نتوقع وقبل كل شيء نقول “نتوقع”، وبناءً على ما سمعنا كلنا من الخطابات الكثيرة للمرشح الجمهوري، وللرئيس المنتخب، دونالد ترامب، نعم إنهما شخصيتان استمعنا لهما! وبناءً عليهما نستطيع النظر إلى علاقة تركيا مع القارة الأوروبية.
تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا
انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وها هي رئيسة وزرائها تيريزا ماي تقف في وجه كل شائعة تدّعي أنها تحاول إعادة الأجندات القديمة لإرجاع العلاقات مع الاتحاد، في سياسة منها أنّها جاءت بعهد جديد لبريطانيا، فكانت مجرد البداية للاتحاد الأوروبي، ثم تلاها نجاح المرشح الجمهوري ترامب في الانتخابات الرئاسية، والذي سيتولى منصبه بعد فترة وجيزة، وما إن سمع زعماء الاتحاد الأوروبي هذه المفاجأة، انفجرت التحليلات عن علاقة أمريكا – ترامب المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
انتقد كثير من القابعين في سدة حكم الاتحاد تصريحات الرئيس الجديد الذي لا يمتلك الخبرة الكافية في الشؤون السياسية، أي بلغة أخرى يريدون القول: “كيف سنتعامل مع شخص سطحي في السياسة”؟ ويجسد ذلك قول وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فونديرلاين: “المعركة الانتخابية في أمريكا اتسمت بالتحقير، وترامب لديه الفرصة الآن حتى تولي السلطة لبناء الجسور”، فهي تدعوه إلى تحسين سياسته وألا يجعل دعاياته الانتخابية سياسات مع أوروبا، فكانت انتقادات ترامب التي وجهها للاتحاد الأوروبي مزعجة لهم.
وعلى الجهة المقابلة، التلويحات من تركيا بطرح استفتاء عام بخصوص إعادة حكم الإعدام فيها، وكذلك نرى اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين نتج عنه قضية مهمة، ألا وهي أنّه “لا ينبغي على أوروبا أن تتخلى عن تركيا”، نعم قد لا يكون هذا مؤشرًا للموافقة المبدئية على انضمام تركيا، ولكنها حتمًا إشارة واضحة من الاتحاد للرئيس الجديد في أمريكا أننا قد نقترب أكثر من تركيا في حال قمت بتصديع القارة الأوروبية، وكذلك هي إشارة مهمة من أردوغان للاتحاد أنْ “حسنوا علاقتكم معنا وراضوا شعبنا”، إنّه خيار مرٌّ لأوروبا.
لم لا؟ وقد قاربت تركيا على ربط روسيا بأوروبا بأنابيب السيل التركي الكبير الخاصة لنقل الغاز الطبيعي من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبحت الحاجز المنيع لتخفيف عبء المهاجرين عن أوروبا، وسدًّا منيعًا ضد التنظميات الإرهابية المختلفة.
إن تركيا تشكل موقعًا استراتيجيًا يجعل علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، فوق العادة، إذ إنها شراكة أمنية استراتيجية، وهي موثوقة على كل حال، ليس كما اعتمدت بريطانيا قرارها فخرجت من الاتحاد، وتبعها ترامب في تصريحات أرعبت زعماء حلف الناتو ووزراء الخارجية، لقد أدّى هذا بالاتحاد إلى وضع كثير من الخطط الاحتياطية في حال تنفيذ ترامب سياسته على أوروبا، نعم إنه حلم مرعب!
وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون
إن تصريح وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون يلحق بالوجهة البريطانية في الانحلال عن الاتحاد الأوروبي، ولكن من ناحية عسكرية، أي من ناحية حلف شمال الأطلسي، إذ يقول: “بدلًا من التخطيط لإنشاء مركز قيادة رئيسي جديد باهظ التكاليف أو الحلم بجيش أوروبي، فإن ما ينبغي على أوروبا عمله الآن هو إنفاق المزيد من الأموال على دفاعها الخاص، وهذا نهج لمواجهة رئاسة ترامب”، وغيرها من الصياغات الجديدة لإعادة تجمع الاتحاد الأوروبي حول نفسه، اقتصاديًّا، وإعادة تكتل عساكر حلف شمال الأطلسي بشكل يضمن الاستقرار، وقد قالت الممثلة العليا للأمن والسياسة في الاتحاد فيديريكا موغريني: “ينبغي علينا أخذ قراراتنا بشكل مستقل، ومن منظور أوروبي”.
وهذه العملية لا تتم هكذا، وأقصد أنها لا تتم بعيدًا عن رفع مستوى العلاقات بين تركيا والاتحاد، فتركيا جزء لا يتجزأ من القارة الأوروبية، وهي من أقوى الجيوش بها، ودولة تعتمد على نفسها، وتنفع أوروبا في وقت الأزمات، فليس من العقل بتاتًا أن تتخلى دول الاتحاد الأوروبي عن هكذا شراكة.