شهدت تركيا عمليات تنصت على مسؤولين سياسيين داخل البلاد، خلال الفترة بين العامين 2008 و2012، وقد توصلت لجان التحقيق التركية إلى النتائج النهائية، وكشفت النقاب عن عصابة جماعة غولن التي قامت بهذه المهمة القذرة، والتي استهدفت من خلالها 29 شخصية بارزة.
وتوصلت التحقيقات إلى أن هذه العصابة تنصتت على المسؤولين السياسيين، وزرعت كاميرات تصوير في منازلهم وفي غرف نومهم، وعملت هذه العصابة على نشر هذه التسجيلات وتسريبها لمواقع الإنترنت، مما دفع بالعديد من السياسيين إلى تقديم استقالاتهم واعتزال الحياة السياسية.
وكشفت النيابة العامة التركية في أنقرة، عن أنّ عملية التنصت وتسجيلات الفيديو لهذه الشخصيات، شارك فيها 89 عنصرا من عناصر شرطة الاستخبارات التابعين لجماعة غولن، هذا بالإضافة إلى عشرة عناصر آخرين.
ووصفت النيابة هذه العصابة بعصابة “التصوير”، لما قامت به من عمليات تنصت غير قانونية، ومراقبة من خلال زرع كاميرات في غرف النوم، ونشر هذه الفيديوهات عبر مواقع الإنترنت. وأشارت إلى أنّ هنالك 36 عنصرا من هذه العصابة فارين من العدالة، بينما ألقي القبض على 53 منهم.
لقطة من التسجيلات الخاصة بإحدى الشخصيات المستهدفة
وأشارت النيابة العامة إلى أنّ عمل العصابة كان يتمثل في تحديد ساعات دخول وخروج المستهدفين إلى منازلهم، ومن ثم يقومون بدخول المنازل والشقق الخاصة بهم باستخدام أدوات خاصة.
ومن بين المستهدفين، كان رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، ورئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دينيز بايقال، والنائب السابق عن حزب الحركة القومية ووزير الداخلية السابق بشير أتالاي، وقائد جيش منطقة إيجه السابق الجنرال المتقاعد “خورشيت تولون”، وكذلك بعض المسؤولين الآخرين من بينهم مدراء مراكز شرطة ومدراء أقسام في جهاز الاستخبارات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن عمليات التنصت قد بدأت من قبل عناصر الشرطة التابعين لجماعة فتح الله غولن منذ العام 2008. وأثبتت التحقيقات أنّه تم التنصت على الأشخاص المستهدفين من خلال التنصت عليهم لفترة تتراوح بين عام وثلاثة أعوام، وكان الهدف من هذه العمليات هو البحث في تفاصيل الحياة الخاصة لهذه الشخصيات، وابتزازهم في مرحلة لاحقة.
وعموما، تمكن عناصر جماعة غولن من دخول هذه البيوت باستخدام أدوات خاصة، في ظل غياب أصحابها بعد رصدها. وقاموا بزرع أجهزة تنصت، وكاميرات سرية، سواء داخل مقابس الكهرباء، أو داخل أجهزة التلفاز. وعندما يعتقد عناصر الجماعة أنهم حصلوا على التسجيل المصور المطلوب، يقومون بدخول هذه البيوت مجددا وأخذ الأجهزة التي زرعوها.
وبسبب تسجيلات الفيديو التي رصدت الحياة الخاصة لـ”دينيز بايقال”، استقال هذا الرجل من رئاسة حزب الشعب الجمهوري في شهر مايو/ أيار من سنة 2010. كما استهدفت العصابة 12 مرشحا من مرشحي حزب الحركة القومية قبل أيام من انتخابات سنة 2011.
