غادرت بعثة صندوق النقد الدولي تونس في الـ10 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في زيارة دامت لـ12 يومًا في سياق مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه بين الحكومة التونسية وصندوق النقد بغرض تقديم قروض لتونس، وظهر كلام لبعثة الصندوق عن خبراء اقتصاد في تونس أن البعثة أوصت الحكومة بتعويم الدينار كحل لمواجهة الأزمة المالية في البلاد.
تونس على خطى مصر
أشارت مصادر إعلامية أن الحكومة التونسية تدرس توصيات بعثة صندوق النقد للحكومة بتعويم الدينار كما فعلت السلطات المصرية بتحرير الجنيه المصري، بذريعة أن القرار سيكون لصالح جذب المزيد من الاستثمارات ونمو الاقتصاد.
يُذكر أن المالية العمومية في تونس تعاني من نقص في الموارد المالية في ظل تزايد الإقبال على العملة الأجنبية لاستيراد السلع مقابل تراجع الصادرات التونسية.
وأكد الخبير الاقتصادي التونسي مراد الحطاب أن الدينار سيخضع لمنظومة التعويم وفق ما أكدته تقارير دولية وقدرته الشرائية ستنهار إلى ما لا يقل عن 30%، أما القدرة الشرائية ستتراجع إلى نحو 40% بسبب ارتفاع الأسعار.
يشهد الدينار التونسي تراجعًا كبيرًا منذ اندلاع الثورة في نهاية العام 2010 حيث تقف أسعار الصرف لكل واحد دولار عند 2.26 دينار تونسي.
يربط مراقبون التراجع في سعر صرف الدينار بالمناخ السياسي غير المستقر في تونس منذ ما يقرب من خمس سنوات، والذي عكس بشكل أو بآخر ظروفًا أخرى أدت لاستنزاف خزينة البنك المركزي أبرزها ارتفاع الواردات وقلة الصادرات واستنزاف احتياطي النقد الأجنبي.
بعد اندلاع الثورة باتت الحكومة مثقلة بمصاريف جديدة لمقابلة المطالب الاجتماعية من طبقة العمال والمتضررين من النظام السابق، كما واجهت الحكومة مشكلة كبيرة تتمثل بأهم قطاع حيوي في الاقتصاد التونسي وهو إنتاج وتصدير الفوسفات الذي يعد المورد الأهم للخزينة من العملة الأجنبية حيث شهد التصدير تراجعًا كبيرًا في الفترة الماضية لأسباب كثيرة أهمها توقف الإنتاج بسبب إضرابات العمال المتكررة.
كما تواجه الحكومة التونسية عجزًا متواصلًا في الميزان التجاري، فحسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء شهد التبادل التجاري مع الخارج انخفاضًا في مجموع الصادرات بـ3.3% وارتفاعًا في الواردات بـ5.7% خلال الأشهر الأربع الأولى من العام الحالي 2016، حيث سجلت البلاد عجزًا تجاريًا قُدر بـ120 مليون دينار العام الماضي 2015.
ومن جملة الأسباب الأخرى التي تسببت في تراجع سعر صرف الدينار إغلاق الشركات التي تُخصص منتجاتها للتصدير وتراجع المواد الطبيعية والصناعية وسوء الأحوال المناخية الذي يؤدي لتراجع المحاصيل الفلاحية المعدة للتصدير، بالإضافة إلى ضعف موسم السياحة بسبب التفجيرات التي حدثت خلال الأعوام الماضية والتي أدت لشلل في قطاع السياحة وإغلاق شركات وفنادق سياحية كثيرة، كل هذه الأمور تؤثر سلبًا في الاحتياطي الوطني من العملات الأجنبية، وتلزم الحكومة التونسية بالتفكير في الاقتراض من المؤسسات الدولية.
انخفاض أعداد السياح الأجانب في تونس بسبب الاضطرابات الأمنية أدى لانخفاض احتياطي النقد الأجنبي
إضافة إلى ارتفاع قيمة الأموال المحوّلة لخارج تونس من طرف الشركات الأجنبية والمحلية التي تعمل على شراء السلع والمواد الأولية والاستهلاكية بواسطة العملة الصعبة الأمر الذي استنزف خزينة العملات الأجنبية، فكل عمليات التوريد تتم عبر البنك المركزي التونسي الذي يعطي حق السحب ودفع المبالغ بالعملات الأجنبية لشركات التوريد حسب قانون الصرف المحلي في تونس.
شهد التبادل التجاري التونسي مع الخارج انخفاضًا في مجموع الصادرات بـ3.3% وارتفاعًا في الواردات بـ5.7% خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2016
وزاد الأمر سوءًا سحب المودعين في تونس ودائعهم من المصارف المحلية بالعملات الأجنبية، ومنح المركزي التونسي عملة صعبة لشركات التوريد لتوريد المنتجات من الخارج في ظل ارتفاع الطلب على السلع المستوردة بسبب رداءة المنتجات المحلية وانعدامها في أوقات أخرى.
أضرت الأحداث الأمنية والتقلبات السياسية والاجتماعية بمناخ الاستثمار والأعمال في البلاد ونفر المستثمر الأجنبي في البداية وجعل الحكومة التونسية تسعى جاهدة لإيجاد حلول لجذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع المستثمرين لفتح المشاريع في تونس في مختلف المجالات.
الخلاصة أن تفكير الحكومة التونسية في تعويم الدينار التونسي ناجم عن تدهور كل ما سبق، على أنه لا يجب مقارنة التجربة التونسية بالتجرية المصرية فكلاهمًا في ظروف مختلفة تمامًا.
اتخاذ الحكومة التونسية خطوة تعويم الدينار في الوقت الحالي يعد برأي مراقبين تعريض الاقتصاد التونسي لصدمة كبيرة بتطبيق إصلاحات صندوق النقد الدولي في الوقت الذي تملك الحكومة بدائل تستعيض بها عن التعويم، والتي تدور في فلك إعادة الثقة بالاقتصاد المحلي في أعين المستثمرين الأجانب من خلال منع الإضرابات والاكتفاء الذاتي في الزراعة بغرض تخفيض التوريد ورفع الصادرات من الفوسفات والمواد المصنعة محليًا، ومن ثم وقف توريد الكماليات والأشياء الفاخرة ومحاربة الفساد والسرقة والرشوة وتشديد العقوبات على المهربين وتجار العملة وإعطاء الاهتمام في الموازنة لبنود الموازنة الاستثمارية أكثر من بنود الإنفاق الجاري.