منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 2013، والعلاقات بين حركة المقاومة الإسلامة “حماس” والقاهرة غارقة في نفق مظلم، تخللها نوبات من المد والجذر، ما بين التراشق السياسي والإعلامي من جانب، والاتهامات المتبادلة من جانب آخر، وتصيد سقطات كل طرف للآخر من جانب ثالث، دفع ثمنها الملايين من أهل غزة.
وبعد قطيعة دامت قرابة ثلاث سنوات، تلوح في الأفق بوادر انفراجة للأزمة، وصفحة جديدة في العلاقات بين القاهرة وحماس، جسدتها بعض الشواهد التي تعكس تخلي كل طرف عن عناده في مواجهة الطرف الآخر، فضلًا عن تغير لغة الحوار بين الجانبين، ما دفع البعض للتنبؤ بمرحلة جديدة في العلاقات المصرية الغزاوية، فما ملامح تغير السياسة الخارجية للقاهرة تجاه حماس والعكس؟
حماس تبدي حسن النوايا
لم تكن تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار بشأن اعتقال الحركة لخلية إرهابية داخل قطاع غزة كانت تخطط لتنفيذ هجوم على الجيش المصري، من قبيل المصادفة أو استعراض قدرات الحركة المخابراتية، قدر ما هي مغازلة واضحة للقاهرة لإعادة النظر في رؤيتها لحماس كمنظمة إرهابية، خاصة بعد الإجهاد الذي تعرضت له حماس منذ تضييق الخناق عليها من الجانب المصري.
تأكيد الزهار على وجود جماعات متشددة فى غزة لها علاقة بالأمن الإسرائيلى والسلطة الفلسطينية حاولت تنفيذ هجمات ضد الجيش المصري، وهجمات وهمية ضد إسرائيل للزج باسم حماس في أي عملية تخريبية في المنطقة، موضحًا أن الحركة ألقت القبض بالفعل على بعض العناصر المتشددة التي لا تنتمي لأي حركة معروفة، حيث كانوا يخططون لتهديد أمن مصر، محاولة صريحة لتبرئة ساحة حركة المقاومة من أي تهم وجهت إليها بشأن استهدافها لبعض عناصر الجيش المصري في سيناء.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في تصريحاته لإحدى الصحف، أكد على أن الحركة ليست معادية لمصر وإنما لإسرائيل، ولكن هناك عناصر متشددة في غزة لها فكر معادٍ للقاهرة، يتم التعامل معها بالحوار
حديث الزهار وإن شكك البعض فيه، إلا أنه يتوافق مع ما ذكره موقع “المصدر الإسرائيلي” في 15 أكتوبر من أن “حماس” أحبطت هجومًا خططت له خلية إرهابية في غزة من 4 عناصر ضد الجيش المصري، كانت ستستخدم خلاله أسلحة كلاشينكوف، لكنها لم تتدرب بشكل كافٍ، واعتقلتها قوات الأمن في غزة، ويجري التحقيق معها لمعرفة علاقتها بتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في تصريحاته لإحدى الصحف المصرية أكد على أن الحركة ليست معادية لمصر وإنما لإسرائيل، ولكن هناك عناصر متشددة في غزة لها فكر معادٍ للقاهرة، يتم التعامل معها بالحوار، وإن لم يُبدوا حسن نية يتم التعامل معهم بالرصاص، مشيرًا إلى أن هناك أشخاص بالقطاع يشكلون خلايا وهمية لتهديد الجيش المصري من داخل القطاع، ويتم دعمهم من السلطة الفلسطينية حتى يحدثوا بلبلة بين الحركة ومصر، مثل خلية القيادي في حركة فتح توفيق الطيراوي، التي تم القبض عليها منذ عدة أشهر بعد تهديدهم الجيش المصري، وهو ما اعترفت به العناصر خلال التحقيقات.
