ليست باريس هذه المرة، وليست الولايات المتحدة الأمريكية كالعادة، ولا مقر الأمم المتحدة أيضًا، بل مراكش في المغرب، حيث تُعقد أهم قمم المناخ لهذا العام، يجتمع فيها قادة العالم والممثلون عنهم من مختلف الدول وكذلك خبراء البيئة والتغيرات المناخية، المهندسون والعلماء والفيزيائيون وكذلك السياسيون يتواجدون هذه المرة في مراكش لحضور أكبر مؤتمر عن التغير البيئي، وهو واحد من ضمن مؤتمرات مناقشة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيير المناخ، وذلك في المنتدى السنوي السابع (COP 22) الذي بدأ في السابع من شهر نوفمبر الحاليّ ويمتد لأسبوعين متتالين.
قمة تغيير المناخ من باريس إلى مراكش
يحضر المؤتمر ممثلون عن الحكومة المغربية، وكذلك المؤسسات التجارية الكبرى وشركات الهندسة، لتبني المشاريع التي سيحث المؤتمر على العمل عليها، كما تحضره المؤسسات غير الحكومية وغير الربحية، بالإضافة إلى مؤسسات العمل المدني، حيث ينتظر الجميع ما سيؤول إليه الموتمر الضخم من نتائج من الممكن أن تعم على المغرب بإثراء في المشاريع البيئية لتحسين المناخ.
يُعد اتفاق قمة المناخ تتويج عمل دام لعقود، حيث لم يكن الأول من نوعه، فكانت هناك محاولة أخرى منذ عامين في بيرو وأخرى قد باءت بالفشل عام 2009 في كوبنهاجن، أما بالنسبة لأحدثهم، فقد صرح البيت الأبيض عقب عقد اتقاقية الحد من الانبعاثات الحرارية التي وافقت عليها 195 دولة من أعضاء الأمم المتحدة في العام الماضي، بأن ذلك اليوم هو يوم تاريخي للعالم أجمع، يحتفل فيه بتوقيع تلك الاتفاقية الطموحة لإجراء تغيير في المناخ العالمي، أما الآن فالكل مترقب لما قد يحمله مؤتمر تغيير المناخ المعقود في المغرب العربي.
ليست تلك المرة الأولي لعقد قمة للتغير المناخي في دولة إفريقية، فكان المؤتمر السابع للأمم المتحدة في المغرب أيضًا، كما كان في جنوب إفريقيا في عام 2011، إلا أن المؤتمر الحاليّ يُعد من أهم الأحداث العالمية الخاصة بالمناخ العالمي، فهو أول المؤتمرات التطبيقية فيما يعقب اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بتغيير المناخ الموافق عليها في العام الماضي، حيث تبدأ الأمم المتحدة في تطبيق بنود الاتفاقية حول دول العالم بإقامتها لقمم مصغرة للقمة السابقة في أكثر من دولة، ليتم البدء هذه المرة في مراكش، ليتدفق على المغرب الساسة والمندوبون من أغلب دول العالم الموقعة على الاتفاقية.
من أهم التطبيقات التي يعمد مؤتمر كوب 22 على العمل عليها:
1- تعزيز إجراءات الحد من الانبعاثات الحرارية والتكيف على بنود الاتفاقية فعليًا على أرض الواقع من قبل جميع الأطراف المتفقة على الاتفاقية السابقة بحلول عام 2020.
2- دعم الجهود المحلية التي تسهم في تعزيز الجهود المبذولة لتطبيق بنود الاتفاقية على المستوى الدولي.
3- متابعة تعاون الدول الموقعة على الاتفاقية ومقارنة جهودها بجدول العمل المكثف الموضوع من قبل الأمم المتحدة في العام الماضي.
4- جمع التمويل اللازم للمشروعات المستقبلية قبل عام 2020، مع الحرص على المشاركة التكنولوجية بين الدول عن طريق تبادل الخبرات والمعلومات التكنولوجية الخاصة بالبيئة.
لماذا يُعد “كوب 22” شديد الأهمية بالنسبة لإفريقيا؟
على الرغم من احتواء القارة الإفريقية على خيرات العالم من المعادن والثروات الطبيعية، إلا أنها أكثر الأماكن في العالم تعرضًا للجفاف والنقص الحاد في الاكتفاء الذاتي من الطعام، هذا ما أثر على قدرة عديد من البلاد فيها على الإنتاج الزراعي، وتسبب في نقص الدخل القومي بنسبة تصل إلى 4.5% في بعض البلاد.
وتتوقع الإحصائيات المرفقة في المؤتمر انتشار الأزمات والصراعات المستمرة على المياه في القارة الإفريقية، فيما يُعد تهديدًا حقيقيًا لإفريقيا بحلول عام 2030، لذا فإن تطبيق بنود اتفاقية المناخ التي أقرتها الأمم المتحدة العام الماضي شديد الأهمية بالنسبة لإفريقيا أولًا.
يبدو أن الشباب المغربي ليس سعيدًا كما تسعد الحكومة باستقبال المغرب للمؤتمر، حيث تعجب الشباب المغربي من حق المغرب في استقبال حدث كهذا في بحث عن العدالة البيئية متجاهلاً تمامًا العدالة الاجتماعية، وذلك عقب الغضب الشعبي بعد مقتل “محسن فكري” الشاب المغربي الذي تداولت وسائل الإعلام حادث مقتله طحنًا في شاحنة نفايات، بعد ما قام رجال الشرطة برمي أسماكه في شاحنة نفايات بحجة أن السمك الذي اصطاده ممنوع بيعه، ما دفع الشاب إلى إلقاء نفسه في الشاحنة احتجاجًا على مصادرة سلعته لتطحنه الشاحنة كما تطحن النفايات.
