بدأت جمهورية مصر العربية بأخذ منحنى جديد في التعامل مع قطاع غزة وسكانه المحاصرين للعام العاشر على التوالي، فشهدنا خلال الفترة الأخيرة خطوات عملية من النظام المصري قد تُساهم بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع غزة التي شهدت فتورًا وتصعيدًا طول المرحلة السابقة.
الخطوات المصرية تجاه غزة بدأت من خلال دعوات وجهتها القاهرة لرجال أعمال وشخصيات مستقلة ودينية فلسطينية، لعقد لقاءات حوارية في العين السخنة لمناقشة هموم غزة ومشاكلها ووضع تصورات للخروج من الأزمات التي يعيشها مليونا فلسطيني، وكذلك التطور الملحوظ على آلية عمل معبر رفح وفتحه المستمر، حيث كان هذا المعبر يغلق أبوابه في وجه الفلسطينيين طول العام.
الكثير من المراقبين والمحللين وحتى السياسيين، ربطوا تطور العلاقة المصرية مع غزة، بالخلافات القائمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفلسطيني محمود عباس، على خلفية ملف محمد دحلان، لكن هذا الأمر لا يهم الفلسطينيين كثيرًا بقدر حاجتهم لفتح معبر رفح وإدخال المواد الغذائية والأساسية للقطاع وتحسين العلاقة مع مصر وتحسين أوضاع غزة التي تتدهور وتتفاقم يومًا بعد اليوم بفعل الحصار.
الرؤية المصرية وذكاء حماس
حركة حماس والتي تسيطر فعليًا على قطاع غزة، استقبلت الخطوات المصرية بإيجابية للغاية، وتعاملت مع الموقف المصري بذكاء كبير، فحين صرح عضو المكتب السياسي للحركة الدكتور خليل الحية: “هناك رؤية مصرية جديدة تجاه غزة، ونحن ندعمها وسنتعامل معها”، تصدرت هذه التصريحات الصحف المصرية، في رسالة لبدء مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
وهنا أطلق القيادي الآخر في حركة حماس، الدكتور إسماعيل رضوان، رسائل إيجابية تجاه مصر، فأكد أن حركته معنية بإنجاح الرؤية المصرية لتخفيف الحصار عن قطاع غزة، داعيًا السلطات المصرية لفتح المعبر بشكل دائم ومتواصل قائلًا: “حماس معنية بعلاقات إيجابية وطبيعية ومتوازنة مع الجانب المصري لصالح الشعبين وقضيتنا، وحريصون على أمن واستقرار مصر وتطوير هذه العلاقة بما يخدم القضية الفلسطينية”.
وأضاف “الأوضاع اليوم بين مصر وحماس أفضل مما سبق، ونأمل أن تتطور هذه الأجواء بالحالة الإيجابية التي يتركز عليها دعم القضية الفلسطينية وتحقيق المصالحة الوطنية وفتح المعبر بشكل كامل، وصولًا إلى التخفيف عن شعبنا”، مشيرًا إلى أن قنوات الاتصال بين حماس ومصر لم تنقطع البتة وأن هذه الاتصالات تأتي في إطار الترتيبات لاستجابة مصر في التخفيف عن غزة، كما شكر مصر على فتحها المعبر بشكل دوري.
فتح صفحة جديدة
دبلوماسي مصري رفيع المستوى يعمل بوزارة الخارجية كشف حصريًا لـ “نون بوست”، أن بلاده تتطلع إلى تحسين العلاقة مع سكان قطاع غزة وحركة حماس خلال الفترة المقبلة، وقال: “مصر لن تتخلى عن دورها في مساعدة الفلسطينيين وخاصة سكان قطاع غزة، وهناك رؤية مصرية جديدة وضعت لحلحلة بعض الجمود السياسي والاقتصادي بين غزة والقاهرة”.
ورفض المسؤول المصري الكشف عن تفاصيل الرؤية المصرية الجديدة، إلا أنه أكد أنه سيتم التعامل بها قريبًا وستعود بفائدة كبيرة على سكان غزة المحاصرين، وذكر أن هناك تحركات مصرية بالتعاون مع بعض الأطراف لإنشاء منطقة صناعية حرة على حدود غزة، لتشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية وتحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، مشيرًا إلى أن تلك الخطوة هي الأولى وسنشهد خلال الفترة المقبلة خطوات أكثر ايجابية تجاه غزة.
مراسل “نون بوست” كشف نقلًا عن مسؤول فلسطيني رفيع المستوى ممن شاركوا بمؤتمر “العين السخنة 2 ” الأخير، أن مصر وضعت رؤية للتعامل مع غزة، وستركز بشكل أساسي في مرحلتها الأولى على دعوة الشخصيات الفلسطينية ورجال الدين والأعمال، لعقد لقاءات في القاهرة والبحث عن مخارج من أزمات غزة.