وفي السياق نفسه، أكدت بعض المصادر داخل الحركة عن وجود اتصالات عديدة مع مسؤولين مصريين، تهدف إلى إعادة العلاقات بين الجانبين، بما يخدم الشعب الفلسطيني، مع التأكيد على الدور التاريخي المصري تجاه القضية الفلسطينية، وكان هناك اقتراح من الحركة أخيرًا بإرسال وفد من قيادة حماس إلى مصر كبادرة حسن نية من الحركة تجاه القاهرة، مع وجود مؤشرات إيجابية من مصر تجاه حماس.
القاهرة ترحب
في المقابل تخلت القاهرة عن عنادها المعهود طيلة السنوات الثلاث الأخيرة تجاه حماس، مبدية بعض المرونة في علاقتها بالحركة على عكس المعتاد، حيث جسدت بعض الشواهد حرص النظام المصري على عدم تصعيد الأمور مع الجانب الغزاوي لأسباب عدة سيأتي ذكرها لاحقًا.
المرونة التي أبدتها مصر ترحيبًا بمبادرة حماس نحو فتح صفحة جديدة في العلاقات تجسدت في بعض الشواهد، أهمها، تسهيلات في عبور الفلسطينين عبر معبر رفح منذ 16 من أكتوبر الماضي، شملت سفر الطلاب والمرضى وأصحاب الإقامات خارج غزة، وسافر بين 16 إلى 23 أكتوبر 4 آلاف مسافر من غزة، على عكس ما كان عليه الوضع سابقًا.
كما أفرجت مصر في 19 من أكتوبر الماضي عن 7 حجاج فلسطينيين من غزة، أوقفتهم في الـ24 من سبتمبر بعد عودتهم من السعودية عقب أدائهم فريضة الحج، لاتهامهم بحيازة مواد ممنوعة، لم يتم الإفصاح عنها، وذلك بعد اتصالات بين أعضاء من حركة حماس والجانب المصري.
المرونة التي أبدتها مصر ترحيبًا بمبادرة حماس نحو فتح صفحة جديدة في العلاقات تجسدت في بعض الشواهد، أهمها، تسهيلات في عبور الفلسطينين عبر معبر رفح منذ 16 من أكتوبر
وفي 30 أكتوبر نظمت مصر مؤتمرًا اقتصاديًا بمنطقة العين السخنة بمحافظة السويس، شرق القاهرة، استمر يومين كاملين، شارك فيه ما يقرب من مئة رجل أعمال من قطاع غزة، تناول سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين القاهرة والقطاع، وبحث إمكانية قيام منطقة تجارة حرة بين الجانبين.
نكاية في عباس
الخبراء والمحللون تعاملوا مع شواهد التقارب بين القاهرة وحماس كونها التقاء مصالح لا أكثر، مرجحين أن الخلافات العقدية والأيديولوجية بين الجانبين كبيرة، ولا يمكن حلها بهذه الطريقة، لكن المصالح المشتركة بين الطرفين هي اللاعب الأساسي في فتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما.
من جانبه يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة “النجاح” ورئيس المركز المعاصر للدراسات وتحليل السياسات رائد نعيرات: إن التقارب التدريجي بين حماس ومصر يمكن اعتباره نكاية من مصر في الرئيس الفلسطيني محمود عباس للضغط عليه وإجباره على التجاوب مع مطالب مصر بمصالحته مع خصمه اللدود محمد دحلان وتهيئته لخلافته، كما سيأتي ذكره لاحقًا.
نعيرات راهن على الأيام القادمة في توضيح ما إذا كان التقارب بين حماس ومصر تكتيكي أم استراتيجي، لأنه مرتبط بمدى تحقق مصالحهما المتبادلة بفتح معبر رفح بصورة دائمة، وحفظ أمن سيناء من جهة غزة، مشيرًا إلى التزامن بين الخطوات التي تقوم بها القاهرة تجاه غزة وبين تراجع علاقتها برام الله، وزيادة حدة التوتر مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن.
