إن انتخاب دونالد ترامب، بلا شك، يحمل أخبارًا غير سارة للنظام الإيراني، فالعلاقة مع الولايات المتحدة على مستوى التواصل المباشر ربما تعود إلى حالتها الطبيعية بعد الاستثناء التي شهدته في ظل الفترة الثانية من إدارة الرئيس باراك أوباما، فالقطيعة الدبلوماسية هي النمط العام الذي كان يحكم العلاقة بين إيران والولايات المتحدة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.
في الأثناء، وعبر ثلاثة عقود ونيف من القطيعة تخلل العلاقة بين البلدين بعض اللحظات التي تم فيها التواصل بشكل مباشر من أجل بحث قضايا ذات اهتمام مشترك، وربما من أبرز الأمثلة على ذلك قناة الحوار التي أنشأتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن مع النظام الإيراني إبان غزو أفغانستان ومن ثم العراق وذلك من خلال الوسيط السويسري، وقد أثمرت هذه القناة عن تفاهمات في غاية الأهمية صبت في صالح البلدين، فعلى سبيل المثال، لم يكن مؤتمر بوش الذي عقد في ألمانيا للاتفاق على شكل الحكم في أفغانستان بعيد إسقاط نظام طالبان لينجح لولا التفاهمات الإيرانية – الأمريكية.
الاستثناء الثاني حصل في ظل إدارة الرئيس الحاليّ باراك أوباما، ولا شك أن هذا الاستثناء قد حقق قفزة واضحة من خلال التواصل المباشر وعلى أعلى المستويات بين حكومة البلدين، بداية، وبعيد فوز الرئيس حسن روحاني في الانتخابات، اتصل به الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل مباشر وهنأه على فوزه في الانتخابات، وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ العلاقة بين البلدين أن يحصل تواصل مباشر بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مع رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد ذلك انتقل التواصل إلى مستوى وزراء الخارجية في كلا البلدين، من خلال لقاءات مكوكية للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي.
سيكون للعامل الإسرائيلي دورًا مهمًا في تحديد مسار السياسة الأمريكية في إدارة ترامب تجاه إيران في الأعوام المقبلة
كان التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي على رأس أولويات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس أوباما، وقد تماشت الجهود من أجل التوصل لهذا الاتفاق مع الاستراتيجية الأمريكية التي وضعها الرئيس أوباما وفريقه، وتتلخص بإنهاء الحرب في كل من أفغانستان والعراق وسحب القوات الأمريكية، والتخفف من أعباء الشرق الأوسط، وذلك من أجل التفرغ أكثر للمسار الاستراتيجي الأكثر أهمية والمتمثل بالتوجه شرقًا لمواجهة الصعود الصيني.
في هذا السياق، كان الاتفاق مع إيران ضروريًا من أجل فرملة أي محاولات (من قبل إسرائيل على سبيل المثال) لجرجرة الولايات المتحدة لمغامرة عسكرية جديدة في المنطقة، فأوباما الذي جاء بمظهر الرجل الذي سيضع حدًا للحروب War Ender، كان حريصًا على عدم توريط بلاده بحرب جديدة في المنطقة، ولذلك فقد سخَّر كثيرًا من إمكانيات إدارته من أجل تحقيق هذا الهدف، وربما كان من أبرزها، اعتماده الكبير على وزير خارجيته جون كيري المعروف عنه إيمانه القوي بالدبلوماسية كخيار أول ووحيد لحل المشكلات الدولية.
ومن الجدير ذكره أن التواصل ما بين الوزير كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف قد تعدى مجرد اللقاءات البروتوكولية إلى العلاقة الشخصية التي جمعت كليهما، فقد تولدت بين الرجلين كيمياء خاصة حتى أصبحا من أكثر الدبلوماسيين التقاطًا للصور فيما بينهما مؤخرًا، وقد ظهرت ثمرة العلاقة بينهما في الاتصال المباشر الذي أجراه كيري مع ظريف فيما يتعلق باحتجاز البحارة الأمريكيين على يد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج حيث تم إطلاق صراحهم خلال 24 ساعة فقط.
دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
أما فيما يتعلق بالرئيس المنتخب دونالد ترامب فالأمر سيكون مختلفًا، بدايةً سنشهد غياب تام للدافعية الذاتية في التواصل المباشر مع إيران، فترامب وفريقه – على الأقل الأسماء التي ظهرت إلى الآن – من أمثال نيوت غينغريتش المرشح لمنصب وزارة الخارجية ينتمون إلى معكسر اليمين المحافظ، وهو معسكر من حيث المبدأ يتبنى تاريخيًا سياسة القطيعة مع إيران، ويرى ضرورة احتوائها بل ومواجهتها أيضًا، وليس سرًا أن هذا الإدراك العام لإيران من قبل هذا المعسكر يتماشى تمامًا مع السياسات التي يتبناها اليمين الإسرائيلي أيضًا، ولذلك سيكون للعامل الإسرائيلي دورًا مهمًا في تحديد مسار السياسة الأمريكية في إدارة ترامب تجاه إيران في الأعوام المقبلة.
بالمجمل هناك مسارين سيكون على الرئيس المنتخب ترامب مراعاتهما عند التعامل مع إيران: الأول يتعلق بالاتفاق النووي، والثاني يتعلق بمكانة إيران في النظام الدولي وسياساتها الإقليمية.
وبدايةَ سأتطرق للمسار الأول لأنه أقل إشكالية من المسار الثاني ويعتبر مدخلًا له، فكما هو معروف فإن رجل الأعمال والرئيس المنتخب دونالد ترامب لا يملك أجندة ولا استراتيجية واضحة فيما يتعلق بسياساته الخارجية بشكل عام، ويشمل ذلك بطبيعة الحال التعامل مع إيران وملفها النووي، فكل ما ورد على لسانه بخصوص هذا الملف لم يعد أكثر من خطابات انتخابية كان الهدف منها بالأساس مهاجمة سياسة خصومه الديمقراطيين، وكسب مزيدٍ من الأنصار، وهي خطابات كانت في غالبيتها وليدة اللحظة وتتناسب مع الحدث وتخلو من التناسق فيما بينهما، الأمر الذي يدعم فرضية أن ترامب لا يملك في جعبته سياسة محددة للتعامل مع الاتفاق النووي.
وإذا استعرضنا أبرز ما ورد في خطاباته بشأن هذا الموضوع نجد أنه وبُعيد توقيع الاتفاق بين إدارة أوباما والحكومة الإيرانية، هاجمه ترامب بشدة واصفًا إياه “بالكارثي” وبأنه أسوأ اتفاق تم التفاوض عليه، وأنه قد يقود إلى هلوكوست نووي، وبعد ذلك وفي كلمته أمام تجمع لجنة الشؤون الأمريكية – الإسرائيلية العامة (AIPAC)، وهي من أقوى مجموعات الضغط الداعمة لإسرائيل في واشنطن، أعلن ترامب أن “أولى أولوياته” ستكون تفكيك الاتفاق الكارثي مع إيران، وتابع القول بأنه كان بمقدوره التفاوض على اتفاق أفضل يحتوي على قيود أطول على برنامج إيران النووي، ولكنه وفي نفس المناسبة، وبشكل متناقض إلى حد ما، انتقد بقاء العقوبات الأمريكية التي تمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع إيران.
على النقيض من ذلك، فقد اعترف في موطن آخر بأنه من الصعب تدمير اتفاق منصوص عليه في أحد قرارات الأمم المتحدة، ففي أغسطس 2015، قال ترامب بأنه لن “يمزق” الاتفاق النووي، ولكنه سوف يضبط هذا التعاقد بشدة كبيرة بحيث لا يكون لهم – الإيرانيين – فرصة للتهرب من التزاماتهم أو التحايل عليها.
وإذا ما تحدثنا عن أسوأ السيناريوهات المتوقعة ألا وهي إقدام ترامب على تمزيق الاتفاق أو تفكيكه بشكل أحادي الجانب، فإن من شأن هذه الخطوة أن تعزل أمريكا وتضر بمكانتها الدولية، فالاتفاق محصن دوليًا بقرار من مجلس الأمن، وهو بالأساس اتفاق متعدد الأطرف، فبالإضافة إلى الولايات المتحدة وإيران، هناك كل من الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فتمزيق الاتفاق، أي عمليًا تعطيله، يحتاج إلى قرار مضاد من مجلس الأمن وهو أمر من غير المحتمل الحصول عليه في ظل تعقيدات المشهد الدولي، هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن البرنامج النووي الإيراني لا يحتل تلك الأولوية المهمة والطارئة على أجندة القوى الكبرى مثل الصين وروسيا المشغولتين بقضايا أهم مثل السيادة على بحر الصين الجنوبي والأزمة السورية، هذا فضلاً عن التمنع الذي ستظهره كل من فرنسا وألمانيا لأي خطوة من شأنها العودة في المسألة الإيرانية إلى المربع الأول وذلك بسبب الخسائر الاقتصادية التي قد تعود عليهما في ظل الصفقات الكبيرة التي عقدتها كل من برلين وباريس مع طهران.
