يمثل الشباب التونسي حوالي 60% من عموم التركيبة السكانية في البلاد والمقصود بالشباب هنا هي الفئة العمرية بين 15 سنة و35 سنة.
تتواتر بين المدة والأخرى بعض التقييمات لسلوك الشباب صادرة عن النخب خاصة بشأن دورها في الشأن العام بين من يعتبر هذه الفئة هي مفتاح النجاح والنهضة وبين من يعتبرها مشكلاً تحتاج لحلول، إلا أنه لا اختلاف في اعتبار الشباب مخزون استراتيجي يمثل مستقبل البلاد بمختلف روافدها.
وبالبحث في شخصية الشباب التونسي من أبناء هذا الجيل نجده يمتاز بجملة من الخواص غير المتوفرة في بقية الأجيال السابقة وربما حتى اللاحقة، فهو الجيل الذي نشأ في ظل نظام حكم بن علي فتربى على مناهج تعليمه وقيمه وهو الجيل نفسه الذي كان له الدور الريادي والطلائعي في الإطاحة به.
بعد انقلاب السابع من نوفمبر سنة 1987 وقف الرئيس الهارب بن علي على حقيقة الكتلة الشبابية والطلابية كقوة ضغط كبيرة في المجتمع لها القدرة على تأطير الجماهير وصنع الرأي العام ضده، حاول في البداية تطويعها، ولما فشل انطلق في ضربها وتشريد فاعليها بين السجون والمنافي.
حاول النظام السابق إثر ذلك تنشئة جيلٍ موالٍ لشخصه حيث ملأ الكتب المدرسية بالنصوص التي تمجده وتمجد حكمه وتصوره في صورة الزعيم الملهم والقائد المنقذ، وعمل على تقريب شباب وطلبة حزبه منه وتقديمهم للشباب كنماذج للشباب الناجح سمتًا ومكانةً.
نجح بن علي إلى حد ما في استقطاب جملة من الشباب الذين أغراهم خطابه واعتبروا فيما يقوم به تقدمية وإصلاحًا خاصة بعد نجاحه في تطويع بعض قيادات الحركة الطلابية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من اليسار على غرار برهان بسيس وسمير العبيدي ونوفل الزيادي إضافة إلى بعض الرموز مثل عبد المجيد الشرفي بتقدمه في الحكم، وبعمل حزبه وحكوماته نجح بن علي في نشر ثقافة يصعب رواجها في فئة الشباب وهي ثقافة الانتهازية والارتزاق، حيث ارتبط الحصول على عمل بالحصول على بطاقة انتماء لحزب الرئيس والتقدم في المناصب من العمدة إلى الوزارة بالولاء للرئيس ورؤيته.
اعتقد بن علي أنه بمثل هذه الأساليب سيضمن المستقبل حيث كانت تمتلئ الاحتفالات بالشباب الذي يهتف باسمه ويرفع صوره وعجت الصحف والكتب بالمدحيات شعرًا ونثرًا في حقه ولم يتصور يومًا أن هذا الجيل سيكون في مقدمة الصفوف المطالبة برحيله ومحاسبته وربما لا يزال إلى اليوم يتساءل عن البراديغم المحرك لهذا الجيل.
نفس السؤال هو موضوع للبحث من بعض النخب الحالية في تونس، فشباب اليوم له من الوعي بحكم المستوى التعليمي في البلاد والثورة التكنولوجية في العالم ومع ذلك فهو أقرب للراديكلية ورفض السائد، هل المشكل في الشباب أو في النخبة أم الواقع هو إفراز طبيعي للبيئة على مستوى المنطقة والعالم؟ جملة من الأسئلة يمكن الجواب عنها بعد الاتفاق على جملة من المنطلقات أهمها:
مرحلة التشاركية والتضامن
من أهم مميزات هذه الفترة أن كل الأطر سواء كانت سياسية أو ثقافية أو جمعياتية وحتى الاقتصادية أصبحت قائمة على التشاركية وانتهى زمن الدول القائمة على الزعيم والمؤسسات القائمة على الفرد والاقتصاديات القائمة على الدولة، فانتشرت ثقافة العمل الجماعي في المؤسسات والإدارة التشاركية في الأحزاب والمنظمات والجمعيات واللامركزية في إدارة الدول والاقتصاد التضامني في المناهج الاقتصادية، وأصبحت كل عمليات الاستفراد والوصاية مستهجنة من قبل شرائح واسعة من المجتمعات وخاصة لدى فئة الشباب.
