ترجمة حفصة جودة
في هذه الأيام انتشرت الوحدة بشكل كبير في مجال علم النفس، وأصبحت محورًا للعديد من الدراسات والمقالات والمحادثات، حتى إنك تتمنى أن يختفي جميع الباحثين، ليتسنى لك الحصول على بعض الوقت لنفسك، لكنك ربما تعلم أن الشعور بالوحدة أمر قاتل ويرتبط بأمراض القلب والأرق والاكتئاب، كما يعتبر مؤشرًا أفضل من السمنة للموت المبكر.
لكن الجديد في أمر الوحدة هو أنه ينبغي علينا أن نرحب بجرعات صغيرة منها، فقد قال عالم النفس الألماني مايك لوهمان: “طالما أننا نقوم بما ينبغي علينا القيام به من التواصل مع الناس، فالوحدة أمر جيد”، “إنها إشارة في الأنظمة النفسية إلى أن هناك شيء خاطئ، فهي نظام إنذار بيولوجي تطور عبر مئات السنين لتنبيهنا عند الوصول إلى مستويات خطيرة من العزلة”، وصحيح أن العزلة ليست خطيرة اليوم، فالأشخاص الوحيدون لن يموتوا من الجوع أو يتم التهامهم مثلما حدث للأشخاص الوحيدين في العصور البدائية ما قبل التاريخ، لكن لماذا تؤلمنا الوحدة بهذا القدر؟
تم استقبال هذه الفكرة بقدر من الاستغراب، الشعور بالوحدة أمر جيد! والمدهش أننا دائمًا ما نتصور عكس ذلك، لكن لماذا تطورت الاستجابة للعزلة إذا لم تكن تخدم بعض الأهداف؟ فكما تقول الكاتبة النفسية ميليسا دال، يمكننا أن نقول الشيء ذاته عن الملل، فهو ينبهنا إلى أن حياتنا تحتاج إلى مزيد من المعنى، وكذلك القلق فهو يساعدنا على الاستعداد للتهديدات المحتملة، يصبح ذلك واضحًا إذا وضعنا في الاعتبار الألم الجسدي، فهذا الخفقان داخلنا ليس أمرًا لطيفًا، لكنه “شيء جيد” إذا كان يحفزنا للذهاب إلى الطبيب ومعالجة السبب، ففي لغة البرمجة الألم ليس عيبًا لكنه ميزة.
إذا كنا نميل إلى مقاومة التفكير في مشاعرنا بهذه الطريقة – كجرس إنذار – فربما لأنه يبدو وكأننا نتهرب من المسؤولية، فعندما تخبر الأشخاص الوحيدين أنه ينبغي عليهم الخروج كثيرًا، فهذا يبدو وكأنك تحملهم مسؤولية شعورهم بالوحدة.
فمثلاً، بعض أشكال الاكتئاب تعتبر استجابة منطقية لموقف سيء ينبغي أن تتعامل معه، فربما حان الوقت لقطع العلاقة من أحدهم، أو مواجهة صراع داخلي، لكننا لا نفضل أن نسمع ذلك، وإلقاء اللوم على “اختلال التوازن الكيميائي” أمر أقل صعوبة، فنحن تعامل مع الاكتئاب كأنه مرض، بينما من الأفضل في كثير من الأحيان أن نتعامل معه كأحد الأعراض.
التطور السيء في ذلك هو أن الوحدة مثل الاكتئاب قد تصبح أمرًا مزمنًا، وحينها نبدأ في حلقة مفرغة، حيث ترى أن المجتمع المحيط بك عدوًا لك، فهم يجعلونك تشعر بالسوء، لذا تقوم بالرد على الآخرين بطريقة غير ودية، أو تتجنب الاتصال تمامًا (كان هذا هو نظام الإنذار الخاص بك: ففي العصر الحجري ساعد ذلك الأشخاص المنعزلين على الانتباه للتهديدات، لكن ليس أكثر من ذلك.
هذا النوع من الوحدة، يتطلب استجابة بارعة، حيث ينبغي عليك أن تصغي لجرس التنبيه مع عدم الالتفات للأفكار المتصاعدة التي تخبرك أن تنسحب بعيدًا، ينبغي أن تصل إلى ذلك حتى لو لم تجده أمرًا جذابًا، ومرة أخرى بالقياس مع الألم الجسدي أمر مفيد، فالجراحة نادرًا ما تكون جذابة، لكنها في بعض الأوقات تكون هي الحل الوحيد المناسب تمامًا.
المصدر: الغادريان