرهم أنهم جزء لا يتجزء من المجتمع المغربي ككل.
ولكن من وجهة نظر استراتيجية، تمثل الصحراء المغربية حلقة الوصل بين المملكة المغربية الواقعة في شمال أفريقيا والعديد من الدول في جنوبها، ولذلك يشعر المغاربة أنها منطقة حيوية وأساسية في بلادهم.
وقد أضاف الملك، في هذا السياق، أنه نظرا لتمتع المحافظات الجنوبية بالأمن والاستقرار، وبالبنية التحتية، فإنه بإمكانها أن تصبح مركزا متكاملا للتنمية، على المستويين الإقليمي والقاري على حد سواء، فضلا عن قدرتها على أن تصبح منصة للتعاون الاقتصادي بين المغرب وأفريقيا.
وقد لاقت هذه التصريحات ترحيبا حارا من قبل الجمهور السنغالي، ولكن من المرجح أن تحدث ضجة كبيرة داخل الساحة السياسية المغربية. وعلى الرغم من ذلك، قد تمثل عودة المغرب إلى أحضان الاتحاد الإفريقي نقطة تحول حاسمة للمملكة وللعديد من البلدان الأخرى في القارة الإفريقية.
المصدر: صحيفة ناشيونال إنترست