صدم كثيرون لانتخاب دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الجديد، كما تناقلت ذلك قصاصات الأخبار بقناة الجزيرة وغيرها من المنابر التي تنقل الكلم ولا تحرفه عن مواضعه، ولعل كثيرًا من أنظمتنا هزها الهلع كذلك، فتحسب ألف حساب لمن يملك زمام الأمور بالبيت الأبيض وتسارع إلى المباركة أيًا كان الاسم، بما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية ولغة المجاملات، نظرًا لما تتخبط فيه هي، وبما يجعلها أسيرة القرار الأمريكي السيد، الفساد والاستبداد الذي ينخرها يجعلها مفعولاً بها، مذعورة أيهم أشد عليها رحمة ويضمن العلاقات ويزكي الوضع الحالي الجاري بها ويتغافل عما يقع من تجاوزات واختلالات.
هذا الاهتمام المتزايد لأنظمتنا بالاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا صانعة الإرهاب في العالم “القاعدة ثم داعش ولا ندري ماذا سيخرج بعد هذا”، لم يكن لسواد عيون واشنطن، بل لهو خوف وطمع، يخفي وراءه الكثير من الجبن والتخلف.
لم يفكر أحدهم يومًا، لماذا لا نتحول من موقع المترقب العبد المتسول والمستجدي إلى مرتبة الفاعل الدولي الأساسي في الرقعة العالمية، يقلب الأحداث ويؤثر فيها وله صوت مسموع بالأمم المتحدة؟
لماذا لا ينتقل العرب بكل ما يمكلونه من مقدرات ومكانة وتاريخ ومن شعوب وذكاء ودهاء، من وضع متأزم مبني على الحكم الفردي، إلى ما وصلته البشرية والإنسانية من الاختيار وتدويل القرار وتبادل الأدوار؟
ألا زال العرب قاصرين عن النضج وصناعة مجتمعات مدنية حديثة متطورة متعلمة كبيرة، حيث تعود القاهرة وبغداد والرباط، تعطي النموذج وتقود العالم يومًا؟
عربنا ومسؤولونا معرضون للابتزاز الدولي في كل مرة، يعطون المقابل لكي تستمر الجريمة في حق شعوبهم، وليبقوا هم على كرسي السلطة، للأبد بالبلد ولا حسد، حتى وإن كان أحدهم فوق كرسي متحرك، أو لا يكاد يحرك رأسه، أو تجاوز على رأس السلطة السنوات الطوال، حتى بدت تجاعيد الزمان على وجهه، فترى الشركات العابرة للقارات وتحت مسميات الاستثمار ورؤوس الأموال تنزل من فوق لتمتص ثروات الوطن دون وهن.
ما يقع بمصر أو سوريا أو اليمن، ومحرقة العراق، ومآسي لبنان الذي بالكاد يختار رئيسه، لا تعادل جزءًا من المئة مما يقع بأمريكا من اختلاف بشأن الأصلح والطريق السالك لسياسات أمريكية معروفة، مقنعة بالكثير من المساحيق، ترامب وكلينتون وجهان لعملة واحدة، أحسنهما مر، ونرهن نحن كعرب مستقبلنا بهم لخوارنا وعجزنا وينحصر النقاش أيهما أنسب وأقرب؟
نجحوا هم فيما أطلقوا عليه “ديمقراطية”، وكنا نسميه زمانًا “شورى”، طوابير طويلة لصناعة الصندوق ومشاركة فاعلة، ثم خطابات حية قريبة من الجمهور، ينزل الرئيس إلى شعبه ويحس بنبضه ويلبي انتظاراته ويعكس الطموحات الكبيرة في الريادة والسيادة.
ومما يثير العجب أن دويلاتنا تخطب ود أمريكا ليل نهار لكنها لا تحذو حذوها، وهي الكاتمة على أنفاس شعوبها قهرًا وقسرًا وجبرًا، لا تفكر كيف يمكنها يومًا ما أن يصير العكس؟
فإذا استطعنا اليوم وغدًا، أن نشمر على ساعد الجد لنلحق بالركب، لما احتجنا أن نخصص كل قاعات القنوات ونحول أنظار أقطارنا المترهلة إلى نيويورك وأخواتها الأخريات، حيث يطمح كثير من شبابنا للحلم بالسفر إلى هناك، وانتظار الحظ في قرعة قد تنقله من النكد والكبد إلى حيث العيش الرغد وأحسن بلد.
أزمة الحكم في بلداننا العربية والأنظمة الوراثية الجبرية مسألة لا يمكن القفز عليها لأنها المفتاح الأول للنهوض، معضلة تتفرع عنها كل المشاكل والمساوئ وتجعل من العرب أضحوكة المنتديات، حين يتحدثون عن الانتخابات والديمقراطية والكرامة والحرية وحقوق الإنسان في بلدانهم، وعين الفيسبوك فتحت العالم، فتكاد تجد في جيب كل مواطن قناة رقمية متنقلة “عبر تقنية اللايف المجانية”، فهل لا زال المنطق الإعلامي التقليدي قادرًا على حجب الحقيقة أو تسويق الخطاب الرسمي لدولنا في ظل هذا الانفجار التقني القادم الهائل؟