تعمل بعض الدول في المنطقة على إنشاء معارض دولية تستقطب من خلالها المستثمرين من كافة أنحاء العالم بغرض عرض منتجاتهم وتسويقها للزوار الآتين من كل حدب وصوب، ومصدر فخر البلد المستضيف للمعرض أن تكون جل الشركات العارضة للمنتجات محلية ومتنوعة تعمل في كافة التخصصات والأشربة.
وتعمل دول كثيرة على تسويق نفسها على أنها أرض للمعارض تجذب الشركات الأجنبية إليها لعرض منتجاتهم وخدماتهم المختلفة بحيث يكونوا وسطاءً بين من يعرض منتجه ومن يريد أن يشتري.
في هذه الآونة تحفل مدينة إسطنبول التركية بحدث كبير ممثلًا بفعاليات المعرض الدولي السادس عشر لجمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين “موصياد” على أرض المعارض بالقرب من مطار أتاتورك الدولي، وقد افتتح المعرض من قبل رئيس الدولة أردوغان يوم الأربعاء الماضي وسط حضور رجال أعمال أتراك وعرب وآخرين من مختلف البلدان حول العالم.
زار نون بوست أمس الجمعة المعرض في ثالث أيامه وعاد ببعض المشاهدات حول المعرض والمنتجات المعروضة، كما حضر ندوة قامت بها السفارة الإثيوبية في تركيا بحضور رجل الأعمال التركي يوسف آيدنيز.
صنع في تركيا
السائر في دهاليز المعرض متنقلًا من قسم إلى آخر سيلحظ أول ملاحظة جديرة بالانتباه وهي أن جل الشركات التي قدمت لعرض منتجاتها هي تركية الأصل ذات منتجات محلية الصنع، تعرض منتجاتها أمام الزائر بغرض تسويقها والخروج نحو العالمية.
العالمية ما تطمح إليه تركيا في الأعوام القادمة بعد عمل مضن في السنوات القليلة الماضية تمكنت من تخطي بعض الحواجز والتخلص من الديون وبناء قاعدة إنتاجية والتطلع إلى العام 2023 حيث تنافس لتصبح من البلدان العشر الأكبر اقتصادًا في العالم.
ولعل أكثر ما تفتخر تركيا به في المعرض هو جناح المعدات الدفاعية والأسلحة التي تعرضها الشركات التركية، وتنوعت من طائرات لدبابات وصواريخ وأسلحة خفيفة وملابس للمقاتلين وأشياء كثيرة أخرى متعلقة بهذا المجال.
اقتصاد متنوع
تسعى الدول للاكتفاء الذاتي من صناعة وزراعة، لما يوفره هذا من قوة واستقرار للدولة وقد شهد المعرض عرض مئات الشركات التركية لمنتجات متنوعة كثيرة، فالمعرض ضم 8 أقسام مختلفة ضمت شركات الغذاء والمشروبات والصناعات الغذائية وشركات الدفاع والأسلحة الخفيفة والثقيلة وما يتعلق بها من ملابس عسكرية وأدوات ومعدات مختلفة، وجناح للماكينات والآلات الصناعية والسيارات ومستلزمات المصانع، وآخر لعرض المنتجات الحرفية وأقسام لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الإغاثية والإنسانية وضم المعرض قسمًا كبيرًا لشركات الإنشاء والتطوير العقاري عرضت فيه آخر مشاريعها العقارية في تركيا.
شهد المعرض إقبالًا عربيًا خجولًا من حيث المشاركة ففي خلال جولة لنون بوست كان هناك فرعًا صغيرًا للجزائر تعرض فيه بعض المنتجات الغذائية المحلية، ومن بين المشاركات العربية التي تلفت النظر هي مشاركة قطر بمساحة كبيرة على خلاف باقي الأفرع التابعة للدول العربية.
وجد في المساحة المخصصة لقطر أشخاص يشرحون الشراكة الفاعلة بين قطر وتركيا وما هي الفرص التي توفرها قطر للمستثمر الأجنبي، ويخلو الفرع من أي منتجات سوى من صور تبين حجم ونوع الشراكة الاستراتيجية التي تربط قطر بتركيا بالإضافة لمقاطع فيديو تعرض مناطق في الدوحة بغرض جذب المستثمرين والسواح إليها.
ويؤكد العلاقة مشاركة قطر من خلال وزير الاقتصاد والتجارة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في افتتاح المعرض لهذا العام إلى جانب رئيس الدولة أردوغان، وصدر بيان من وزارة الاقتصاد في قطر ذكر أن قطر وتركيا تربطهما علاقات متميزة لا سيما في المجال الاقتصادي الذي يشهد نموًا متزايدًا، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 3.8 مليار ريال في العام 2008 إلى 5.2 مليار ريال في العام 2015.
ماذا غاب عن المعرض؟
كانت أقسام التكنولوجيا الحديثة وصناعات القيمة المضافة قليلة نوعًا ما في المعرض، علمًا أن هذه الصناعة مهمة جدًا وتسعى تركيا للدخول في غمارها والمنافسة في أسواقها العالمية من خلال شركاتها المحلية، كالهواتف والحواسيب والبرمجيات والأمور التي تتعلق بالأشياء الإلكترونية.
ندوة عن إثيوبيا
يجري على هامش المعرض ندوات ومحاضرات يعرض فيها أمور تخص بلدان حول العالم وقد تصادف وجود نون بوست في المعرض ندوة حول إثيوبيا والاستثمار فيها بحضور السلك الدبلوماسي في السفارة الإثيوبية في تركيا ورجل الأعمل التركي يوسف آيدنيز المدير التنفيذي لشركة “آيكا” للمنسوجات والملابس وحضر الندوة مجموعة من رجال الأعمال الأتراك والمهتمين بالاستثمار في إثيوبيا.
