يؤمن كميل منصور، البروفسور سابقا في جامعة السوربون والمستشار في فريق منظمة التحرير الفلسطينية والمفكر والمخضرم الفلسطيني والخبير القانوني، بأنه على باراك أوباما أن يستخدم ما تبقى له من أشهر في البيت الأبيض من أجل ضمان توصّل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى حل للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقال المستشار للمونيتر “والآن وبعد تحرره من الأغلال السياسية الانتخابية، يمكنه السماح لفلسطين الالتحاق بالأمم المتحدة كدولة تحت الاحتلال”.
بحسب منصور، بإمكان أوباما إنجاز عدد من الأهداف بمثل هذه القرارات. وقال “يمكنها أن تكون هدية أوباما للسلام في الشرق الأوسط قبل أن يغادر مكتبه يوم 20 كانون الثاني/ يناير”. وأضاف “لديه القدرة على استخدام صلاحياته الشخصية كممثل في الأمم المتحدة لدعم أو الامتناع عن التصويت عن الحل الذي لو مرر من قبل مجلس الأمن فلا يمكن الرجوع فيه، حتى خليفته دونالد ترامب لن يتمكن من فعل ذلك”.
ناقش فكرة منصور، حول قرار مجلس الأمن منع الاستيطان، العديد من النقاد. وقد ذكر منصور أن “بعض القرارات المتعلقة بالدولتين لا يمكن إبطالها”. وقال إن “فكرة قرار مجلس الأمن المتعلق بالاستيطان أو هيكلة الحل المستقبلي، يمكن للرئيس المنتخب أن يتراجع فيها؛ باستثناء قرار الاعتراف بالدولة”. وقد أفاد أنه “إذا مرر هذا القرار من قبل الأمم المتحدة فإنه يصعب إبطاله، وذلك لأن الدولة ستكتسب شرعية دولية”.
وجدير بالذكر أن إسرائيل رفضت أن تكون عضوا في مؤتمر السلام الدولي الذي دعت له فرنسا. وفي يوم 7 تشرين الثاني/ نوفمبر قال يعقوب ناغيل، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي بالنيابة الموفد الفرنسي، بيار فيمونت، إن “إسرائيل لن تشارك في أي مؤتمر دولي، باعتبار أنها منتديات لإملاء الأوامر. بل صرحت إسرائيل إنها تريد حديثا مباشرا مع الفلسطينيين”.
يبدو أن المراقبين السياسيين الفلسطينيين والدوليين قلقين حول تجاهل الرئيس المنتخب للشرق الأوسط أو أن يتخذ على النقيض قرارات عكسية متطرفة؛ مثل توعده أثناء الحملة الانتخابية بنقل سفارة بلاده من تل الربيع إلى القدس. بينما أدانت الحكومة الفلسطينية إثر جلسة لمجلس الوزراء بقيادة رئيس وزرائها رامي حمد الله يوم 27 أيلول/ سبتمبر تصريح ترامب هذا.
ولكن على ما يبدو أن مسئولي الحكومة الفلسطينية قد قبلوا بالأمر الواقع، بعد أن رحب محمود عباس بانتخاب ترامب يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر وقال إنه يأمل “في تحقيق سلام شامل خلال عهدته”.
كما أكد صائب عريقات، أمين منظمة التحرير الفلسطينية، مجددا ضرورة التزام القائد الجديد للولايات المتحدة بحل الدولتين، وقال “نأمل أن تترجم الإدارة الجديدة كلامها إلى واقع ملموس لأن السلام والأمن والاستقرار في المنطقة لن يحدث إلا إذا هُزم الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967”.
في الأثناء دعت حماس الرئيس الجديد لإعادة النظر في سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، وقالت الحركة في تصريح نشر يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر “تواصل معاناة الفلسطينية سببه انحياز الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل”.
بينما يعتقد البعض أن قرار جدلي مثل هذا لن يكون من السهل على باراك أوباما اتخاذه على الرغم من تحرره من أغلال الانتخابات. بل هناك من المشككين الذين يعتقدون أنه يفتقد الشجاعة اللازمة لاتخاذ مثل هذه القرارات.
من بين ثلاث خيارات، فإن الاعتراف بفلسطين سيكون الأقسى، وسيكون التنديد بسياسة الاستيطان الأخف وطأة. بالنظر إلى الخيار الثالث، فإن إسرائيل وترامب المعروف بأنه من أنصار إسرائيل، يرسلون إشارات إلى أوباما بالتخلي عن أي نوع من هذه الأفعال في الأمم المتحدة.
على الرغم من أن ترامب لن يمكنه إبطال الاعتراف إذا صادق عليه مجلس الأمن، إلا أن أنصار إسرائيل في الكونغرس يمكن في هذه الحالة معاقبة فلسطين من خلال سحب الدعم المالي وحرمان الحكومة منه. كما أن منع الاستيطان لا قيمة له بعد جلوس ترامب في البيت الأبيض.
ناصر ترامب لفترة طويلة حل الدولتين، ولكن مسئولي الجناح اليميني في إسرائيل يؤمنون أن نجاح ترامب تزامن معه دفن حل الدولتين. غير أن السماح بالتصويت لصالح دولة فلسطينية ستكون خطوة صغيرة في مسيرة ترجمة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا مطلب ملح جدا بالنظر للدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل في العشر سنوات الماضية، والذي كانت حصيلته 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية لحماية إسرائيل بترسانة عسكرية حديثة وضخمة. لذلك من المهم وقبل تسليم السلطة لترامب أن يعيد أوباما النظر في ما ترك وراءه وأن يمنح للشعب الفلسطيني رغبته في التصويت من أجل دولة فلسطينية.
ليس من المفاجئ أن تنعدم اللقاءات بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو وجها لوجه حول صراعات الشرق الأوسط أو حول اتفاق النووي الإيراني. فقرار إيجابي لصالح الدولة الفلسطينية سيكون قرارا نحو السلام وردا على اليمين الإسرائيلي المعارض لتدخل أوباما في سياسات الولايات المتحدة، خاصة تلك المتعلقة بإيران. وستكون مناسبة لتحسين صورته ليس فقط في أعين الفلسطينيين ولكن أيضا لدى رافعي راية التقدم في الولايات المتحدة وحول العالم.
فالتقدم مرتبط بالتمسك بدعم حقوق الفلسطينيين، وخاصة حقهم في أن تكون لهم دولة. تمرير مثل هذا القرار في مجلس الأمن سيترك تركة تقدمية لأوباما وسيساعد في تحسين محاولاته الوصول إلى تسوية للصراع في الشرق الأوسط خلال سنوات حكمه الثمانية.
المصدر: المونيتور