التقارب التدريجي بين حماس ومصر يمكن اعتباره نكاية من مصر باتجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس للضغط عليه وإجباره على التجاوب مع مطالب مصر بمصالحته مع خصمه اللدود محمد دحلان
ومن ثم على حماس إدراك أن تغير السياسة المصرية تجاهها ليس حبًا في سواد عيونها، بل لأن القاهرة لا تسعى لخوض معركتين في آن واحد، فهي تريد تحييد الحركة في مواجهتها ضد أبو مازن، خاصة بعد الأنباء التي تشير إلى إعداد القاهرة والرياض ودبي وعمان لمحمد دحلان لخلافة الرئيس الفلسطيني الحالي.
دحلان.. كلمة السر
من الواضح أن كلمة السر في استئناف العلاقات بين القاهرة وحماس، هو القيادي الفتحاوي محمد دحلان، والمقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان السبب الرئيسي في تعكير الأجواء بين الرئيس أبو مازن واللجنة الرباعية العربية والمكونة من السعودية ومصر والإمارات والأردن.
الرباعية العربية سعت إلى تقريب وجهات النظر بين دحلان والسلطة الفلسطينية، حيث اعتبرته الأخيرة تدخلاً واضحًا في شؤونها الداخلية، ورفضته بشكل قاطع، ما تسبب في زيادة حدة التوتر في العلاقات بين الجانبين، وهو ما دفع الدول العربية الساعية إلى فرض دحلان بالقوة إلى ممارسة ضغوطها بأي طريقة، حتى ولو كان عن طريق المصالحة مع حماس.
أما فيما يتعلق بالأهداف التي يسعى دحلان لتحقيقها من وراء التصالح مع حماس، يرى الدكتور عدنان أبو عامر المحاضر بالجامعة الإسلامية في فلسطين، أن دحلان يريد بكل ثمن العودة إلى الأراضي الفلسطينية لتأسيس موطئ قدم سياسي له ليتحرك مع أنصاره وكوادره للتأسيس للمرحلة القادمة، “فاستمرار وجوده خارج الأراضي الفلسطينية نقطة ضعف بحقه”، على حد قوله.
وأضاف أبو عامر “طالما أن الضفة عليها فيتو من أبو مازن يمنعه من دخولها، مع إمكانية تقديمه لمحاكمة قانونية وقضائية بتهم فساد وقتل فلسطينيين، فهو يرى أن غزة تشكل منطلقًا مهمًا له للعودة إلى الضفة، خاصة في ظل امتلاكه قاعدة فتحاوية كبيرة فيها”.
دحلان يريد بكل ثمن العودة إلى الأراضي الفلسطينية، لتأسيس موطئ قدم سياسي له ليتحرك مع أنصاره وكوادره للتأسيس للمرحلة القادمة، “فاستمرار وجوده خارج الأراضي الفلسطينية نقطة ضعف بحقه”
وفي المقابل ترى حماس أن تقريب وجهات النظر مع القاهرة بالرغم من الخلافات الكبيرة بينهما يرجع إلى انسداد الأفق أمامها، وانعدام الخيارات خاصة بعد غلق المعابر وتشديد الحصار الصهيوني المصري عليها.
الحركة ترى أن قبول دحلان على أراضيها يسمح لها برصيد لدى القاهرة يهيئها إلى تحقيق بعض المكاسب، في مقدمتها فتح معبر رفح، وإقامة علاقات اقتصادية كاملة مع الجانب المصري، مستغلة العلاقات القوية بين دحلان وبعض الدول العربية القادرة على دعم غزة، وانتشال سكانها من المأزق الاقتصادي الراهن.
وفي سياق آخر، تسعى حماس من خلال تقاربها مع القاهرة إلى استفزاز أبو مازن ودفعه باتجاه دفع استحقاقات المصالحة الشاملة، وهو ما عبر عنه الرئيس الفلسطيني أكثر من مرة مؤخرًا.