وأضاف: “هذه المرحلة مرتبطة بالوضع الاقتصادي للقطاع، وفتح معبر رفح البري، وإقامة منطقة تجارية حرة على الحدود الفاصلة بين غزة ومصر، وتبادل تجاري بين غزة والقاهرة قد يصل سنويًا لـ3 مليار دولار”.
وذكر أن المرحلة الثانية سياسية من خلال دعوة الفصائل والقوى الفلسطينية من ضمنهم حركة حماس لزيارة القاهرة والمناقشة في سبل تحقيق المصالحة الداخلية وتحقيق الوحدة ضمن رؤية مصرية جديدة، بعيدًا عن الرئيس محمود عباس.
وعلم مراسل “نون بوست” أن وفدًا رفيع المستوى من حركة الجهاد الإسلامي سيتوجه إلى العاصمة المصرية نهاية شهر نوفمبر الحاليّ، للقاء المسؤولين المصريين، لبحث الأوضاع في قطاع غزة ومعبر رفح، إضافة للمبادرة التي أطلقها الأمين العام للحركة رمضان شلح وتحتوي على 10 نقاط لمعالجة الوضع الفلسطيني القائم.
وقبل أيام كشف نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة، بأن قيادة الحركة قد تلقت دعوة رسمية لزيارة القاهرة قريبًا لمناقشة المبادرة ومجمل الوضع الفلسطيني، منوهًا إلى وجود انفراجة مهمة في الموقف المصري تجاه قطاع غزة ونأمل أن ينعكس إيجابًا بفتح معبر رفح وإنهاء الحصار.
وأطلق شلح مبادرة من 10 نقاط، لتفادي المأزق الفلسطيني الراهن، ولإعادة القضية الفلسطينية إلى محورها الرئيسي، في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، وتتضمن المبادرة إعلان الرئيس عباس إلغاء اتفاق “أوسلو”، وأن تعلن منظمة التحرير سحب الاعتراف بإسرائيل وأن يعاد بناء منظمة التحرير، وكذلك إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، وصياغة برنامج وطني جديد وموحد، وإعداد استراتيجية جديدة شاملة على قاعدة التحلل من اتفاق “أوسلو”، بما ينهي وجود سلطتين وكيانين في غزة ورام الله، وينهي حالة الصدام القائمة بين برنامجين، أحدهما متمسك بالمقاومة ورافض للاحتلال والآخر يجرم المقاومة ويلاحقها بالشراكة مع الاحتلال والتنسيق الأمني، حسب المبادرة.
ماذا يجري في رام الله؟
وفي وقت غريب وبعيدًا عن وسائل الإعلام، وفتح باب التساؤلات واسعًا، زار وفد مصري رفيع المستوى يترأسه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، مقر المقاطعة في مدينة رام الله، وأجروا لقاءً سريًا وغامضَا مع الرئيس عباس، ناقشوا فيه الكثير من الملفات الهامة وأبرزها خلافة عباس ودحلان، ووضع السلطة وفتح، وعلاقة عباس بالدول العربية، الأمر الذي أثار غضب عباس من الوفد العربي.
وعلى ضوء تلك التطورات يرى المحلل السياسي عبد الستار قاسم، أن زيارة الوفد العربي لرام الله، تحمل الكثير من الرسائل إلى الرئيس عباس، الذي لا يزال يرفض الرغبة العربية بعودة دحلان إلى المشهد السياسي الفلسطيني.
وقال: “العرب جاؤوا لتخيير عباس، إما بقاء الغطاء السياسي والاقتصادي العربي للسلطة الفلسطينية والاستمرار بالتعامل معها كسلطة شرعية، أو الانقلاب على كل هذه المفاهيم وإظهار القصور الذي تعاني منه السلطة في التعامل مع المشاكل الفلسطينية وأبرزها مشكلة حركة فتح الداخلية ومشكلة الانقسام الفلسطيني المستمر”.
وبيّن أن الوفد العربي يريد من عباس المضي نحو مصالحة مع دحلان، لاعتبار دحلان الشخصية الأنسب لتولي رئاسة السلطة عقب عباس، مشيرًا إلى أن دوافع العرب وخاصة مصر والأردن نحو هذه المصالحة تأتي في إطار التخوف من انفلات أمور السلطة بعد رحيل عباس الأمر الذي سيؤثر سلبًا وبشكل مباشر على هذه الدول التي تجمعها حدود مشتركة مع الأراضي الفلسطينية.
وأوضح قاسم أن الوفد العربي يريد من الرئيس عباس اتخاذ الإجراءات التي تتناسب مع تفكير الدول العربية المحيطة بالأراضي الفلسطينية وخاصة مصر والأردن، وبما يضمن مصلحتها من الناحية السياسية والأمنية، مضيفًا: “تعنت عباس بعدم المصالحة مع دحلان يزعج الدول العربية، وهذا قد يؤثر سلبًا على علاقة السلطة الفلسطينية بالدول العربية، الأمر الذي يجعل السلطة وحيدة في مواجهة (إسرائيل) في المحافل الدولية”.