أكتب تلك الكلمات وأنا في حالة من الحزن ممزوجة بالصدمة لرحيل شخص لم أره أو أعرفه يومًا، لا أستطيع تخيُل أنني لن أراه مرة أخرى على الشاشة في عمل جديد، ولكن كحال أي شخص عربي ربطتنا به جميعًا أعمال وشخصيات عشنا معها وتربينا عليها وتفاعلنا معها، ولا يستطيع أي فنان أن يفعل ذلك إلا إن كان فنانًا بارعًا من الدرجة الأولى.
منذ أن وصلني خبر وفاته، وجدت نفسي في أقل من دقيقة، أتذكر الكيت كات والبرئ والكيف وإعدام ميت والساحر وإبراهيم الأبيض ورأفت الهجان وباب الخلق وأبو هيبة.
قدم الراحل محمود عبد العزيز نحو 95 عملًا فنيًا ما بين أفلام سينمائية ومسلسلات، اشتهر منها بفيلم الحفيد وحتى آخر العمر وشفيقة ومتولي والعار وإبراهيم الأبيض ومسلسل رأفت الهجان.
منذ بداية الثمانينات، قدم الراحل أدوارًا سطرت مشواره الفني، حيث قام بدور الأب في فيلم العذراء والشعر الأبيض وفيلم تزوير في أوراق رسمية، وفي فيلم إعدام ميت قدم شخصيتين مختلفتين، الأولى كانت لعميل لدى المخابرات المصرية والثانية كانت لجاسوس مصري يعمل لصالح الكيان الصهيوني، وشخصيته في فيلم الكيف التي لا تزال إفيهاته الشهيرة نتداولها بيننا حتى يومنا هذا.
كان أبي دومًا يحكي لي ما يحدث في شوارع القاهرة، فكانت تخلو من المارة ويغلب عليها طابع الهدوء خلال عرض مسلسل “رأفت الهجان” والذي كان يروي إحدى القصص من تاريخ المخابرات المصرية، عن جاسوس مصري يتم زرعه داخل المجتمع الإسرائيلي لصالح المخابرات المصرية وكان له دور فعال في الإعداد لحرب الـ6 من أكتوبر عام 1973.
وفي فيلم البرئ، شخصية الضابط “توفيق شركس”، والازدواجية في شخصيته، بين المعتقل حيث تعذيب المعتقلين السياسيين والطيبة واللطف مع ابنته الصغيرة، ففي أحد مشاهد الفيلم رفض أن يشتري لصديقتها لعبة “عسكر وحرامية” وإنما رأى أن الآلة الموسيقية وهي الجيتار ستكون أفضل، والمشهد التالي لعسكري مرور يعنفه بسبب إيقاف سيارته في الممنوع فلم يتعامل معه بحدة أو بعنف.
أما عن “إعدام ميت”، فعادة في الأفلام التي يقوم من خلالها البطل بتجسيد شخصيتين مختلفتين من حيث المضمون تكون صعبة بعض الشيء وأحيانًا غير مقنعة، ولكن مع الساحر محمود عبد العزيز كان الأمر مختلفًا كليًا، في كل مرة كنت أشاهد الفيلم، أحس أنني أشاهد ممثلين مختلفين وليس شخصًا واحدًا، ولكن ببراعته وإحساسه الذي وصلني ووصلنا جميعًا، نجح في توصيل ذلك الإحساس.
“حد له شوق لحاجة؟” كانت تلك الجملة الأولى التي سمعناها من شخصية “عبد الملك زرزور” في فيلم إبراهيم الأبيض، فقد أداها محمود عبد العزيز ببراعة شديدة وتفاعلنا من تلك الشخصية الشريرة خلال أحداث الفيلم، نظراته المخيفة لصبيه عندما قال له “روح هات الكيس يا شيبة”، وتفاعلنا مع تعبيرات ملامحه ونبرة صوته وما كان يطلقه من إفيهات وجمل لا نزال نرددها مثل “الإنسان دعيف” حتى بعد مرور 7 سنوات على عرض الفيلم وكأنه كان يعرض بالأمس.
محمود عبد العزيز كان ضمن قليلين ممن سطروا تاريخ الدراما المصرية، فكان فنانًا متميزًا وبارعًا لأقصى درجة في إتقان الأدوار المختلفة، رحل جسده عنه، ولكن أعماله ستظل ولن ترحل.