لأول مرة في تاريخ روسيا يتعرض مسؤول رفيع المستوى لاعتقال وهو على رأس عمله منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991، حيث أقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير التنمية الاقتصادية أليكسي أوليوكايف على خلفية مزاعم تلقيه رشوة بلغت مليوني دولار من شركة النفط الروسية روس نفط (إحدى أكبر شركات النفط في روسيا) والتي تمتلك الحكومة نصفها لقاء شراء حصة الحكومة في شركة باش نفط (سادس شركة نفطية في البلاد من حيث القيمة).
لا أحد يتمتع بالحصانة
وكِلت للوزير مسؤولية بيع الأصول المملوكة للدولة بعد إعلان الحكومة نيتها خصخصة بعض الشركات التابعة لها، وقد أعلنت لجنة التحقيق الروسية أمس الثلاثاء عن اعتقال الوزير وسيواجه عقوبة قد تصل إلى السجن لمدة 15 عامًا في حال إدانته بالقضية، يذكر أن الوزير ينفي كل التهم الموجهة إليه، ومن المقرر وضعه رهن الإقامة الجبرية لمدة شهرين كما وتوقعت مصادر أمنية توجيه تهم جديدة إلى مسؤولين اقتصاديين آخرين في الحكومة الروسية إذ قد يبلغ عدد المتهمين في قضية الرشوة تلك 8 أشخاص.
وحسب رواية التحقيق فإن أليكسي كان يطالب رئيس شركة روس نفط إيغور سيتشين بتسليمه رشوة قيمتها مليوني دولار مقابل موافقة وزارة التنمية الاقتصادية على صفقة شراء حزمة الأسهم المملوكة للحكومة في شركة باش نفط.
تعد هذه القضية الأكبر منذ قضية الفساد في شركة أوبورون سيرفيس المتعاونة مع وزارة الدفاع الروسية والتي أسفرت عن إقالة وزير الدفاع الروسي أناتولي سيديوكوف في نهاية العام 2012.
ومن غير الواضح حتى الآن إعادة النظر في صفقة شراء روس نفط لأسهم في باش نفط التي سبق وأن باعت الدولة في 12 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي – فيما عرف بأكبر عملية تنازل عن أصول حكومية هذه السنة – نحو 50% من شركة باش نفط الكومية إلى المجموعة العملاقة روس نفط مقابل 5.2 مليارات دولار.
من جانبه قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إنه مصدوم ولا يقدر على تفهم هذا التطور، ودعا لاستخلاص العِبر من قضية اعتقال وزير التنمية الاقتصادية مفادها أنه لا يوجد أحد من المحافظين أو النواب أو الوزراء يتمتع بالحصانة.
وفي نفس السياق أعلنت لجنة التحقيق اليوم الأربعاء عن توقيف النائب السابق لسان بطرسبورغ للاشتباه باختلاسه مبلغًا يتجاوز 50 مليون روبل روسي في أثناء إجراء عقود خاصة بتجهيز ملعب جديد في سان بطرسبورغ إذ من المخطط أن يحتضن بطولة كأس العالم لكرة القدم في العام 2018.
صفقة استحواذ مثيرة للجدل
صفقة استحواذ روس نفط على حصة في باش نفط كانت محور صراع عنيف بين معسكرين متنافسين داخل الكرملين وكانت عملية البيع شاقة ومثيرة للجدل، ويرى خبراء في قضية أليكسي أنها “غريبة جدًا”، مستبعدين أن يكون الوزير قد ابتز رئيس شركة روس نفط إيغور سيتشين وطلب منه أموالًا، فإيغور سيتشين هو شخصية سياسية نافذة في الدولة ومقرب جدًا من بوتين.
يذكر أن سيتشين سعى لحشد التأييد لبيع باش نفط، لكن مؤيدي التحرير الاقتصادي في الحكومة رفضوا الصفقة، إذ اعتقدوا أن من يجب أن يشتري الشركة هم مستثمرون من القطاع الخاص.
بينما يشير مراقبون أن دواعي ملاحقة الوزير ظهرت على أنها مكافحة الفساد في الدولة، ولكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك فما جرى أنه تم التضحية بشخصية مثل الوزير أليكسي لا ينتمي إلى أي مجموعة نفوذ ومن ثم رغبة بوتين التخلص من الليبراليين السابقين.
فصفقة شراء روس نفط لباش نفط لا يمكن أن تتم دون علم بوتين وموافقته شخصيًا عليها، وشركة باش نفط بالأصل تم الاستيلاء عليها من رجل الأعمال فلاديمير يفتوشينكوف تمهيدًا لبيعها إلى روس نفط رغم تراكم ديون الأخيرة.
قضية باش نفط إحدى أكبر شركات النفط في روسيا تعود للعام 2014 عندما قبلت محكمة التحكيم في موسكو دعوى النيابة العامة اعتبار أن خصخصة الشركة غير قانونية وإلزام مجموعة سيستيما المملوكة لرجل الأعمال فلاديمير يفتوشينكوف برد 71% من أسهمها للدولة، وبعد تلك القضية عملت الدولة للإعلان عن نيتها خصخصة الشركات وإتمامها قبل نهاية العام 2016، لذا فإن الصفقة برمتها يلفها الجدل والغموض بسبب ما جرى من ملابسات في أثناء الاستحواذ عليها.