عمار السعداني.. تاريخ كله عار

ترجمة وتحرير نون بوست
تقلد عمار السعداني منصب مدير الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سنة 2013، لكن لم يشفع له ذلك عند إقالته من منصب كأمين عام جبهة التحرير الوطني.
عندما استقبل السعداني، ليلة 21 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مبعوثًا من رئاسة الجمهورية، لم يعتقد أن حياته السياسية قد أصبحت على المحك، لكنه علِم جيدًا أن مكانته داخل أسوار قصر المرادية الرئاسي تزعزعت، بعد تصريحاته غير الملائمة والمثيرة للجدل، التي هاجم فيها مسؤولين مدنيين وعسكريين، وقد أطلق هذه التصريحات دون أن يعير أي اهتمام إلى أن معارضيه سيستغلون أي فرصة متاحة أمامهم للمطالبة بإقالته.
لكن في المقابل، هل يمكن اعتبار أن قضاء السعداني فترة طويلة خارج الجزائر وتحديدًا في فرنسا، أين أقام في شقة فاخرة في إقليم “شيك دو نويلي” الباريسي، هي سبب هذه التوترات؟ وهل أصبحت فترة إقامته الطويلة خارج البلاد محل شكوك المخابرات الجزائرية؟
فمنذ تولي السعداني رئاسة جبهة التحرير الوطني، يوم 29 من آب/ أغسطس سنة 2013، وهو يدلي بتصريحات خطيرة جدًا عجلت برحيله، ففي تلك الليلة لم يأت المبعوث من رئاسة الجمهورية من أجل التفاوض معه، بل طالبه بالاستقالة قائلاً: “عليك أن تقدم استقالتك غدًا وسيكون خليفتك جمال ولد عباس”.
وتحت الصدمة طلب السعداني من المبعوث أن يؤجل تقديم استقالته إلى نيسان/ أبريل القادم، تاريخ بداية الانتخابات التشريعية، لكن مطلبه رفض من قبل المبعوث الذي رد عليه قائلاً: “هذه أوامر الرئيس”، لكنه في المقابل أعطى السعداني حرية اختيار الطريقة والسبب لإعلان استقالته وهي أفضل طريقة ليحفظ بها ماء وجهه.
وفي صبيحة يوم 22 من تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمع أعضاء جبهة التحرير الوطني مع ثلة من الوزراء في فندق “الأوراسي”، وبعد حديث طويل عن تحديث الحركة وعن البرنامج الرئاسي الذي يحافظ على استقرار البلاد، فاجأ السعداني كل الحاضرين بإعلان استقالته لأسباب صحية.
وبعد أن قضى قرابة 1126 يومًا على رأس جبهة التحرير الوطني، ها هو السعداني، البالغ من العمر 66 سنة، يترك مكانه لجمال ولد عباس الوزير والعضو السابق في مجلس النواب، وفي المقابل عين السعداني سفيرًا للجزائر في دولة خليجية، وهذا ليس بالمنصب السيء لرجل كثيرًا ما استفز أعداءه، لكن عند الحديث عن قضية السعداني يمكن اعتبار هذا المنصب كأنه نفي خارج البلاد.
يذكر أن فضائح السعداني بدأت في صيف سنة 2007، عندما كان ممثلاً للرئاسة في الجمعية الوطنية، ورئيسًا لمحطة لخدمات المحروقات في منطقة “الواد”، وقد بدأت القصة إثر شكوك عن تضخم ثروته المالية، ودعوة الرئيس بوتفليقة له من أجل تبرير موقفه، فرد السعداني عليه قائلاً “لا يمكنني مقابلتك الآن”، إلا أن إجابة بوتفليقة كانت قاسية بعد هذا الرد، إذ قال له “لقد وصلني جوابك ولا أريد رؤيتك مرة أخرى”.
وخلال اجتماع رسمي في الجزائر العاصمة قبيل الانتخابات التشريعية في سنة 2007، قام بوتفليقة بإحراج السعداني قائلاً “لقد اتخذت قرارات خاطئة طيلة حياتي لكن يجب أن تعرف أن أسوأ هذه القرارات هي أنت”.
وخلال سنة 2002 عندما كان عبد العزيز بلخادم زعيمًا لجبهة التحرير الوطني، وصلت إلى بوتفليقة قائمة تعيين الولاة، فقام مباشرة بشطب اسم السعداني من ولاية منطقة “الواد” الصحراوية.
ورغم ذلك يعتبر بوتفليقة رجلاً متسامحًا مع الكثير من الذين أحرجوه، فخلال آب/ أغسطس من سنة 2013، عاد بوتفليقة من فرنسا بعد أن قضى وقتًا طويلاً في أحد مستشفياتها لمعالجته من الجلطة الدماغية، معلنًا نيته الترشح لولاية رئاسية رابعة، لكنه يحتاج لدعم جبهة التحرير الوطني، ولكي يربح الوقت عين السعداني أمينًا عاما لها، ولكن هذا التعيين لم يلق استحسان الجنرال محمد مدين المعروف باسم “الجنرال توفيق”، لكن في المقابل لم يرفضه باقي المقربين من الرئيس.
تقع على عاتق السعداني، الذي ادعى أنه لا يريد العودة إلى الخلف، ثلاث مهام حساسة أولها الوقوف في وجه الأحزاب المعارضة خلال الانتخابات، والعمل على اتهامها بزعزعة أمن البلاد، والأهم من ذلك الوقوف ضد أي تدخل من قبل جهاز الأمن والمخابرات وتحديدًا رئيسها الجنرال توفيق، رغم أنه يعتبر رجلاً وفيًا لبوتفليقة.
