لم يكن رفض الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي استلام خطة المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلا لأنه علم أو توقع ما تحويه من بنود يعتبرها مخلة بشرعية رئاسته التي أكدها مجلس الأمن الدولي، حيث تحوي الخطة – التي تم تسريبها – بنود تتحدث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وانسحاب الحوثيين وحلفائهم من صنعاء والمدن الأخرى، وتسليم الأسلحة لجهة ثالثة “…”، وهو ما ورد نصا في تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في أغسطس الماضي خلال لقاء اللجنة الرباعية مع مسئولي بريطانيا والسعودية والإمارات.
جدل وتظاهرات
لكن بالخطة هناك إضافات أثارت الجدل بين مؤيدي الحكومة الشرعية، حتى أن مظاهرات عدة خرجت بمدينة تعز التي يسيطر عليها الحوثيون لرفض الخطة، حيث يركز النص على إقالة الرئيس هادي نائبه علي محسن الأحمر، وتعيين خلف له، وبعد استكمال انسحاب الحوثيين وتسليم الأسلحة، ينقل هادي سلطاته إلى نائبه الجديد، الذي يعين رئيسا جديدا للوزراء، ويشكل حكومة وحدة وطنية، وتلتزم حكومة الوحدة الجديدة بسياسة احترام حدودها الدولية، وتمنع استخدام الأراضي اليمنية لتصدير الأسلحة القادمة من أطراف ثالثة، بهدف تهديد المياه الدولية أو أمن جيران اليمن.. وهكذا يبقى الرئيس رئيسا .. لكن شكليا فقط.
خطة مفخخة
في حال افترضنا جدلا أن هادي سيوافق عن التخلي عن الرئاسة .. فهل يرضى الحوثيون.. بالطبع لا، فالمسألة في اليمن ليست صراعا على كرسي الحكم، فقد قتل قرابة العشرة آلاف شخص في النزاع، وبدأت أزمة إنسانية طاحنة منذ انقلاب الحوثيين والاستيلاء على العاصمة، والسطو على مخازن الأسلحة الثقيلة التابعة للجيش، ما يعني أن هذه الخطة ليست للتطبيق، فأمريكا تعلم أنها لن تكون مقبولة من الطرفين، وهي تريد ذريعة لاستمرار الحرب، بأن تدعي بأن اليمنيين هم من رفضوا الحل وهي تريد السلام، لأن حل الأزمة اليمنية ليس في صالحها، فهي تريد بيع المزيد من السلاح و استمرار استنزاف الخليج، وهي بتلك الخطة تريد أن يستمر اليمنيون في الحرب ولا شيء آخر.
ككل خطط السلام.. ما هي المرجعية أو بالأحرى كيف تفسرها أطراف النزاع ؟
إجابتنا هنا ستكون موزعة بين الحكومة الشرعية، والحوثيين وصالح، والطرف الإماراتي والسعودي كأطراف فاعلة في الأزمة الحالية باليمن.
فطريقة تعاطي كل الأطراف الأربعة مع الخطة تشي بأنها لا تتحرك بجدية باتجاه حل الأزمة، والتوصل إلى إتفاق سلام ينهي الحرب الدائرة في اليمن، فحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، نفت على لسان رئيسها أحمد عبيد بن دغر، تسلمها هذه الخطة من حيث الأساس، وهو أمر مناف للواقع، حيث اطلع هادي على بنودها قبل أن يرفض تسلٌّمها من فريق ولد الشيخ الموجود في العاصمة السعودية، وسارع هادي للاجتماع بنائبه ومستشاريه ووزراء حكومته، والخروج بموقف يؤكد “التمسك الكامل بالثوابت الوطنية ومرجعيات السلام ممثلة بالمبادرة الخليجية، وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216، أما الطرف الآخر المتمثل في المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحركة أنصار الله الحوثية، فقد أبديا تحفظهما علنا على الخطة، لكن حقيقة تسريبها من قبل طرف مقرب منهما أوحى وكأنهما مرتاحان لعودة خطة ولد الشيخ إلى مقترحات مبادرة كيري التي تستجيب لأهم مطلب لهما، وهو تشكيل سلطة توافقة أولاً، قبل الشروع في تنفيذ ترتيبات الانسحابات، وتسليم الأسلحة الثقيلة.
هذا عن الداخل اليمني، ماذا عن اللاعبين الإقليميين الفاعلين في الأزمة، الإمارات قالت إنها ” تدعم جهود المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، مدركة أن مهمة الوسيط دائماً ما تكون صعبة، وخطة الطريق تمثل حلاً سياسياً للأزمة اليمنية”، وهو تصريح غير مفهوم ما إذا كانت تؤيد أو ترفض الفكرة، أما الرد الأغرب فجاء من الجانب السعودي الذي التزم الصمت تماما.!!
تأجيج الصراع
برأي المراقبين تعد الخطة وصفة مدمرة لليمن، فإذا كان الحوثيون هم من يقرر من يحكم البلاد، فكيف يمكن أن يسلموا أسلحتهم؟ بل على العكس من ذلك ستسهل تلك الخطة الاستحواذ على السلطة من قبل مليشيا الحوثي وصالح، وربما تظهر مليشيات أخرى في أنحاء اليمن، وهذه الخطة جاءت وكأنها تعاقب الحكومة الشرعية، وتكافئ الانقلابيين، وتعتبر بما لا يدع مجالا للشك نسخة معاكسة للمبادرة الخليجية، ومن شأنها إعادة الحكم إلى الدولة العميقة، ولا توجد ضمانات حقيقية لتنفيذها على الأرض، فمن يضمن إذا استقال الرئيس هادي ونائبه، تسليم الحوثيين أسلحتهم، وسحب مليشياتهم من صنعاء، وعدم انزلاق اليمن لحرب مليشيات تؤسس لحرب جديدة؟ هنا لابد من وجود ضمانات دولية.
رؤية أخرى ترى ان الولايات المتحدة تعلم تماما أن طلب الخطة من الرئيس هادي التخلي عن منصبه إجراء لن يقبل به، رغم أن يده ضعيفة في اللعبة، والحوثيين وداعمتهم إيران والقبائل هم من يسيطرون على الأرض، بمعنى أن ما يجري بالبلاد الآن نوعا من التأجيج للصراع وليس حله.
الخلاصة
جميعنا يعلم أن مفتاح الحل لهذا الصراع لم يعد بأيدي اليمنيين وحدهم، ولكنه بات كذلك بيد دول التحالف الذي تقوده السعودية من جهة، وإيران الظهير السياسي الاستراتيجي للحوثيين من جهة أخرى.
صراع الرياض – طهران
منطقيا لن تقبل الرياض بأية تسوية سياسية لا توفر لها على المدى البعيد – شريكاً مقبولاً على حدودها الجنوبية، تضمن من خلاله دوراً واضحاً في المستقبل السياسي لليمن، وأن تتكفل بتحييد ترسانة الصواريخ البالستية لدى الحوثيين.
وعلى الجانب الآخر تقف إيران مستعدة للانقضاص على أي فرصة تسنح لها بالتواجد بالمنطقة، ولعب دورها الإقليمي الذي بداته بالعراق ثم سوريا وقبلهما لبنان، والآن جاء الدور على اليمن، .. وحتى لا نكون كمن يدفن رأسه بالرمال، علينا الإقرار بأن “الإيرانيين هم وحدهم من يستطع جلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، وإقناعهم بقبول حل سياسي”.