خلافًا لكافة التوقعات المحلية والدولية، حقق المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فوزًا ضخمًا باتجاه احتلال الولايات المتحدة، ليس على منافسيه المرشحين وحسب، بل على كارهي ترشحه منذ البداية، باعتبار فوزه صدمة داخلية للبلاد وبمثابة كارثة إرهابية، ستحل على العالم بأجمعه سياسة وأخلاقًا، لكن ورغمًا عن ذلك، وبذريعة التزامهم بمشيئة وإرادة الشعب الأمريكي، فقد انطلقوا فخامات وزعماء وحكام، إلى تقديم أنواعٍ من التهاني والتبريكات، وشفعوها بضرورة العمل معه، وفي ضوء عِلمهم بأن سياسته الخارجية – باتجاههم – ستقود إلى المجهول.
لكن هذا الالتزام، لم يتواجد باتجاه انتخابات لشعوب أخرى، وخاصة الشعب الفلسطيني، عندما شاء اختيار حزب التغيير والإصلاح، عن حركة حماس خلال انتخابات عام 2006، بحجة أنها إرهابية، وبأن الفلسطينيين لا مشيئة لهم، حدث ذلك بعد أن كان العالم نفسه، هو الذي حض الحركة على الانغماس في الحياة السياسية الفلسطينية.
الانتخابات الفلسطينية في 2006
مع العلم أن إرهابية حماس لا تكمن سوى في عدم اعترافها بإسرائيل، وفي مُعارضتها العملية السياسية الجارية لحل الصراع العربي – الإسرائيلي باعتبارها غير عادلة، وهي بعكس إرهابية “ترامب” الذي لا يُعادي جهة واحدة أو اثنتين أو أكثر، بل يُعتبر أمام العالم كله كيانًا متطرفًا، وليس تجنيًا عليه، بل بما يُفضي به من تحريضٍ صارخٍ ضد أطراف مهمة من العالم وفي مقدمتهم العرب والمسلمين.
لقد تميز بمنزلة جدلية واسعة، منذ سنوات ماضية لدى الجمهور الأمريكي، وكانت محفوظة لديه، ولكنها لم تكن محل اهتمامه، كونها لم تكن مؤثرةً تمامًا في الساحة السياسية المحلية أو الدولية، برغم تجاوزه لحدوده في مجالات مالية وأخلاقية أخرى، خاصة تلك التي يتم تداولها داخل مجال عمله، فمجموع آرائه وشبهات الفساد القاتمة، والتي تنضم إلى النوعيات الذي سقط بسببها قادة وسياسيين كبار، وأنزلت أرصدتهم الدولية إلى الحضيض، أصبحت وكأنها هي التي شكلت ضخامة شعبيته.
وبغض النظر عن فضائحه الأدبية والأخلاقية، التي واكبته على مدار حياته، فقد عُرف بتطرفه العميق، منذ ترشحه للرئاسة الأمريكية في انتخابات عام 2000، بصفته عضو في حزب الإصلاح، واشتُهر بتصريحاته المُعقدة والمثيرة للجدل، والتي كانت محط إزعاجٍ واستنكار، وسواء المتعلقة بالعنصرية باتجاه الدول وشعوبها، أو المتعلقة بشأن الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة، أو بتلك التي يُجيز بواسطتها استخدام السلاح النووي ومن غير سابق إنذار، أو المتصلة بالمواقف الخارجية الغريبة بالنسبة لقضايا الدول، خاصة تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
فعلاوةً على اعترافه بتناسق أفكاره مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فقد تيسر له إعطاء إسرائيل الحق المطلق بفلسطين، وسعي إلى فكرة شطب القضية الفلسطينية، بواسطة ترحيل الفلسطينيين إلى جزيرة (بورتوريكو)، وتركهم يعتاشون بهدوء، بدلًا من مكوثهم في المساجد (اللعينة)، باعتبارها هي من تدفعهم إلى قتل الإسرائيليين الأبرياء.
كمية رضا إسرائيل اللامتناهية، هي (اللافتة)، والتي لا يهمها فيما إذا كان ترامب فاسدًا أو عدوًا للأمم والشعوب، بقدر ما يهمها مواقفه الصارخة لصالحها والمؤيدة بدون أدنى تردد، لأي عملٍ تقوم به ضد الفلسطينيين، وفي ضوء أنها تسكن في قلبه ووجدانه، وهي بذلك تناقض بعضها، حيث تقوم بتجنيد دبلوماسيتها وآلاتها الضاغطة باتجاه الدول بعمومها – تقريبًا -، وسواء صغيرة أم قوية، للحيلولة دون وصول مناوئين لها إلى سدة الحكم.
على سبيل المثال، كانت قد سارعت إلى قطع علاقاتها مع الجمهورية النمساوية، والطلب من الدول الصديقة والحليفة لها، بفعل الشيء نفسه، وذلك في أعقاب فشلها، للحيلولة دون فوز حزب الحرية اليميني والذي كان يقوده جورج هيدر بالانتخابات النيابية عام 2000، ودخوله الائتلاف الحكومي النمساوي، بعد اعتراضها على أيديولوجية الحزب باعتبارها تتصل بالنازية، كما عملت على هزيمة الحزب نفسه مرة أخرى، من الوصول إلى سدة الحكم بزعامة نوربرت هوفر في الانتخابات الأخيرة مايو 2016، وحالت بذلك دون أن تصبح النمسا، أول دولة في الاتحاد الأوروبي، تختار رئيسًا من اليمين باعتباره متطرفًا.
كان من المفروض على قادة المجتمع الدولي، وبالاستناد إلى المظاهرات التي لا تزال تعُم أنحاءً من الولايات المتحدة، احتجاجًا على نتيجة الانتخابات، أن يقفوا صفًا واحدًا ضد تولي ترامب رئاسة الدولة، وبالطريقة التي وقفوا بها ضد الفلسطينيين، بدل اشتراكهم في المسابقة إلى تقديم التهاني والتمنيات القلبية الخالصة له، كي يَصْدُقوا مع أنفسهم أولًا، وكي نضطر إلى الاعتراف، بأن المجتمع الدولي الذي يُمسكون بتلابيبه، هو مجتمعًا عادلًا.