إذا استطاع ترامب أن يضمن فرصًا استثمارية كبيرة للشركات الأمريكية في السوق الإيرانية، عندها ربما يطرأ اختلاف على تقييمه للاتفاق، وبناءً عليه ربما يعمل على دعمه من باب تشجيع الاستثمار
أما الحديث عن إعادة التفاوض على الاتفاق النووي فهو أيضًا سيناريو غير واقعي، فهناك شرط مسبق للسير في تنفيذ هذه الخطوة ألا وهو موافقة الطرف الآخر، أي إيران، على التفاوض من جديد، وصعب أن نتخيل موافقة طهران على إعادة التفاوض مع إدارة أمريكية يقودها ترامب ويسيطر عليها الجناح اليميني المحافظ في واشنطن.
وإذا أخذنا بالحسبان التعقيدات التي شابت عملية التفاوض سابقًا، والتي استمرت لعدة سنوات بالرغم من وجود إدارة أمريكية متساهلة نوعًا ما، يكون من السهل علينا تفهم رفض أي طلبات لإعادة التفاوض على الاتفاق من قبل الحكومة الإيرانية مستقبلًا، وعلينا ألا ننسى في هذا الصدد أن ما تنتظره طهران ليس إعادة التفاوض بل مزيدٍ من رفع العقوبات، ومزيدٍ من الاستثمارات الخارجية التي من شأنها أن تدعم اقتصادها حيث يشكل الإنعاش الاقتصادي المادة الترويجية الأبرز في دعاية الحكومة الإيرانية لتسويق هذا الاتفاق للشعب الإيراني، والجهات الرافضة له داخليًا.
إن إدارة الرئيس المنتخب ترامب ستنتمي غالبًا إلى معسكر اليمين واليمين الشعبوي، وهو المعسكر الذي تبنى تاريخيًا موقفًا متشددًا ضد إيران، واتفق مع توجهات اليمين الصهيوني الذي لطالما اعتبر إيران النووية خطرًا وجوديًا على إسرائيل
يبقى السيناريو الأخير والأكثر واقعية هو تشديد الرقابة على الاتفاق النووي وعدم التساهل مع إيران في أي خروقات، والعمل على وقف الدحرجة الأمريكية تجاه طهران والتي كانت ملحوظة مع إدارة الرئيس أوباما، حيث وصل الأمر إلى حدَّ قيام وزير الخارجية الأمريكية بحملة تشجيع للشركات والبنوك الأوروبية للاستثمار في إيران، وربما ما يدعم هذا السيناريو التصريحات التي أدلى بها مستشار ترامب للعلاقات الخارجية وليد فارس لمحطة BBC والتي قال فيها: “تمزيق الاتفاق ربما يكون كلامًا مبالغًا فيه، سيعمل ترامب على الأخذ بالاتفاق – فالاتفاق تم التوصل إليه ضمن سياق دولي – ولكنه سيقوم بمراجعته”.
وقبل أن نختم الحديث عن سياسة ترامب تجاه الاتفاق النووي علينا ألا نغفل نقطة مهمة وهي أن الرئيس المنتخب هو، وقبل كل شيء، رجل أعمال مخضرم، وعقليته عقلية تجارية، بمعنى أن معيار الحكم على أي صفقة بالنسبة إليه يعود إلى ميزان الربح والخسارة، فإذا قدَّر بأن الاتفاق مع إيران غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية لأمريكا فلا شك أن تعامله معه سيكون متشددًا كما صرح بذلك سابقًا، أما إذا استطاع أن يضمن فرصًا استثمارية كبيرة للشركات الأمريكية في السوق الإيرانية، عندها ربما يطرأ اختلاف على تقييمه للاتفاق، وبناءً عليه ربما يعمل على دعمه من باب تشجيع الاستثمار، وليس من باب الأمن والحسابات الاستراتيجية.