هاشتاج #ضد كوب22 أو #AntiCOP22
“مرحبًا بكم في كوب 22، نحن نطحن الناس هنا”، تلك كانت إحدى اللافتات التي حملتها إحدى المتظاهرات في المسيرات التي حشدها الشباب المغربي بعد مقتل محسن فكري، لم يتوقف الأمر عند مقتل الشاب المغربي فحسب، بل امتد لتسليط الضوء على الظلم المجتمعي الذي تستخدم فيه الحكومة المغربية البيئة لظلم فئات معينة من الشعب المغربي، فكانت حملة “ضد كوب 22”.
المشاريع صديقة البيئة عدوة الإنسان
على الرغم من أن المشاريع التي يتم مناقشتها بالنسبة للمغرب في مؤتمر الأمم المتحدة تبدو صديقة، إلا أنها في الواقع، تهدف إلى تهجير السكان الأصليين من أراضيهم!
“إنه تغيير نظامي، وليس تغييرًا مناخيًا” كانت تلك شهادة أحد المشتركين في قافلة “ضد كوب 22” المتجهة للقرى المغربية لتسليط الضوء على سلبيات كوب 22 على البسطاء الذين تتجاهلهم الحكومة في أثناء احتفالها بالمؤتمر، حيث قامت القافلة بزيارة لقرية “صافي”، ليرى بنفسه إلقاء المصانع لنفايتها على ساحل المطل على القرية، حيث كان ذلك الساحل مكانًا لكثير من الصيادين في يوم من الأيام قبل احتلال المصانع مكانهم، وتلويثهم له بنفاياتهم.
300 كيلومتر مربع جنوب كوب 22
هناك على بعد 300 كيلومتر مربع من مراكش، تكون قرية “إيميضر”، أو في سياق آخر أكبر مصدر للفضة في القارة الإفريقية، قامت قافلة “كوب 22” بزيارة القرية والتحدث لسكانها الأصليين من الأمازيع، وتسليط الضوء على مشكلاتهم الخاصة بالبيئة، وكيف من الممكن أن يتأثروا سلبًا من كوب 22 المقام على بعد 300 كم منهم.
فيلم “إيميضر تتحدث أيضًا” يبين التأثر البيئي السلبي من شركات التعدين في منجم الفضة في “إيميضر”، حيث لا يرى سكانها الأصليين الحل في المؤتمرات والخطابات، ولا يرون الحل في وعود الأنظمة الكاذبة، ولا يصدقون أن كوب 22 سيأتي لهم بالعدالة الاجتماعية التي يحلمون بها منذ عقود.
مناجم أخذت منا ما أعطته لنا هذه الأرض
لن ينتظر أهل قرية “إيميضر” أن يؤثر عليهم كوب 22 سلبًا، فهم بالفعل في نضال مستمر مع شركات التعدين التي اتخذت القرية موقعًا لمصانعهم وماكيناتهم، حيث بيّن سكان القرية للقافلة تأثر المياه التي تصل إلى بيوتهم وتلوثها بسبب استخراج شركات المعادن للفضة، فقد قاموا من قبل بأخذ موقف في عام 2011 بعدما قامت شركات استخراج المعادن بغلق الصمامات الخارجية لإمدادات القرية بالمياه واستغلالها في المناجم الخاصة بالتعدين، لتقل نسبة المياه التي تصل إلى سكان القرية من الإمدادات بنسبة 48%، إلا أنه منذ ذلك الحين، لم تتدخل الحكومة لتوفير المياه التي كانت تصل إليهم من قبل، ولا إيجاد حل وسط يرضيهم ويرضي شركات التعدين.
لا يقتصر الأمر على قلة المياه فحسب، بل تم اكتشاف مواد سامة في تربة القرية مثل الزرنيخ والكوبالت والكادميوم من قبل اتحاد الصحافيين الاستقصائيين المغاربة، حيث تتخطى نسب تلك المواد في التربة النسب العالمية المحددة كما هو موضح في الرسم التوضيحي التالي.
يزور المنجم مشاركون في مؤتمر كوب 22 كذلك، إلا أن وجود علاقة وثيقة بين امتلاك العائلة المالكة للمنجم يفسر عدم استفادة أهل القرية اقتصاديًا من المنجم حيث لا يتم من الأساس توظيف موظفين من السكان المحليين فيه، وهذا يفسر تأثرهم السلبي فقط من وجوده على الرغم من أن العكس هو المفترض أن يكون.
يستخدم شباب القافلة هاشتاج #300KmSouth لكشف ما يحدث في “إيميضر”، حيث يرعى “كوب 22” في مراكش مالك المنجم الذي يسبب ظلمًا اجتماعيًا مستمرًا لأهل قرية “إيميضر” من الأمازيغ المغاربة منذ عام 2011، ويرى الشباب المغربي المشارك في حملة التضامن مع قرية “إيميضر” بأن كوب 22 ما هو إلا حدث إعلامي يساعد النظام على طلاء جرائمه بلون أخضر، فهل ستصبح العدالة البيئية أهم من العدالة الاجتماعية في المغرب بعد انتهاء كوب 22؟