أعلن المؤتمر الشعبي العام والحوثيون اعتبار مبادرة إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي إلى اليمن، أرضية مناسبة للحوار، بينما تراجع الرئيس اليمني وحكومته عن موقفهم السابق وقبلوا مبادرة المبعوث الأممي الجديد، وكذلك أعلنت الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية دعمهما لها.
غير أن الرئيس هادي المدعوم دوليًا، تراجع مرة أخرى وأعلن عقب اجتماعه مع نائبه الجنرال علي محسن الأحمر ورئيس وزرائه أحمد عبيد بن دغر في الرياض يوم 7 نوفمبر، رفضه للمبادرة الأممية الجديدة جملة وتفصيلًا، واعتبر أن مضمونها “منحرف”.
لا يبدو أن رفض هادي وحكومته أصبح مهمًا الآن لا سيما بعد فوز دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية، ودعم المملكة العربية السعودية وكذلك الإمارات العربية المتحدة الطرفين الفاعلين في “تحالف عاصفة الحزم” التي وصلت لشهرها العشرين دون أن تستطيع أن تحقق نتائجها المعلنة بعودة هادي إلى العاصمة اليمنية صنعاء، والقضاء على التحالف الحوثي الصالحي، وعلى الصواريخ البالستية.
فبعد 20 شهرًا من “العاصفة” لا زال الرئيس هادي منفيًا خارج البلاد، وحكومته تمارس أعمالها تارة من عدن (لا تستطيع البقاء فيها نتيجة للأوضاع الأمنية المتدهورة) ومن ثم تعود سريعًا لتمارس مهامها من الرياض جنبًا إلى جنب مع الرئيس هادي، ولم يستطع تحالف عاصفة الحزم أن يفرق تحالف الحوثي/ صالح، بل إن ذلك زاد من تماسكهما وشكلا مجلسًا سياسًا أعلى في البلاد لإدارة ما أسموه الفراغ السياسي، وكلفوا صالح بت حبتور لتكليف الحكومة منذ شهر تقريبًا، وكذلك لم تقض على الصواريخ البالستية التي ما زالت تصل إلى العمق السعودي آخرها وصول أحدهم إلى مطار جدة المكرة التي زعمت السعودية اعتراضه عندما كان متجهًا إلى مكة المكرمة.
ويوم 9 نوفمبر غادر إسماعيل ولد الشيخ أحمد الرياض، بعد الأخبار التي تداولها أنصار هادي أنه سيلتقيه ويبلغه رفضه للمبادرة، إلا أن ولد الشيخ غادر الرياض ولم يقابله، وهذا يعني أن رأي الحكومة والرئيس (رفض أو قبول) غير ملزم طالما السعودية والإمارات قبلتا وتدعما هذه المبادرة الجديدة.
لماذا رفضت الحكومة؟
اعتبرت الحكومة أن المسودة أو الخارطة التي قدمها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تشرعن “الانقلاب”، وأن مضمونها ونتائجها خاطئة ومنحرفة ، كونها نسيت أو تناست جذر المشكلة وأساسها وهو “الانقلاب” وما ترتب عليه، ولكونها تجاوزت استحقاقات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، وصفتها بأنها تكافئ “الانقلابيين”.
ولخص هادي في كلمته أمام ما قال إنه “لقاءً وطنيًا موسعًا”، أسباب رفضه لتلك المبادرة بعد أن تحدث أنه قدم تنازلت كثيرة من أجل إرساء السلام في اليمن التالي:
– انطلقت من منطلقات خاطئة فكان مضمونها ونتائجها خاطئة ومنحرفة.
– نسيت أو تناست جذر المشكلة وأساسها وهو “الانقلاب” وما ترتب عليه.
– تتعارض تمامًا مع المرجعيات التي أجمع عليها الشعب اليمني.
– تجاوزت استحقاقات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، وتكافئ “الانقلاب” و”الانقلابين”.
– تؤسس لحروب مستدامة وتجاهلت نضال ومقاومة وتضحيات الشعب الرافض للمليشيات.