تناول من قدم المحاضرة نبذة عن إثيوبيا التي تعد ثاني أكبر بلد في إفريقيا من حيث السكان بعد نيجيريا وفي المرتبة العاشرة من حيث المساحة حيث يبلغ عدد السكان نحو 83 مليون نسمة، ونظام الحكم فيها ديمقراطي فيدرالي وتناط في البلاد السلطة التشريعية لمجلس الاتحاد الإثيوبي ومجلس النواب الإثيوبي، وفيها عرقيات مختلفة وتتكلم عدة لغات وتدين بعدة ديانات حيث يشكل المسيحيون منها 66.5% والمسلمون 30.9% وهناك ديانات أخرى.
ولإثيوبيا حضور في العديد من المؤسسات العالمية والإقليمية كالاتحاد الإفريقي ومؤسسة التنمية الدولية ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الإفريقي للتنمية، وفي معرض الحديث عن الاقتصاد الاثيوبي ذُكر في المحاضرة وضع الاقتصاد الإثيوبي، فالناتج المحلي الإجمالي نحو 61 مليار دولار في العام 2015 صعودًا من 17 مليار دولار في العام 1981 ونصيب الفرد من الناتج يقدر بـ590 دولارًا، والزراعة تساهم بما مقداره 46.6% من الناتج المحلي الإجمالي و14.5% من الصناعة و38.9% لقطاع الخدمات ويبلغ متوسط النمو الاقتصادي فيها نحو 9.6%، كما هو مذكور في الكتيب التعريفي لإثيوبيا الموزع على الحاضرين في الندوة.
وتشكل الزراعة 80% من صادرات البلاد وتشغّل 85% من إجمالي حجم القوة العاملة في البلاد ويقدر معدل البطالة 16.8% بين الشباب الإثيوبي، وذكر تيسفاكوريس هيلو مستشار الشؤون الاقتصادية في السفارة أن إثيوبيا في السنوات الماضية شهدت كثافة استثمارات صينية بشكل كبير، حتى دعيت بأنها “صين إفريقيا”، ورحب المستشار بالمستثمرين الأتراك وشدد على الدور التركي في البلاد في السنوات الأخيرة والزيارات التركية الرسمية إلى هناك، ومن ثم تطرق لأنواع الضرائب والرسوم التي تتقاضها الحكومة من المستثمر وحجم المحفزات والدوافع التي تقدمها لهم.
تسهم جمعية الموصياد بنسبة 18% من الناتج القومي الإجمالي لتركيا أي ما يعادل 147.6 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لتركيا
ومن بين أهم المنتجات التي تنتجها إثيوبيا وتصدرها هي القهوة والحبوب والبطاطس وقصب السكر والخضراوات، وثروات معدنية أهمها الذهب، إلا أن القهوة هي المنتج الأكثر شهرة في إثيوبيا وقد تكلم عنها رجل الأعمال التركي المستثمر هناك عندما قال إن القهوة بالنسبة للإثيوبيين أكثر من مجرد منتج يتم إنتاجه وتصديره فهي تمثل حالة فريدة من تمسك الشعب بها واعتبارها هوية البلاد ورمزها.
شركة “آيكا” للملابس والمنسوجات لديها مصنع كبير في إثيوبيا منتجاته مخصصة للتصدير بنسبة 100% ومن بين البلدان التي تصدر لها ألمانيا، كما ذكر آيدينيز وأشاد بحجم الدعم الذي تلقاه من الحكومة الإثيوبية من الإجراءات السهلة وتذليل الصعوبات أمام المستثمر الأجنبي وتوفير كل ما يلزمه، وقال إن ما على المستثمر إلا أن يتوجه لمكتب الحكومة والذي سيعمل هناك على تذليل كل الصعوبات أمامه.
وسأل أحد الحاضرين المدير التنفيذي حول الأجور التي يتقاضاها العمال هناك وعن التدريب والكفاءة التي يتمتع بها العمال قبل البدء في العمل؟! أجاب أن متوسط الأجور تتراوح بين 75 و150 دولارًا وهي رخيصة جدًا مقارنة مع بلدان أخرى ولكنها عادلة وجيدة بالنسبة لظروف البلاد، وذكر أن الحكومة تساعد الشركات في تدريب الموظفين وتأهيلهم للدخول في سوق العمل.
والجدير بالذكر أن جمعية الموصياد تأسست في إسطنبول عام 1990 من قبل مجموعة من رجال الأعمال الأتراك وتضم الآن ما يقرب من 12 ألف رجل أعمال تركي و35 ألف شركة و1.5 مليون عامل ولها 86 مكتبًا تمثيليًا في تركيا.
وتسهم الجمعية بنسبة 18% من الناتج القومي الإجمالي لتركيا أي ما يعادل 147.6 مليار دولار عام 2013 من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لتركيا الذي يلامس 820.2 مليار دولار.
وتضم الجميعة بين جنباتها عدة أقسام منها المعرض والذي يقام مرة كل سنتين منذ العام 1993 مع مؤتمر منتدى الأعمال الدولي، وأنشأت الجمعية مجلس شباب الموصياد ومركز ريادة أعمال الموصياد بهدف تعزيز دور الشباب في قطاع الأعمال وتطوير مساهماتهم وتشجيع ريادة الأعمال.