في البداية سنحدد ثلاثة أطر للسياسة التي سيقوم بها الرئيس الجديد لأمريكا، فالأولى السياسة العامة للمؤسسات الأمريكية والتي تجبر ترامب أن يتحرك ضمنها، والثانية هي سياسة ترامب الخاصة (وفريق عمله) التي تعطيها له مجالس الديموقراطية في أمريكا، والسياسة المختلطة التي قد يكون فيها تمازج بين النقطتين المذكورتين، وهذه النقاط ستؤثر على كل سياساته الداخلية والخارجية.
ومن الأنسب لتركيا انتهاج سياسة الانتظار/ الفعل مقابل تلك السياسات الثلاثة، حتى تتضح ماهية السياسة العملية التي سيشرع بها دونالد ترامب في رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية، بالتالي فمن المؤكد أن تركيا ستباشر بعض الأعمال التي ستحدد فيما بعد خارطة العلاقات التركية – الأمريكية، والتي من أبرزها – بالنسبة لتركيا – قضية تسليم فتح الله كولن الضالع في انقلاب 15 تموز الفاشل، وقضايا مشاركة تفريخات تنظيم PKK في سوريا ضمن درع الفرات، وكذلك ذات التنظيم السابق في العراق ضمن معركة تحرير الموصل، فستنتهج فيها مفاوضات، وسياسة أمر واقع لتحددها، بالإضافة إلى تصنيف هذه العملية ضمن السياسة العامة الأمريكية، التي قد يؤثر فيها النهج الجديد لترامب.
إن أبرز ما نفهمه من خطابات الدعاية الانتخابية لترامب هو تركيزه كسلفه على إنهاء تنظيم داعش، وهذا أمر بديهي، ولكن هل سيكون جادًا بهذه القضية أم سيقوم باستغلال هذا التنظيم – كما يتم مع تنظيم PKK وفروعه – لصالح استهلاك الأطراف الإقليمية، ومن ثم سيهيئ البيئة اللازمة لداعش بأن يأتي لنا خليفة آخر، أو تنظيم آخر على شاكلته؟! ويمكن اعتبار مسألة استغلال التنظيمات الإرهابية للاستنزاف من مسلمات سياسة الإدارة الأمريكية غالبًا.
وبالنظر إلى الاتحاد الأوروبي، فإن شكل علاقة ترامب معه سيؤثر بشكل واضح على قضية انضمام تركيا لهذا الاتحاد، فكلما كانت سياسته عنيفة مع الاتحاد، كانت العلاقة أفضل بين الاتحاد وتركيا، وقد لا نذهب للقول الذي يؤدي بهذه العلاقة الجيدة بين تركيا والاتحاد – المبنية على عنف ترامب معه -، إنه سيجعل الاتحاد يوسّع المجال في قضية انضمام تركيا له، بل ستكون أكثر تقاربية، وهذا ما جعل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأخير يحددون أنّ تعليق أو قطع المباحثات سيؤدي إلى ضرر كبير، وبالمقابل فإن الاستفتاء الشعبي التركي حول قضية الإعدام – عندما يتم – سيشكل انطباعًا معينًا لدى قيادات الاتحاد الأوروبي، مضافًا له النسبة التسعينية للاستفتاء السابق الذي يرفض فيه الشعب التركي هذا الانضمام.
وأمّا صعود اليمين المتطرف في أوروبا فسيبقى رهن المؤشرات في الفقرة السابقة، فإن قرّر الاتحاد – بالقيادات الحالية – انتهاج سياسة إيجابية تجاه تركيا، سيكون الانطباع جيدًا من تركيا، والعكس بالعكس، وبالنسبة لترامب فإن هذه العلاقات تقع ضمن النقطة الثالثة إذ يختلط بها النهج العام للإدارة الأمريكية، مع مضافات ترامب لسياسته الخاصة عليها.
وقد تعتبر إسرائيل مفتاح اللغز للسياسة التي سيتبعها ترامب في المنطقة، وذلك لا ينبع من قوتها الداخلية، إنما من الضعف والتشتت الذي يهيمن على المنطقة عمومًا في الشرق الأوسط، لذلك فإن السياسة الأمريكية – الإسرائيلية، ستضع تركيا في مزيد من الخيارات، فالوضوح الذي أبداه ترامب منذ البداية تجاهها سيحدد علاقة تركيا مع أمريكا، وهذه النظرة تقع ضمن النقطة الثالثة أعلاه إذ إنها تمثل سياسة ثابتة للولايات المتحدة، مضافًا لها الود بين ترامب وإسرائيل القادم!
وعلى كل الأحوال، فإن السياسة الأمريكية العامة المتمثلة بالمؤسسات ستكون ضمن التفكير التركي المعهود، وأمّا السياسة الخاصة بترامب المتمثلة في المساحة التي ستعطيها له تلك المؤسسات (سياسة ضع بصمتك) ضمن فريقه ستكون محل الانتظار/ الفعل التركي له، والناظر إلى النهج العام لشخصية الجمهوري ترامب سيعرف أن تركيا قد يكون لها إيجابيات أكثر من السيئات التي ستجنيها من علاقاتها مع أمريكا – ترامب، ولكم أن تأخذوا على سبيل المثال أنه إنْ رفع من أرصدة إسرائيل، فسيقوم بعدها بالتخفيض من أرصدة إيران، مما ينعكس نسبيًا بالإيجاب على تركيا في عدة قضايا، ومثل ذلك فإن تركيا تعد القوة الأقل إنهاكًا، والأقوى عسكريًّا، بين دولةٍ احتلت أربع عواصم عربية، ودول أخرى جيوشها متآكلة، إن نظرنا إلى الاعتبار العسكري في المنطقة.