– لا تلبي طموحات الشعب اليمني في إحلال السلام الدائم والشامل القائم على إنهاء “الانقلاب” واستئناف المسار السياسي بمناقشة مسودة الدستور ثم إجراء الانتخابات.
الرئيس هادي في كلمته كان متناقضًا، حينما قال إنه تنازل عن الكثير بينما في النقاط التي تلخص حديثه، لا تبدو ذلك، فهو يريد التطبيق الحرفي الكامل لقرار مجلس الأمني الدولي الذي جاء إرضاءً لدول مجلس التعاون الخليجي وليس لحل مشكلة سياسية قائمة وفي بلد يقتني أسلحة ضعف عدد سكانه.
المبادرة الجديدة التي أعلن عنها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، حقيقة تمثل أرضية صلبة للنقاش لمن يريد الخير لليمن وشعبها، وليس لمن يريد البقاء في السلطة، فهي تدعو الجميع للتنازل من أجل أن تصل المجاعة في اليمن إلى مراحل متقدمة يصعب على المجتمع الدولي معالجتها، والإصرار على تنفيذ القرار الأممي 2216 التي عجزت عن تنفيذها القوة العسكرية لعشرين شهرًا، لا يدل على أن هناك نية حقيقة للتنازل من أجل إحلال السلام.
أرضية مناسبة للنقاش
في المقابل اعتبر طرفا صنعاء “الحوثيون وصالح”، أن المبادرة مناسبة، وهي أرضية للنقاش خلال المرحلة القادمة، لكنهم انتقدوها لكونها تجاهلت النقاط التالية:
♦ الوحدة اليمنية.
♦ احترام سيادة اليمن واستقلال قراره بعيدًا عن الوصاية الخارجية.
♦ انسحاب القوات الأجنبية.
♦ التصدي لخطر القاعدة وداعش.
♦ رفع اليمن من تحت الفصل السابع وإلغاء العقوبات وإعادة الأعمار والتعويضات، وقضية الأسرى والمفقودين والموضوعين تحت الإقامة الجبرية.
بالإضافة إلى بعض مرجعيات العملية السياسية الانتقالية المتوافق عليها كدستور الجمهورية اليمنية واتفاق السلم والشراكة التي شأنها شأن مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها، ومبدأ التوافق وعدم ذكره في الكثير من القضايا التي تتطلب التوافق.
احتمالية نجاح المبادرة
من خلال رد طرفي صنعاء على مبادرة مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، يبدو أن لديهم لينًا تجاه المباحثات الحالية، ولولا الأزمة الاقتصادية والحصار الاقتصادي عليهم والتضييق واستنزافهم في جبهات عدة في القتال لما كانوا قبلوا هذه المبادرة، واستمروا في مراوغاتهم السابقة.
ولأن المبعوث الأممي لم يرد على حديث أو انتقادات الرئيس هادي واكتفى بلقاء محمد بن سلمان مهندس “عاصفة الحزم” وصاحب اليد الطويلة في المملكة العربية السعودية، وغادر الرياض حتى دون أن يلتقي بالرئيس هادي، فيعني أن هناك رضاء سعودي عن المبادرة لا سيما وأن تعديلات طرأ عليها في المملكة بعد أن سلمها جون كيري إلى ولد الشيخ، وإضافة نقاط مهمة تخدم الجانب الأمني للملكة العربية السعودية وتحافظ على نفوذها في اليمن.
حقيقة المملكة العربية السعودية لن تجد أفضل من هذه المبادرة إذا تم إفشالها، لا سيما وأن مستقبل علاقتها مع دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد متوترة كما تظهر في كثير من تصريحات ترامب في أثناء حملته الانتخابية، فتخشى المملكة من القادم المجهول لها.
فبالتأكيد أنها أصبحت تنظر إلى خسارتها في سوريا عن بعد وبوضوح، بفوز ترامب الذي يتشابه كثيرًا مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين في وجهات النظر بشأن المعارضة السورية، وحربه ضد الإرهاب، وموقفه من الأسد رئيس النظام السوري.
