يزخر وطننا الحبيب بصفة خاصة، والوطن الإسلامي والعربي عامة، بطاقة شبابية هائلة، حيث تشكل هذه الفئة أعلى نسبة في تصنيف عدد شرائح الوطن.
وتمثل فئة الشباب الرافد الأساسي في حيوية الهيئات والمنظمات ومصدر حركتها، التطوعية منها والتنظيمية، حيث تجد الهيئات أكثر نشاطًا وتنظيمًا وتأطيرًا، أكثرها فاعلية وفعلاً مجتمعيًا، إنهم الشباب، عُمُرٌ فتي وجسم قوي وطموح متنامٍ، إنهم الشباب وكفى.
شباب المغرب يعتصمون في الرباط
يعيش المغرب كباقي دول العالم، حركية وحيوية مجتمعية قوية، بفعل الشباب المؤطر منه وغير المؤطر، حيث ينتظم الكثيرون تحت مظلات جمعوية وسياسية أو مؤسسات مدنية تجعلها تنتعش وتسمو، وحتى الذي لم يعلن انتماءه، فإنه يتبنى منهاجًا مستميتًا في الدفاع عن أفكاره، بخلفية ما أَقنَعَه.
شباب حيوي يفجر طاقاته الكامنة في التنشيط التربوي والتعليمي وكذا التأطيري، ويشارك حيث يجد مبتغاه وملاذه، يحتج ويناضل ويطالب.
عرفت فئة الشباب في السنوات الأخيرة، ونتيجة لعمل حثيث لهيئات ذات بعد نظر، وكذا نتيجة للظروف التي يولد فيها، تغييرًا كبيرًا في إقبال الشباب وإقدامًا على مبادرات شبابية واعدة تنم عن التأطير الفاعل، وكذا على ما يعانيه هذا الشاب، نعم ما يعانيه من تهميش وتضييع لأحلامه، أسباب تزيد من بحث الشاب عن متنفس للتغيير، حيث يبني آماله ويكمد آلامه.
الشباب المغربي يريد مغربًا جديدًا
ويأتي الحراك المجتمعي الذي كان ملاذًا للشباب – الطاقة – وكذا الشباب المظلوم، وجعل مختلف الأطياف الشبابية ومختلف التوجهات تجتمع في نسق متكامل وغير متجانس، حيث تجد التوحد الشبابي في النضال الواعي على ما هو مشترك وغير مختلف فيه، جعل الفئة غير المنتظمة تحت يافطة معينة تسرع في الإقبال على ما تحلم به، إنها الوحدة الشبابية، الطاقة التي يهون عليها كل صعب.
جاء الحراك الجديد، ليس جديدًا في درب النضال، لكن الجديد فيه هم متبنوه من شباب الجيل الجديد، ذي التفكير الجديد، وانتظم الجمع في مسار نحو هدف واحد، متناسين هوامش الخطأ، طبعًا في وسط كل هذا كله خطوات محسوبة من أعداء الوحدة الشبابية.
حقق الفتية ما لم يكن في الحسبان، الفتية المظلومون من عِليةِ القوم يهدمون الأصنام إلا كبيرًا لهم، ويحدثون ”الفتنة” وما أحلاها من فتنة، فحطموا الخوف الدفين من سنوات عجاف، وارجعوا الأمل لشباب القرن الماضي الذين لم يألوا جهدًا في مناصرتهم، وكذا ميزوا بين الطيب والخبيث والتقى الجمعان.
نعم لم يكتمل التمييز المطلوب في التغيير في مستقبل الوطن، لكن تم حصر العدد اليسير من كل فئة، فئة أنصار الحق وأصحاب الكرامة والعدالة الاجتماعية، وفئة التواطؤ والاسترزاق على ظهور المستضعفين.
ثم يجيء زمن الحشد ومرحلة التصويب والتعديل، يعود الشباب إلى محاضنهم، يقيموا، يناقشوا، يعمقوا النقاش، يتصارح الكل مع بعضهم، فتوضع الأصابع على الداء، وتقال المسميات بوصفها الدقيق، ويستمد هذا من ذاك، ويعرف رجولة الشاب حليفه الجديد، شباب تغير قبل أن يغير، وتتحدث الإنسانية، وتنفجر العدالة داخل الصدور لإنصاف حلفاء المرحلة، أعداء الأمس.
الكل مارس النضال الجديد، وطبق ما كان يتصور، فيقف عند إيجابياته وسلبياته، ليعطي كل ذي حق حقه، إما تصريحًا أو تلميحًا أو مخالجة نفسه.
نضال الشباب لا ينتهي حتى وإن انتهى الهرم الظالم، فالنضال الواعي يستمر باستمرار الإنسانية، وباستمرار الحق والباطل وتدافعهما، فكان واجبًا تحديد التصورات والآليات التي تدفع برقي نضال كل مرحلة من مراحل التغيير، الشباب عماد الحاضر والمستقبل، بهم تسمو المجتمعات وترقى ، لذلك لا بد من تصور واضح لكل أطياف المجتمع يجمع الطاقات الشابة في نسق موحد، ويؤلف بين القلوب، ويعمل على تظافر الجهود، ويبني منطق الكل دون استثناء أو إقصاء، ويهيء لأرضية يتوافق عليها الجميع، يسير في خطاها حتى تمكين التغيير، لا بد من حلف يضم الجميع ويحقق طموح الجميع، هو ميثاق يؤسس للسير بشرف، يؤلف بين الجميع فيما هو متفق عليه، كل الشباب يريد التغيير، يحب وطنه، يريد صلاحه، يصبوا لحريته وكرامته، يدعو للعدالة فيه، ينكر منكر الطحن والهضم، هو ميثاق بالضرورة القصوى لتحصين العمل وتأطير السير لكل مشارك ومنافح عن وطنه.
الوطن غالٍ ويتربص به المتربصون، فأعداء الوطن أكثر وحدة وتآلفًا، وأول سلاح لهم هو تقزيم النضالات وتفريقها، وكذا ضرب الشعب بالشعب وإحداث ”الفتنة الحقة” بين المناضلين والمناصرين، إنها الوحدة والتضامن.
لا بد أن يفتح نقاش وطني ومحلي وفردي بين الشباب المناضلين، يكون التواصل أكثر نضجًا وفعالية، جاعلين نصب أعينهم الجوعى والمرضى والمعوزين والمستضعفين، الذين لا حيلة لهم، تسمع آذانهم من يبشرهم بالخبز، مواطنون يحرقون ذواتهم دفاعًا عن كرامتهم، وإحراقًا لهم ليستنير المناضلون في الطريق، فلا يكن شبابنا ممن يستنيرون واقفين في الطريق، إلى الأمام متحدين، موقعين ميثاق الشرف، بلا تراجع عن بناء صرح قد تصدع من أثر ”الحكرة” وظلم الحاكمين.