منذ أن أعلن زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي أن النظام الرئاسي في تركيا يعد أمرًا واقعًا وبين استعداده لبدء المباحثات مع حزب العدالة والتنمية من أجل إقرار تطبيق النظام الرئاسي في تركيا بشكل قانوني وهو ما قد يؤهله عدد نواب الحزبين في البرلمان لتمرير التعديلات الدستورية بما فيها النظام الرئاسي إلى استفتاء شعبي، وبالفعل بدأت الأخبار تتوارد عن نظرة الحزبين إلى النظام الرئاسي وشكله ومؤسساته.
زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي يرفع شعار القومية التركية
لكن الذي جن جنونه فور العلم بخطوة حزب الحركة القومية هو حزب الشعب الجمهوري وتحديدًا رئيسه كمال كليشدار أوغلو والذي لم يترك مناسبة دون التحذير من النظام الرئاسي، فقد قال في أكثر من مرة إن النظام الرئاسي سيوفر حالة من عدم القانون ونظامًا يفتقر للعدالة، كما أن حدة نقد كليشدار أوغلو للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ازدادت بقوة بعد إعلان حزب الحركة القومية القبول بالتباحث بخصوص النظام الرئاسي، وبدأ كليجدار أوغلو في نقد كل شيء بعد فترة من الهدوء تلت محاولة انقلاب 15 من تموز 2016 وأطلق عليها اسم روح يني كابي وهو الميدان الذي ألقى فيه قادة الأحزاب الرئيسية كلماتهم في هجاء المحاولة الانقلابية.
“لن نسلم البلد للمجانين” و”هؤلاء لا يعرفون التاريخ” و”السيادة ليست في القصر، السيادة للشعب” و”الذين يحكمون تركيا لا يريدونها جزءًا من العالم المتحضر بل يريدونها جزءًا من الشرق الأوسط” و”لا يريدون إلا نظامًا رئاسيًا لن يحدث هذا يا صديقي” و”لن نجعلك رئيسًا” قال كليجدار أوغلو هذه العبارات وغيرها معددًا سلبيات النظام الرئاسي ومتسائلاً إن كان لا يوجد أحد يستطيع أن يقود البلد غير شخص معين، كما لم تتوقف انتقادات زعيم حزب الشعب الجمهوري عند الرئيس التركي فقد طالت مستشاريه ونواب ومسؤولين في حزب العدالة والتنمية متهمًا أحدهم بالجهل بالتاريخ وأن الدولة العثمانية كانت تتبنى في أواخر عهدها نظامًا برلمانيًا وليس رئاسيًا، وكان آخر من هاجمهم كليجدار أوغلو نائب رئيس الحزب ياسين أقطاي.
فياسين أقطاي قد أشار إلى أنهم في حزب العدالة لم يكونوا على علم بخطط جماعة أو تنظيم غولن قبل 17 من ديسمبر 2013 مضيفًا “لقد كنا طيبين في التعامل معهم، ولكن كليجدار أوغلو علم بهذا التاريخ ولهذا لا بد أن يقاضى”.
من أخطر ما جاء به كليجدار أوغلو الذي يصمم على أن النظام الرئاسي لن يكون في تركيا هو أن هناك دعوات صريحة في كلامه للتحدي العملي للنظام الرئاسي وعدم الاكتفاء بالتحدي الكلامي، وقد استغل كليجدار أوغلو عددًا من المناسبات مثل احتجاز صحفيين متهمين بوجود علاقة لهم مع جماعة فتح الله غولن التي نفذت الانقلاب في 15 من تموز 2016، وكذلك حادثة إيقاف النيابة العامة لعدد من نواب حزب الشعوب الديمقراطية بسبب عدم توجههم للنيابة للإدلاء بإفاداتهم عن عملية تحريض للخروج للشوارع أدت إلى مقتل عدد من المواطنين الأتراك بعد أحداث مدينة عين العرب كوباني.
كمال كليشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري
وقد قال كليجدار أوغلو إن علينا تطبيق القانون ولكن إذا جاء شخص يريد تطبيق قانونه الخاص فإن الشعب يصبح له حق المقاومة وهذا موجود في ألمانيا وفي الدستور الألماني حتى لا يتكرر ما قام به هتلر، وفي هذا إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي سياق آخر متصل إذا نظرنا إلى استطلاعات الرأي التي أجريت في تركيا مؤخرًا مثل استطلاع شركة أورك في شهر أكتوبر، فإن المواطنين الأتراك الذين استطلعت آراؤهم بشأن قرارهم لو أجريت الانتخابات بين 10 و16 من أكتوبر 2016، وهم قرابة 22 ألف قال 54% إنهم سوف ينتخبون حزب العدالة والتنمية وقال 25% إنهم سوف ينتخبون حزب الشعب الجمهوري وقال 15% إنهم سينتخبون حزب الحركة القومية فيما قال 6.2% بأنهم سينتخبون حزب الشعوب الديمقراطية.
وبالتالي فإن هذه الأرقام تزيد من خشية حزب الشعوب، فالحركة القومية تتجه نحو حزب العدالة وحزب الشعوب في تراجع مما قد يفسر التحرك النشيط لكليجدار أوغلو في محاولة إعاقة التقدم الكبير لحزب العدالة والتنمية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
في نفس الإطار فإن هناك من يرى أن كل هذه الزوبعة التي يقوم بها كليجدار أوغلو في الترهيب من النظام الرئاسي ليست للحفاظ على زعامة المعارضة أو قوة المعارضة بل من أجل المحافظة على مكانته كزعيمٍ لحزب الشعب الجمهوري ولهذا حسب هذه الآراء فإن الرجل يعتبر النظام الرئاسي كابوسًا شخصيًا، كما أن الرجل عندما يقول لا نقاش للنظام الرئاسي فهو هنا يقع في الديكتاتورية، إذ إن النظام الديمقراطي وفلسفته تعتبر أن كل شيء مطروح لإرادة الشعب وممثليه.
ومع كل معارضة من زعيم حزب الشعب الجمهوري للنظام الرئاسي أو نقد للرئيس أردوغان فإن الكثير من مؤيدي حزب العدالة يتهمون الرجل بدور ما في الانقلاب الفاشل وأنه كان ينتظر نجاحه في بيت رئيس بلدية بكر كوي في إسطنبول، وإن كانت هذه الأقوال لن تصيب كليجدار أوغلو بالجنون فإن تبادل الآراء والعروض بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية وزيادة التفاهم بشأن النظام الرئاسي هو ما قد يصيبه بالجنون، وعلى كل حال سيظل كليجدار أوغلو يحذر من النظام الرئاسي ويخوف الناس منه ورغم ذلك سيصل للبرلمان وإن وصل فسيعرض على الناس لتبدأ مرحلة جديدة في تركيا.