فهي ستحاول أن تخرج من اليمن بماء وجهها، لأن نشوة الانتصار لروسيا وإيران إذا تحقق في سوريا، ومعه حزب الله، والحشد الشعبي في العراق، قد يمتد إلى اليمن، وبمساندة أيضًا ترامب المتيم بشخصية فلادمير بوتين، والخروج بماء وجهها وبكبريائها هي في أحسن الأحوال مبادرة ولد الشيخ الجديدة بخصوص التسوية السياسية في اليمن، وستعمل على المحافظة عليها، لكنها ستماطل أيضًا في إبرامها لمعرفة نوايا “ترامب” حولها.
الخاسرون
بكل تأكيد إن تم تمرير هذه المبادرة، فإن الخاسرين في الحرب اليمنية كثر، أولهم هو الشعب اليمني الذي ضحى كثيرًا، وقتل ما يزيد عن عشرة آلاف يمني غالبيتهم أطفال ونساء وشيوخ، وهدمت مبانيهم، وكذلك وصل غالبيتهم إلى تحت خط الفقر.
وكذلك أدت الحرب في اليمن إلى تشريد ثلاثة ملايين يمني، وأجبرت نحو 200 ألف آخرين للبحث عن مأوى خارج البلاد.
ويأتي في القائمة الثانية الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر وأعضاء حكومته كون المبادرة تستثنيهم من أي اتفاق، وتحث على أن تكون الحكومة توافقية، ومن شارك فيها حتى الوقت الحالي غير متوافق عليهم وبالتالي سيكون هم أول المستبعدين والخاسرين سياسيًا.
الإخوان المسلمون في اليمن، هم ضحية كافة الأطراف، وضحية أنفسهم نتيجة لسياساتهم الدائمة الخاطئة، وعدم تقدير الموقف بشكل أدق.
ففي اليمن يعتبرهم الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام خانوا الوطن، وساندوا الحرب على اليمن، وأعضاء ينتمون إليها وضعوا إحداثيات لطيران التحالف لقصف مواقع تتبع مؤسسات حكومية ومدنية وعسكرية وحوثية، وكذلك المملكة العربية السعودية أدركتهم في قائمة الإرهاب مع حزب الله اللبناني والحوثيين والقاعدة وداعش، فهم غير مرحب بهم لا في الداخل ولا في الخارج ووضعهم حرج جدًا.
الرابحون
أيضًا الرابحون في هذا هم مختلف أطياف الشعب اليمني، كون الحرب ستضع أوزراها، ويتنفس الجميع الصعداء، وتعود الحياة إلى طبيعتها العامة لكنها تشوبها الحذر، نتيجة لتصفية الحسابات التي قد تطرأ بعد انتهاء الحرب.
الرابح في المبادرة الأخيرة التي قدمها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، تعطي أفضلية للحوثيين، وتعترف بهم كمكون أساسي، إضافة إلى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في إعادة تموضعه السياسي بشكل جيد من خلال حزبه المؤتمر الشعبي العام.
المملكة العربية السعودية وهي أحد الرابحين في هذه المبادرة نتيجة لتلك النقاط التي تدعو للحفاظ على أمنها وانسحاب الجيش اليمني من الحدود لمسافة 30 كيلومترًا، وتسليم الصواريخ البالستية وقواعدها لطرف ثالث، تكون هي مشاركة فيها.
الخلاصة
الأعداء السياسيون يتقاتلون من أجل المناصب، لكنهم حتمًا سيتفقون على تقاسمها، ويكون الخاسر في هذه الحرب هم أبناء البلد، لا سيما الفقراء الذين لا يستطيعون الهروب من بطش الطائرات أو عشوائيات المقذوفات، إلى خارج البلاد كما يفعلها الأغنياء والمتيسرون، وكذلك الأحزاب السياسية التي لم تجد اللعبة في مثل هكذا موقف كالإخوان المسلمين.