موقف أمريكا منذ بداية الأزمة السورية والداعي إلى رحيل الأسد سينقلب رأسًا على عقب مع تسلم ترامب مهام منصبه الجديد، وهذا يصب في مصلحة إيران التي قاتلت منذ خمسة أعوام بضراوة لبقاء الأسد في منصبه
سيكون لهذه السيناريوهات منطقها الطبيعي ضمن افتراض وحيد يقوم على اعتبار أن إيران ستبقى من جهتها ملتزمة بتعهداتها في الاتفاق، دون المخاطرة بارتكاب مغامرات من شأنها أن تستفز المجتمع الدولي، أما إذا أقدمت إيران على أي مغامرة تخرق الاتفاق بشكل مباشر خصوصًا فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، فإن الخيارات أمام الولايات المتحدة عندها ستكون مفتوحة، وهذا يقودنا إلى الحديث عن المسار الثاني الذي يتوجب على ترامب مراعاته فيما يتعلق بإيران، وهو موقعها في النظام الدولي، وسياساتها الإقليمية.
أشرنا من قبل إلى أن إدارة الرئيس المنتخب ترامب ستنتمي غالبًا إلى معسكر اليمين واليمين الشعبوي، وهو المعسكر الذي تبنى تاريخيًا موقفًا متشددًا ضد إيران، واتفق مع توجهات اليمين الصهيوني الذي لطالما اعتبر إيران النووية خطرًا وجوديًا على إسرائيل، وعمل طويلًا على شيطنتها من أجل تحقيق أهداف استراتيجية تمثلت في كي الوعي العربي والفلسطيني من خلال ترسيخ قناعة مفادها بأن الخطر على أمن المنطقة وسلامتها لا يأتي من إسرائيل واحتلالها للأراضي العربية، بل من التدخلات الإيرانية في الدول العربية وذلك من خلال دعمها لحروب الوكالة، وهو ما يزعزع استقرار أنظمتها السياسية، وعبر هذه السياسة الانتهازية تضمن إسرائيل تشتيت الجهود العربية، بما يسهل عملية اختراقها، ومن ثم التحالف معها ضد عدو مشترك.
وفي السابق، إذا ما أردنا القيام بعملية قياس بسيطة، نجد أن الرئيس السابق جورج بوش الابن وإدارته من المحافظين الجدد قد أدرجوا إيران ضمن محور الشر وشددوا العقوبات الاقتصادية عليها بالرغم من الدور البناء الذي لعبته طهران في عملية اعادة تأسيس النظام السياسي في كل من أفغانستان والعراق لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بعيد الإطاحة بنظامي طالبان وصدام حسين.
إذًا سيكون هناك على الأغلب توجه عام لدى إدارة ترامب بتشديد سياساتها تجاه إيران، ولكن هذا لا يمنع من أن الحقائق الجيوسياسية في الشرق الأوسط ستلقي لا محالة بثقلها على حسابات الزعيم الجديد للبيت الأبيض، وواحدة من أبرز هذه الحقائق تتعلق بنفوذ إيران في المنطقة الذي لا يمكن أن ينكره أحد، فإيران أصبحت من أبرز وأهم اللاعبين على طول الخط الواصل من طهران إلى بيروت عبورًا بصنعاء وبغداد ودمشق، وأي ترتيبات أمنية وسياسية للمنطقة لا يمكن أن تمر من غير مشاركة الإيرانيين والتفاهم معهم.
وبالنظر إلى تصريحات ترامب في أثناء حملته الانتخابية بشأن أزمات المنطقة، نجد أنه قريب بشكل كبير من الطروحات الروسية والإيرانية، ففي سوريا على سبيل المثال، يرى ترامب أن المشكلة تكمن فقط في وجود الجماعات الإرهابية كتنظيم الدولة والقاعدة، والتي لا بدَّ من هزيمتها بشكل سريع، وحسب وجهة نظره فإن روسيا والنظام السوري يقومان بجهد بناء في هذا المجال، ولا بدَّ من دعمهما.