ماذا عن إسرائيل؟
فرض التقارب المصري الحمساوي نفسه على مائدة الحوار الإسرائيلي، حيث سادت حالة من القلق الشارع الصهيوني، إلا أنه لم يصدر حتى الآن أي بيانات تعبر عن هذا القلق، وهو ما ذهب إليه الكاتب آفي يسسخروف محلل الشؤون العربية بموقع “walla” الإسرائيلي في مقال له نشر مؤخرًا.
الكاتب الإسرائيلي أشار إلى أن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي غير موقفه تجاه حركة المقاومة الإسلامية حماس بقطاع غزة، على خلفية الصعوبات التي تواجهه في الحرب على التنظيمات المتطرفة بسيناء، مضيفًا أنه بعد ثلاث سنوت ونصف من التوتر بين القاهرة وغزة، يتضح مؤخرًا حدوث تغير في الموقف المصري تجاه حماس وتحسن في العلاقات، حيث فتحت مصر في الشهر الأخير معبر رفح بين القطاع وسيناء لأيام كثيرة مقارنة بشهور سابقة، غيرت موقفها من السكان المحليين الذين يمرون بالمعبر وأعلنت أنها سوف تدرس سلسلة من المشاريع الاقتصادية تسمح بتحسن الأحوال الاقتصادية في غزة وسيناء، إضافة إلى خروج وفود اقتصادية خلال الأسبوعين الماضيين من قطاع غزة إلى مصر لمناقشة تلك المشاريع، كما تدرس القاهرة بما في ذلك إمكانية إنشاء منطقة تجارة حرة في رفح بين القطاع وشبه جزيرة سيناء، وستسمح منطقة كهذه لكل تاجر غزاوي بشراء السلع من الجانب المصري، بشكل يختلف عما يجري اليوم، حيث يُسمح لعدد قليل جدًا من التجار الغزاويين بشراء البضائع من إسرائيل.
رغبة القاهرة في القضاء على العناصر المتطرفة في سيناء، دفعها إلى التعاون مع حماس، وفتح صفحة جديدة معها لمحاربة هذه التنظيمات الإرهابية
آفي يسسخروف ألمح إلى دور محمد دحلان في التوسط بين القاهرة وحماس، ملفتًا إلى دخول “جليلة” زوجة دحلان مؤخرًا لقطاع غزة مرة أخرى، هذه المرة عن طريق معبر رفح، وخرجت من هناك مع الوفد الاقتصادي، كذلك تتزايد كمية البضائع المصرية التي تدخل من معبر رفح لغزة بشكل مطرد.
المحلل الإسرائيلي دفع إلى أن رغبة القاهرة في القضاء على العناصر المتطرفة في سيناء، دفعها إلى التعاون مع حماس، وفتح صفحة جديدة معها لمحاربة هذه التنظيمات الإرهابية، وهو ما استقبلته الحركة بحزمة من الاعتقالات للعناصر المتطرفة التي تكن عداءً للقاهرة، ما اعتبرته الأخيرة بادرة طيبة نحو تحسين العلاقات والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
واختتم الكاتب مقاله بأنه من المبكر جدًا الحكم على طبيعة هذا التقارب، ومدى قناعة القاهرة بأن حماس هي شريكها الحقيقي القادر على القضاء على الإرهاب في سيناء، فيما تنظر بعض التيارات داخل حركة المقاومة إلى هذا التقارب بترقب وحذر، لما يمكن أن تسفر عنه الأيام القادمة.
حالة الانقسام التي من المتوقع أن يشهدها الشارع المصري حيال إعادة النظر في العلاقات مع حماس، ستنعكس بصورة أو بأخرى على الخطاب الإعلامي والسياسي على حد سواء، فهل نرى تقاربًا حقيقيًا بين القاهرة وغزة خلال الفترة المقبلة بالرغم من الخلافات الأيديولوجية بينهما؟ وما تنعكاسات هذا التقارب على العلاقات مع الكيان الصهيوني؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.