صراع الأجيال
في تونس اليوم وبالرغم من محاولات التعسف على هذا الطرح بعدم إبرازه احترامًا للأجيال السابقة وخاصة المناضلة منها والتي حرمت من حقها في ممارسة السياسة في الحقبة الماضية هناك صراع خفي بين جيلين أو أكثر حول تصورات إدارة المرحلة وأساليب الإدارة، وتغذي سيطرة الأجيال السابقة على المشهد مع تزيينه ببعض الشخصيات الطيعة بين أياديها هذا الصراع.
عقلية الثورة
يتميز الجيل الذي ساهم في الثورة وكان له دور إيجابي في إنجاحها بالنقاوة والطهرية، حيث مثلت القيم والمبادئ السامية أرضية لثورة الحرية والكرامة التي جمعت عددًا واسعًا من شباب تونس ومن مختلف التيارات والفئات الاجتماعية فهذا الجيل جمعته الحرية والكرامة وما يتفرع عنها من رفض للديكتاتورية والانتهازية وشراء الذمم وتدجين القطاعات الحية، ولذلك نجد إلى اليوم ورغم محاولات تشويه الثورة كتلاً من الشباب من مختلف التيارات والتوجهات والفئات داخل المنظمات والجمعيات والأحزاب عصية عن محاولات التدجين والوصاية تتحرك وفق القيم والمبادئ بوصلتها أهداف الثورة ومبادئها.
جيل مهمش اجتماعيًا
رغم أنه الكتلة السكانية الأكبر في البلاد ورغم ما يمثله من فرص في دعم تقدمها والنهوض باقتصادها بفعل ارتفاع نسب الكفاءة العلمية في هذه الفئة لا يزال الشباب في تونس مهمشًا اجتماعيًا، حيث نجد أكثر من مليون شاب من أصحاب الشهادات العليا وشهادات التكوين المهني موزعًا بين البطالة وآليات التشغيل الهشة، إضافة الى ارتفاع نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج.
مجموعة من المنطلقات والعوامل ساهمت في تزايد إحباط جيل الثورة، إحباط مرده التعارض بين التركيبة النفسية لهذا الجيل وروح التغيير العالية التي تميزه مع سوء استيعاب للنخب والدولة لذلك واعتمادهم لآليات فاشلة في تأطيره، إحباط تجسد في انخفاض نسب ثقته في المؤسسات الرسمية وتترجم ذلك في عزوفه عن المشاركة في الانتخابات التي بلغت حدود 12% في الانتخابات الأخيرة إضافة إلى ضعف تأطير الشباب من قبل الدولة ومؤسسات المجتمع المدني ناهيك عن انتشار ظواهر اجتماعية سلبية على غرار الانتحار والهجرة “السرية”.
عوامل ساهمات ولا تزال تساهم في تكوين جيل ينزع إلى الرفض والراديكالية، راديكالية يظهرها ارتفاع عدد الشباب التونسي المنتمي للجماعات الإرهابية وارتفاع نسب الجريمة وتنوعها في البلاد.
مؤشرات تنذر بانفجار اجتماعي أو تشويه للأجيال القادمة لنعود لوضع أسوأ لما قبل ثورة الحرية والكرامة بجيل تنتشر بين صفوفه القابلية للديكاتورية والانتهازية وحتى العمالة للأجنبي، جيل يقضي على حلم نهضة الأمة وتقدمها.
مخاطر كما أسلفنا تعود لفشل الدولة بمختلف روافدها في إيجاد استراتيجية وطنية لاستيعاب هذا الجيل ومساهمتها عن وعي أو غير وعي في طمس محاولات تشكيل نخبة في مختلف الفضاءات الحيوية من إدارة وقضاء وإعلام وغيرها بذهنية الثورة ومبادئها الراقية.
للوقاية من هذه المخاطر والتصدي لما حصل منها ما على الدولة ونخبها إلا أن ترفع في منسوب الثقة في هذا الجيل وتفتح معه حوارات حقيقية وبأدوات تخاطب يستوعبها ويقبلها، حوارات قائمة على أساس التشاركية في إدارة المرحلة وفي رسم السياسات العامة وتمكينه من آليات الفعل والتحرك من ميزانيات ومواقع.