في حين يرى ضرورة إيقاف الدعم العسكري المقدم لجماعات المعارضة التي تقاتل نظام الأسد، تحت حجة أنهم غير معروفين ولا يمكن ضمان ولائهم، بمعنى أن موقف أمريكا منذ بداية الأزمة السورية والداعي إلى رحيل الأسد سوف ينقلب رأسًا على عقب مع تسلم ترامب مهام منصبه الجديد، وهذا يصب في مصلحة إيران التي قاتلت منذ خمسة أعوام بضراوة لبقاء الأسد في منصبه.
على صعيد آخر، لا يمكن أن تهمل الولايات المتحدة الأهمية الجيوسياسية لإيران في أي استراتيجية قادمة لمواجهة صعود الصين، وكما أصبح معلومًا فإن الصين تحاول التمدد بحرًا عن طريق فرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، وبرًا عن الطريق التمدد شرقًا عبر آسيا الوسطى للسيطرة على خطوط التجارة الدولية، وإذا أخذنا في الاعتبار أهمية الموقع الجغرافي لإيران، الممتد عموديًا من بحر قزوين شمالاً وحتى الخليج العربي جنوبًا، ويشكل حاجزًا طبيعيًا بين الصفيحة القارية لآسيا وأوروبا، أدركنا أن إيران لا يمكن إسقاطها لاحقًا من الحسابات الأمريكية المتعلقة بالصين واحتوائها.
ولكن ما زال التقارب استراتيجيًا مع إيران يشكل معضلة بحد ذاتها للأمريكيين، وستصبح هذه المعضلة أصعب مع إدارة يمينية بقيادة ترامب، إلا أن هذا يعني بطبيعة الحال استحالة إحداث اختراق من نوع ما، قد يقوم هذا الاختراق بداية على وجود الاتفاق النووي الذي شكل قاعدة مهمة لتسهيل التواصل المباشر بين البلدين، وإذا ما صمد الاتفاق في الأعوام السابقة، فيمكن المراهنة عليه لاستمرار نوع من أنواع التواصل بين حكومة البلدين، ومن ثم يمكن لأمريكا استغلال حاجة إيران لروسيا في تنفيذ سياساتها وأهدافها الإقليمية في كل من العراق وسوريا واليمن، وهنا يمكن للرئيس الأمريكي المنتخب أن يستخدم الورقة الروسية للضغط على الإيرانيين.
وإذا استطاع ترامب أن يقنع الروس بضم الإيرانيين في محور واحد لاحتواء الصين فلا شك أنه بذلك يكون قد أحدث اختراقًا استراتيجيًا على شاكلة الاختراق الذي أحدثه نيكسون مع الصين لاحتواء الاتحاد السوفيتي في أثناء الحرب الباردة، وذلك من خلال زيارته الشهيرة التي قام بها إلى بيجين برفقة مستشاره للأمن القومي كيسنجر في العام 1972.
هناك إعجاب شخصي من قبل ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو ما يعني أن فرص التواصل بين الرجلين ستكون مرتفعة بشكل إجابي، مما يجعل فرضية التقارب بين أمريكا وروسيا لاحتواء الصين قابلة للاختبار، خصوصًا وأن روسيا غير مرتاحة للتمدد الصيني الكبير في آسيا الوسطى التي تعتبر تاريخيًا حديقتها الخلفية، وكانت في يوم من الأيام تحت سيادتها المباشرة.
إذًا، هل ستغلب الحسابات الجيواستراتيجة على ترامب في تقييمه لإيران فيستمر مسلسل التقارب بينهما وإن كان بخطى بطيئة ومتثاقلة، أم ستغلب الحسابات الإيديولوجية فيعود إيقاع التفاعل بينهما إلى التوتر وربما إلى المواجهة من جديد؟ من السابق لأوانه الجزم بإجابة عما ستؤول إليه العلاقة بين أمريكا ترامب وإيران في المستقبل، فما زلت الأجندة السياسية لإدارة ترامب في التعامل مع ملفات السياسية الخارجية غير واضحة لأنه ببساطة لم تتشكل الإدارة بعد، وكل ما يتوافر حاليًا هي مجرد أفكار وردت هنا وهناك في خطاباته خلال الحملة الانتخابية، ويبقى من الضروري الانتظار حتى تتشكل الإدارة للتعرف بشكل واضح على المعالم الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية تحت إدارة دونالد ترامب.