مع تزايد الأنباء عن ارتفاع خسائر القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله وقوات الجيش السوري الموالي لبشارالأسد، في حلب السورية على أيدي المقاومة، بادر حزب الله باختيار منطقة سورية شارك جنوده في تهجير أهلها منها منذ ثلاث سنوات، لتطئ دباباته ومدرعاته ومن خلفها آلاف من جنوده المدججين بالسلاح ترابها، مستعرضين تراسانة حربية لا تملكها إلا جيوش الدول، وليس التنظيمات.
ما زلت موجودًا
هذا الاستعراض هو الأول من نوعه للحزب في سوريا بالبلدة الحدودية الخاوية من السكان، في رسالة اطمئنان لجنوده أو مموليه أو داعميه بالعتاد والأسلحة مفادها “ما زلت موجودًا ومؤثرًا”، وأن الحزب لم يعد مجرد مجموعات تقاتل وفق ما تعرف بحرب العصابات، بل أضحى جيشًا عابرًا للحدود، يشارك في القتال وصناعة القرار على حد سواء.
القصير كانت بوابة عبور الحزب لسوريا
دبابات حزب الله – والكثير منها صناعة أمريكية – استعرضت قوتها بريف حمص، تحت أنظار العديد من الدول ومنها إسرائيل، ورغم ذلك صارت آليات الحزب مطمئنة، وهي صورة أراد من يقف خلفها وهي بالطبع إيران، توصيل رسالة بأنها موجودة على التراب السوري، ولا يمكن لأحد أن يتجاوزها في أي حلول للأزمة قد تطرح مستقبلاً.
كيف علّقت إسرائيل على استعراض حزب الله في القصير؟
رسائل واضحة
رسالة نصر الله – طهران وصلت لكن لماذا هذا التوقيت؟
هل المقصود فقط هو إظهار القوة العسكرية المصحوبة بأنواع جديدة من الأسلحة الأمريكية غير الموجودة مع الجيش الروسي ونظام بشار بسوريا، أم أنه يقصد إحراج من أمده بتلك الأسلحة، لمساومة ما ستتكشف خيوطها في القادم من المواقف السياسية، أم أنها طمأنة كما قلنا لجنوده بعد أن فقد الكثير منهم بأنه يفاخر بهم، وأنه ليس خجولاً مما يفعل، ربما يكون مقصد نصر الله – طهران كل هذه الرسائل معًا وليس إحداها فقط.
الداخل الإسرائيلي
كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية هي أول من تفاعل مع تلك الصور، ونقلتها القناة العاشرة الإسرائيلية على الهواء مباشرة، معتبرة أن العرض العسكري كبيرًا وهائلاً، وأن ظهور مدرعات حزب الله في القصير علنًا وبهذه الطريقة يضع منطقة الشمال والجليل والجولان في وضع صعب للغاية، ما يطرح للأذهان تساؤلاً مهمًا: لماذا لم يتعامل الطيران الإسرائيلي المهيمن على المنطقة مع تلك الآليات؟ وهو سؤال مردود عليه بجملة واحدة “لقد حدث تطور منذ ثلاثة أشهر، واستلمت سوريا صواريخ إس 300 التي أمدت بها روسيا طهران، كما أن الرسالة وراء العرض ليست موجهة لدولة الكيان الإسرائيلي، لأن الحزب يتعامل معها بمنطق حرب العصابات، وليس عبر عروض عسكرية، لا قيمة لها أمام اسرائيل لأن الأخيرة بغارة وحيدة قادرة على نسفها، وبالتالي من دون عرض أنظمة دفاع جوي فليس هناك من رسالة إلى إسرائيل.
طلقات داخلية
قراءات أخرى ترى أن توقيت الاستعراض الحالي للحزب موجه للداخل أكثر من الخارج، خصوصًا وأن المنطلقات التي ركز عليها رئيس الجمهورية المنتخب ميشال عون في خطاب القسم، أكدت صراحة على ضرورة النأي بلبنان عن الصراعات الخارجية، ما يعني أن نصر الله يرد عليه بالقول “هذا القسم ليس ملزمًا للحزب”، أو أن استعراضه نوعًا من “التدابير الاستباقية” التي أقرها عون في خطابه لحماية البلاد، بمعنى أن حزب نصر الله يفسر خطاب القسم لرئيس الجمهورية وفق ما يراه مناسبًا له، وبالتالي – وفق وجهة النظر تلك – فإن مشاركة حزب الله في حروب المنطقة من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن، ليست سوى تدابير استباقية.
وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية اللواء أشرف ريفي
هجوم ريفي
دعم هذا التصور تصريحات وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية اللواء أشرف ريفي والتي قال فيها: “استعراض حزب الله في القصير، قبل عيد الاستقلال، يطيح بما بُني من آمال عن قدرة أو نية العهد استعادة ولو جزء بسيط من هيبة الدولة وصورتها”.
وأضاف، حزب الله يستعرض قوته العسكرية بشكل سافر في سوريا المحتلة، مستفيدًا من غطاء خطاب القسم، الذي شرعن له مفهوم الأمن الاستباقي، وتساءل ماذا سيقول الرئيس القوي للبنانيين عن ميليشيا مسلحة تحولت إلى جيش يشارك في احتلال سوريا واقتسامها وقتل أهلها.
وتابع بحسابه على تويتر، “لبنان أصبح في المكان الخطر، ماذا سيقول الرئيس الذي أقسم على حماية الدستور وحفظ لبنان وسيادته ومؤسساته وحماية حدوده، إذا كانت الميليشيا تستدرج عروضًا للمجتمع الدولي بأنها شريك في محاربة الإرهاب، فهذا ترويج لعملة مزورة، فالإرهاب لا يكافح بالإرهاب، والرأي العام العربي والإسلامي هو المتضرر الأول من الإرهاب، وهو المؤهل لمحاربته، حماية لصورة الإسلام وقيمه”.
وختم: “ندعو اليوم جميع القوى الرافضة للوصاية الإيرانية، إلى أن تكون معًا، لإنقاذ لبنان الذي يستعمله حزب الله بغطاء شرعي، كمنصة في خدمة مشروع إيران”.
دبابات تاو
رسالة أخرى ربما أراد الحزب أن تصل إلى “أصدقاء لبنان” وداعميه بالسلاح، مفادها أن الأسلحة التي زودوا بها الجيش اللبناني، باتت في يد حزب الله، بما فيها العربات والدبابات والصواريخ الأمريكية المضادة للدبابات “تاو”، لذلك ركز العرض على الأسلحة الثقيلة التي امتلكها حديثًا.
هدد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي وإيران ردت التهديد
ترامب وطهران
إقليميًا، ثمة من قرأ الرسالة من وجهة نظره، معتبرًا أنها إيرانية في المقام الأول وموجهة للولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي أعلن خلال حملته الانتخابية عن نيته إعادة النظر بكل التوافقات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني، وهو ما دفع إيران باتجاه عرض العضلات من خلال “حزب الله” خارج الحدود اللبنانية، بأنها يمكنها إشعال المنطقة التي تحاول أمريكا تهدئتها، والوصول مع الجانب الروسي لحلول توافقية بشأنها.