كما قدم تسعة مرشحين من نفس الحزب استقالتهم، بعد نشر فيديوهات لهم قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات. ومن بين هذه الأسماء البارزة المرشحة للفوز عن المناطق التي ترشحوا لها، واضطروا للانسحاب من الانتخابات، نذكر “بهجتلي” رئيس الحزب، هذا بالإضافة إلى أسماء بارزة كان من المفترض أن تمثل حزبه في البرلمان.
وقد كشفت النيابة أيضا أنّ بعض رجالات الشرطة قد دخلوا إلى بيوت هؤلاء المسؤولين بأمر من القضاء من أجل تفتيشها، بعد اختلاق اتهامات مزيفة تتعلق بشبهات علاقة بالإرهاب أو فساد. وكان الهدف من اقتحام منازل المسؤولين من قبل رجال الشرطة، هو زرع أجهزة التنصت وكاميرات لتسجيل مقاطع الفيديو، التي أخفوها في مقابس الكهرباء، وخلف شاشات التلفاز أو داخلها.
وتمكنت لجان التحقيق من التوصل إلى هذه الشبكة خطوة بخطوة، من خلال العثور على الأدوات التي استخدموها في دخول المنازل. وبدأت بملاحقتهم واحدا تلو الآخر، وتتبع التسجيلات الصوتية ومصادرها والأماكن التي ذهبت إليها.
كما استطاعت الوصول إلى عناصر الشرطة الذين عملوا في هذه المهمة، من خلال تتبع إشارات أجهزة الجوال التي تواجدت في بيوت الأشخاص المستهدفين عند زرعهم لأجهزة التنصت.
وتوصلت التحقيقات التي استمرت على مدار أكثر من عام، إلى أنّ عناصر الشرطة المشاركين في شبكة التنصت هذه، كانوا يجتمعون في أحد المنازل، لتبادل المعلومات والتسجيلات التي حصلوا عليها. كما تبيّن أنه تمت ترقية رجال الشرطة الذين شاركوا في هذه المهمة، بسبب ما حققوه من إنجازات تصب في مصلحة جماعة غولن.
ومن أبرز أسماء رجال الشرطة التي كانت في هذه الشبكة، نذكر كلا من “أحمد كاباغاش”، “توركاي آيدن”، “أوكان أيتكين”، “سليم ياسديباش”، “محمد كوتشاك”، “شريف يغيت”، “عزت يلماز”، “شابان البيراق”، “أرهان سازيل”، “بكر تيزول” وغيرهم من الذين حصلوا على جوائز ومكافآت أو ترقيات.
قادة شبكة وعصابة التنصت والتجسس
وكشفت التحقيقات أنّه من بين عناصر هذه الشبكة يوجد 15 مدير مركز شرطة، و5 مدراء عامين للشرطة، و14 مفوض، ومراقبين، واثنين من رجال الشرطة، وهؤلاء المذكورون جميعهم فارون من العدالة في الوقت الحالي، وتتوزع أماكن عملهم في أنقرة وإسطنبول، وقد عملوا في أقسام الشرطة الاستخباراتية.
يذكر أنّ الأسماء الأربعة الأبرز التي قادت هذه العصابة، هي مدير الدائرة التقنية السابق في قسم الاستخبارات، “علي أوزدوغان”، ومساعد مدير الدائرة التقنية “سيدات زاوار”، ورئيس دائرة الاستخبارات السابق “أنس تشيجي”، وشرطي عامل في الدائرة الحادية عشرة في قسم الاستخبارات وهو “إلكار أوستا”.
هذه الأسماء المذكورة هي التي قامت بدور فاعل وبارز في عمليات تسجيل الفيديو والأشرطة المصورة، كما أنهم ساهموا في زراعة أجهزة التنصت في مكتب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيسا للوزراء.
وقد ألقت الشرطة القبض على اثنين منهما، فيما فرّ “علي أوزدوغان” و”إلكار أوستا” إلى رومانيا. وقامت الحكومة التركية بطلب إعادتهم وتسليمهم من قبل السلطات الرومانية.
المصدر: حرييت