“كل ما يمثل أحلامي، عندما يأتي ذلك اليوم وأنظر إلى الحياة التي مرت، لا أرى ندمًا على شيء فعلته، ولا أرى رغبة في شيء لم أفعله، وكل ما يمثل مجموع مخاوفي، إذا جاء نفس اليوم، ونظرت خلفي إلى نفس الحياة، فأجد أنني لم أحيها كما ينبغي، تخليت عن شغفي واكتفيت بمشاهدتها من على مقعد جانبي تمر في سرعة، لهذا، أريد أن أذهب إلى كل مكان، وأن أرى كل شيء” إسلام كامل.
“يريد مني المجتمع أن أسعى دومًا لكي أسعده وأرضيه، ليقوم بالحكم على حياتي بعد ذلك، فيحكم على حياتي من خلال السيارة التي أقودها، والعلامات التجارية التي أحب أن أرتديها، كما سيحب أن يتطلع لما أتناوله من طعام، ليكون الطعام كذلك سببًا منطقيًا له للحكم على حياتي وقرارتي الشخصية، ولكن هذا المجتمع لم ير الشفق يلون طبقات السحاب كما رأيته أنا، لم يلمس الجبل الجليدي تحت الماء، ولم ينظر للعالم من أعالي الجبال، ولم يحظ برؤية السحاب يبرز من خلف جبال القارة الجنوبية بعد رحلته من الخروج من الضباب، لذا فليهتم المجتمع بما هو عليه، ويدعني أكون كما أنا أيضًا”.
تعود الكلمات السابقة للرحالة المصري “إسلام كامل” أول رحالة عربي يغطس تحت جليد القارة القطبية الجنوبية، بدأت علاقة إسلام بالمغامرات حول العالم منذ أن كان في عمر السابعة، حيث كانت تستهويه أغلفة الكتب ذات العلاقة بالسفر حول العالم، فقد حلم منذ وقتها بوجهات بعيدة وعوالم من الخيال وما كان بباله أبدًا أن ما كانت عليه أحلام الطفولة سيصبح رؤية لما هو قادم في طريقه فيما بعد.
عشق إسلام كامل المغامرة، فكما يروي على مدونته الشخصية “أدرينالين” بأن الحياة بالنسبة إليه هي المغامرة بحد ذاتها، ودونها ليست هناك حياة وإنما فقط حالة من الانتظار، فقد علم أن هناك ما في الدنيا لن تكفيه ألف حياة ليستكشفه ويراه بعينه، لذا قرر أن يبذل ما في وسعه في حياته القصيرة لاستكشاف كل ما يستطيع الوصول إليه.
لم يقم إسلام بتسلق الجبال حول العالم فقط، والسباحة مع أسماك القرش الأبيض بالمحيط الأطلنطي، والمشي مع أسود حقيقية في أدغال زامبيا، ولقاء غوريلا الجبال بالكونغو، وعبور أعنف أنهار العالم بقارب مطاطي، وليس حتى كونه أول عربي يقوم بالغطس تحت صفحة جليد القارة القطبية الجنوبية، ولكنه يروي في مدونته أنه قام بتحدٍ أكبر من التحديات السابقة جميعًا، وهي رحلة من أخطر الرحلات وأكثرها صعوبة، رحلة بداخله، نحو أكثر الأماكن ظلامًا في أركان روحه وعيوبه ومخاوفه ونقاط ضعفه.
ليتابع “كم أنا ضعيف قليل الحيلة، وكم هي مؤلمة تلك الجروح القديمة، لهذا، قررت أنني لن أنتظر وسأتوقف عن جمع المال كالمجنون، قررت أنه لا حاجة بي لأن أرضي المجتمع، ولا يجب أن أحيا وفق مفاهيم وتقاليد فرضت عليّ ولم يكن لي يد في صياغتها”.
فيلم تعريفي برحلات إسلام كامل حول العالم
“لا يجب أن أنتظر تقاعدي لأبدأ حينها في رؤية العالم أو ملاحقة شغفي وأحلام طفولتي، سأجعل كل هذا يحدث الآن”
على الرغم من أن البشر يميلون إلى الاستقرار في جماعات، سواء كانت منطقة الأمان بالنسبة إليهم وسط عوائلهم أو في بلدهم الأم أو وسط مجموعات تميل إلى تحدث نفس اللغة وصاحبة نفس العرق وتؤمن بنفس الدين، إسلام كامل وجد المتعة المطلقة في استكشافه العالم وحيدًا، وأصبح هدفه أن يستكشف عوالم أخرى، ويكتسب معارف جديدة، وأن يكسر القاعدة دائمًا، ويتحدي كل ما كان يعتقد أنه أقسى قدراته ليتخطاها ويقوم بتحقيق المزيد والمزيد، ليكتسب حقيقة جديدة، أنه من الممكن أن يفاجئ الإنسان نفسه بما يمكنه فعله، إذا ما جرب المحاولة فقط.
