جملة الشعارات المختلفة التي يسوقها المرشحون ضمن حملاتهم الانتخابية للمنافسة على رئاسة دولة أو احتلال منصب ما، هي شعارات تتغير تلقائيًا، وتحت أي حجة فور فوزهم بالمنصب، ولكن يبقى عدد قليل منها يتم البدء في تحقيقها باعتبارها عصب الحملة والتي لا بد من الوفاء بها، وخاصةً عندما تتعلق بالأمور الداخلية أو الخارجية الكبرى.
ترامب في أيباك (أقوى مجموعات الضغط اليهودية ) في آذار 2016
في الواقع، ومنذ قيام إسرائيل، أعلن جميع المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة، سواء – ديموقراطيين أو جمهوريين – ودون استثناء بأنهم سيهتمون بنقل سفارة بلادهم إلى القدس، وتعاظمت كمية الوعود على نحوٍ أكبر منذ قيام إسرائيل باحتلال القدس الشرقية عام 1967، بهدف تحقيق عملية القدس الكبرى وإعلانها عاصمة يهودية للدولة.
فمنذ أوائل السبعينيات وإلى الآن، لم يتخلف الرؤساء الأمريكيون عن إرسال الوعود بنقل السفارة، بدءًا من ريتشارد نيكسون إلى باراك أوباما، لكنهم بقوا على تفضيلهم التراجع عن الوفاء بوعودهم، خشية المس بعلاقات ومصالح الولايات المتحدة مع دول المنطقة العربية والإسلامية، وبذريعة أنه لا يجب الإسراع بتنفيذ فكرة النقل ما لم يتم الاتفاق بشأنها، وبالمقابل يقومون بتعظيم التعهدات التي تدل على أن القيم الأمريكية باتجاه إسرائيل، قيم أخلاقية لا تتزعزع، وغالبًا ما كان العرب يدفعون أثمانًا لقاء إرجاء تنفيذ تلك الوعود.
من جانبه – على سبيل المثال – أشار الرئيس رونالد ريغان في نيسان 1984 إلى إمكانية نقل السفارة، برغم التعهد الذي أخذه على نفسه بعدم إقدام بلاده على هذه الخطوة في أوقاتٍ سابقة، وكان مجلس الشيوخ الأمريكي بلغ الذروة بصدد هذه الخطوة، حيث أقر قانونًا في العام 1995، وحدد بأن على الولايات المتحدة نقل السفارة إلى القدس في موعدٍ أقصاه الآخر من أيار 1999، ولكن ذلك لم يحدث بعد بسبب معارضة الرئيس بيل كلينتون، برغم مصادقته على القانون، وبعد تأكيده ذات مرة بأن الولايات المتحدة قد عينت مكانها.
وإن كانت التعهدات قد جعلتنا أكثر استقرارًا، باعتبار لم يتم تنفيذها إلى هذه الأثناء، لكننا لا يجب أن نظل مستقرين من الآن فصاعدًا، خاصة وبعد اعتماد المرشح الجمهوري دونالد ترامب لرئاسة البلاد، باعتباره رئيس أسطوري ومن عالم آخر، حيث جعل منذ البداية على رأس أولوياته، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في حال حصل على منصب رئاسة الولايات المتحدة وأنه لن يتوانى لحظة في فعل ذلك.
ربما هذه المرة – كما يبدو – قد يكون تنفيذ الفكرة حقيقيًا، ليس لأن هناك مشاريع قانونية سابقة بنقل السفارة كان قد أقرها الكونجرس منذ زمن طويل، بل لأن الرئيس في هذه المرة يُعتبر جادًا في تهديده باعتباره محب لإسرائيل ولرئيس وزرائها بنيامين نتانياهو تحديدًا، وفي نفس اللحظة، كارهًا للعرب والمسلمين والفلسطينيين بشكل خاص، ولأن الوقت مناسبًا أكثر لإيصال حقيقة أن مستوى التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيكون أوثق وأقوى من أي وقت مضى، إضافةً إلى رغبته في إزالة التوتر الذي ساد علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل، والذي تأسس بناءً على كراهة متميزة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبين نتانياهو.
على المستوى الفلسطيني، اعتُبرت نية ترامب خارقة للحدود، وتمثل احتقارًا للقانون الدولي وللسياسة الخارجية الأمريكية المُعتادة، وأنه في حال تنفيذها ستنجم عنها أمور خطيرة، قد لا يستسيغ أحد رؤيتها أو السماع عنها، وهناك على المستوى الخارجي، من اعتبروا أن فكرة النقل غير قابلة للتنفيذ، وحتى من الإسرائيليين أنفسهم، باعتبارها تصريحات لزوم السوق، وهي مماثلة لتصريحات من سبقوه، لكن هذه الاعتبارات لا يجب الركون إليها بأي حال بسبب أنها قد تم وضعها للتسلية فقط.
وإذا كان العرب يهمهم عدم رؤية السفارة الأمريكية تجري في الطريق إلى القدس، ويعتبرون أنفسهم بأنهم ليسوا شركاءً في تحريكها من مكانها في تل أبيب مليمترًا واحدًا، فإنهم مدعوون هذه المرة، وخاصةً الذين لم يُسلموا بعد بقضية أن تكون القدس عاصمة للدولة الإسرائيلية، إلى الانتباه جيدًا، والعمل بشكلٍ جاد على درء هذه النوايا، ومن جهةٍ أخرى ضرورة إقدامهم إلى عرض سياسة مُقابلة، تليق بها لياقة دافعة، وعدم الاتكال إلى المشاهد السابقة، كونهم اعتادوا على عدم رؤيتها كحقيقة واقعة، وذلك بسبب تبدل السياسة الأمريكية وتغييرها، من سياسة تعاونية وتفاهمية، إلى سياسة غوغائية متوحشة.