لكن السعداني انتهز فرصة عودته للساحة السياسية، وقام باتهام الجنرال توفيق بعدة اتهامات خطيرة مثل قصة مؤامرة ضد الرئيس وتلفيق ملفات فساد ضد أناس مقربين من بوتفليقة، كذلك قام باتهام توفيق ومخابراته بالاشتراك في ارتكاب مجازر ضد مواطنين جزائريين خلال سنة 1990، والتلاعب بأمن الدولة مع سجن آلاف من كوادر الجيش، هذه التهم أضرت بتوفيق وجهاز مخابراته، خاصة بعد أن أكدها بعض المقربين من قصر المرادية الرئاسي.
كما أن هذه التهم أفرزت النتائج التالية، وهي فوز بوتفليقة بولاية رابعة وإنزال رتبة الجنرال توفيق مع حل جهاز المخابرات في شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2016، لكن هل يعني ذلك أن مهمة السعداني قد تمت بنجاح؟ نعم تمت بنجاح، خصوصًا بعد أن أصبح السعداني الملقب “بالدرابكي”، الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.
بعد ذلك قام السعداني بتركيز الرجال المقربين منه داخل الجبهة التي تضم من 220 نائبًا و40 عضوًا من مجلس الشيوخ، ثم أسس علاقة قوية مع عثمان طرطاق خليفة الجنرال توفيق، كما عمل على التقرب من الوزير الأول عبد الملك سلال، ومن قائد الجيش الشعبي أحمد قايد صالح لدرجة أن الرجل أصبح قويًا ومؤثرًا داخل أسوار القصر الجمهوري، لماذا إذن أجبر سعداني على الاستقالة؟
أجاب عن هذا السؤال أحد نواب جبهة التحرير قائلاً: “انتهت مهمة السعداني مع تنزيل رتبة الجنرال توفيق ومع حل جهاز المخابرات”، وأضاف “لقد فقد السعداني أي اتصال بالقصر الرئاسي منذ سنة تقريبًا، حيث لم يرد سعيد بوتفليقة المستشار الخاص للرئيس، على اتصالات السعداني، بل حتى إنه لا يريد رؤية وجهه مما أجبر السعداني على الاستعانة بوسطاء من أجل الوصول للرئيس أو شقيقه”.
لكن يبدو أن السعداني قد ارتكب خطأ فادحًا، عندما لم يعلم أنه لا يملك مكانًا بين المقربين من حاشية الرئيس بوتفليقة.
خلال شهر آذار/ مارس الماضي، تجرأ السعداني على القول بأنه يعارض سياسة بلاده تجاه قضية الصحراء الغربية، وبما أن هذا التصريح جاء من قبل رجل سياسي معروف، أجبر بوتفليقة على استقبال رئيس جبهة البوليساريو لطمأنته بأن موقف الجزائر لم يتغير، وأنه لن يتوقف عن دعم القضية الصحراوية.
بعد ذلك خرج السعداني ببطء من حاشية بوتفليقة، تقرب تدريجيًا من رئيس أركان الجيش القايد صالح، وقام بإنشاء تحالفات متينة مع رجال أعمال بعد أن مكنهم من مناصب حساسة داخل جبهة التحرير، كما استطاع أيضًا إبعاد الطاهر خاوة وزير العلاقات مع البرلمان، رغم علاقته بسعيد بوتفليقة، وهذا يؤكد أن السعداني قد أسس حاشيته الخاصة.
وبهذه الطريقة بدأت جبهة التحرير الوطني تفلت شيئًا فشيء من قبضة الحكومة، وعلاوة على ذلك، تحالف السعداني مع رجال أعمال نافذين في الدولة، وأصبح يثير مخاوف بوتفليقة خصوصًا بعد تقارب السعداني مع قائد الجيش الفريق قايد صالح، الذي شبهه بوتفليقة بسيسي الجزائر.
وقبل سنتين من الانتخابات الرئاسية المقررة لسنة 2019، يعمل بوتفليقة على إعادة السيطرة على جبهة التحرير الوطني، بعد تعيين جمال ولد عباس مكان السعداني.
ويعتبر ولدعباس آخر “مدللي بوتفليقة”، إذ يعتبر أكثر المقربين من الرئيس وعائلته، وقد نظم ولد عباس ملتقى تاريخيًا لبوتفليقة عندما كان نائبًا في البرلمان في ولاية عين تموشنت سنة 1962، لذلك يمكن للرجل الوفي لبوتفليقة أن يعيد تنظيم الجبهة داخل البرلمان وينظم الصفوف، قبل الانتخابات التشريعية المقررة سنة 2017.
وتجدر الإشارة إلى أن أول ما قام به ولد عباس بعد توليه منصب أمين عام الجبهة، هو التحالف مع الموالين والمنشقين عن عمار السعداني.
من جهة أخرى، جاءت إقالة السعداني في صالح الجنرال محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق، إذ وقع استقباله كثيرًا خلال الأشهر الماضية من قبل رئيس الدولة، بمحل إقامته الخاص في ضاحية زرالدة، كذلك قام سعيد بوتفليقة بدعوة الجنرال توفيق لإجراء محادثة، وهي تعتبر المرة الأولى التي يلتقي فيها الرجلان، اللذان يعرفان بعضهما جيدًا، منذ إجبار الجنرال توفيق على التقاعد خلال شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2005.
المصدر: صحيفة جون أفريك