تعلم إسلام الكثير من السفر، اختلف إدراكه لأشياء عديدة، فيوضح في مدونته تطوّر شخصيته، ليصبح شديد الاختلاف عما كان عليه قبل البدء في خوض مغامراته المتنوعة فأصبح يقدر الأشياء البسيطة التي كان يظنها مضمونة، وزاد احترامه للآخر عندما اكتشفه وحاوره وتناقش معه، أيا كان دينه أو لونه أو ثقافته! وكلما ازداد سفرًا أدرك كم كان جاهلًا من قبل عن مضمون وكينونة كثير من الحقائق الكونية المحيطة به.
أول عربي تحت الجليد
كان يظن بعض الأصدقاء المقربين من إسلام أن الهدف من رحلته إلى أنتاركتيكا أن يكون أول مصري عربي يقوم بالغطس تحت جليد القارة القطبية الجنوبية، وكان هذا بديهيًا، نظرًا لما تكبده إسلام من مشقة وتدريبات مكثفة وقاسية استمرت أربعة أشهر قبل موعد سفره من أجل هذا الغرض كما يقول في مدونته، لكن في حقيقة الأمر لم يكن هذا هو الهدف الأكثر أهمية على الإطلاق بالنسبة له، وإنما هدفه هو أن يستكشف عوالم أخرى ليتعلم ويزداد خبرة ومعرفة، ليدفع باستمرار حدود ما كان يظن أنها أقصى قدراته، ويختبر نفسه في مواقف جديدة يكسر بها الحدود المريحة التي اعتاد عليها من قبل.
فيلم صوره إسلام عن رحلته في القارة الجنوبية
من نهاية العالم إلى القارة الجنوبية
يروي إسلام رحلته إلى “أنتاركتيكا” في مدونته قائلًا: انطلقنا من ميناء “أوشوايا” في جنوب الأرجنتين، وأوشوايا هي أيضًا أقصى مدينة في جنوب العالم ويسمونها بالإسبانية El fin del mundo وهي تعني نهاية العالم، اعتلينا ظهر السفينة الهولندية “بلانسياس” لنعبر قناة “بيجل” بين الأرجنتين وشيلي، ومنها إلى ممر “دريك” وهو واحد من أعنف البقع المائية على وجه الأرض، ويبدأ عند تلك النقطة المدببة في أقصى جنوب أمريكا الجنوبية ويمر خلال المحيط الجنوبي لينتهي عند تلك النقطة المدببة في أقصى شمال شبه جزيرة “أنتاركتيكا”، حيث لا يذهب هناك إلا من يعشق السفر والمغامرة.
ما الذي يتمناه إسلام للمصريين؟
أوضح إسلام من خلال كتاباته على مدونته وصفحته على فيسبوك بأنه يتمنى أن يسافر المصريون أكثر، حتى من لا تسمح ظروفه، باستغلاله طرق السفر الرخيصة نسبيًا، فيقول إنه من الممكن أن يسافروا داخل مصر، فالسفر قد يقدم لهم لحظات لا تقدر بثمن، يصمت الإنسان أمامها مبهورًا أمام عظمة الخالق.
“حلمت بيوم أسافر فيه حتى أبعد حدود هذا العالم، ألمس أطراف الأرض من الأفق للأفق، آكل من الطريق واستحم في الأنهار، دون حجوزات، دون خطط، دون مسؤوليات أو قلق، فقط حقيبة ظهري وكاميرا وابتسامة”
بدأت ثقافة السفر تنتشر من جديد، لذا رأى إسلام أهمية وجود طرح أكثر عمقًا لتجارب السفر، فهو يحاول تقديم تجربة تتجاوز السلفي من خلال مواقف غيّرته جذريًا، يكتب عنها في النسخة الإنجليزية “past selfies to self-changing experiences” وتعني أن التجربة تتجاوز مجرد استقلال الطائرة لبلاد يلتقط فيها الصور الفوتوغرافية رافعًا علمًا أو ماسكًا لوحة تحمل رقمًا، فهو يحاول أن يكون مسافرًا وليس مجرد سائح، والفرق كبير!